الثلاثاء 4 مارس 2025

مقالات

محمد صديق المنشاوي .. مزمار من دولة التلاوة

  • 4-3-2025 | 14:56
طباعة

جيل ذهبي بَنى على قواعد من سبقوه فأحسن البناء وأقام دولة للتلاوة شُهد لها بالريادة في قراءة وتجويد وترتيل القرآن الكريم، فعندما وضع الشيخ محمد رفعت والشيخ علي محمود أسس هذه الدولة فإن الجيل اللاحق عليهما قد رفع القواعد حتى ظهر البناء واستطال وسطع نوره على يد الشيخ الحصري والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ محمود البنا والشيخ عبدالباسط عبدالصمد وقارئنا الخاشع الباكي محمد صديق المنشاوي.

عُرف الشيخ محمد صديق المنشاوي بعذوبة صوته وجمال أدائه وخروج الآيات من صميم قلبه قبل أن تمر على حنجرته لتستقر في قلوب المستمعين بعد أن تشنف آذانهم فما خرج من القلب يصل إلى القلب، ولهذا لُقب الشيخ بالخاشع الباكي، فإذا استهل الشيخ المنشاوي قراءته فُرضت حالة من الصمت تتمخض عنها حالة خشوع تلامس حد البكاء فتزال كل الحواجز بين القارئ والمستمعين كأنه صوت من السماء، فما إن تسمعه يتغنى بآية (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) حتى تأنس بقرب الخالق و تتملكك طمأنينة ينتظم معها النبض و يستكين الفؤاد، فهو الصوت الأواب الذي تحن له الآذان وتستريح معه النفوس.

ولد الشيخ محمد صديق المنشاوي بصعيد مصر في مدينة المنشأة التابعة لمحافظة سوهاج عام 1920 لأسرة تتوارث قراءة القرآن وتجويده، فوالده الشيخ صديق المنشاوي وشقيقاه أحمد و محمود جميعهم قراء للقرآن الكريم، فهى عائلة قرآنية عريقة كونت مدرسة متميزة منفردة عُرفت بالمدرسة المنشاوية، وقد أخذ الشيخ عن هذه المدرسة ما وضعه على الطريق و طور من أسلوبه و أجاد حتى صار علماً من أعلام التلاوة الذين قرأوا القرآن مرتلاً و مجوداً فمتع الآذان و خشعت لتلاوته القلوب لانفعاله العميق بالمعاني والألفاظ القرآنية وإتقانه لمقامات القراءة.

أتم الشيخ حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة و هو ابن أحد عشر عاماً على يد شيخه محمد النمكي، ثم درس أحكام التلاوة على يد الشيخ محمد سعودي وانطلق في عالم التلاوة حتى وصل صيته للإذاعة فأرسل المسئولون يطلبون منه تقديم طلب للالتحاق بها فما كان منه إلا أن رفض قائلاً "لست بحاجة إلى شهرة الإذاعة"، فأمر مدير الإذاعة بأن تنتقل وحدة إلى حيث يقرأ الشيخ و تفاجأ الجميع برجال الإذاعة يسجلون قراءة الشيخ المنشاوي وهو يحيي إحدى الليالي الرمضانية بقرية "إسنا" وأراد مسئولو الإذاعة من هذا التسجيل تقييم صوت المنشاوي لضمه للإذاعة، وكانت هذه المرة هى الأولى التي تنتقل فيها الإذاعة بفنييها ومهندسيها ومعداتها لقارئ حيث يقرأ، فقد سعت إليه الإذاعة وضمته دون طلب منه.

أصبح الشيخ المنشاوي علماً من أعلام التلاوة و جابت شهرته البلاد العربية والإسلامية وزار معظم هذه البلاد و كُرم فيها عدة مرات، ففي منتصف الخمسينيات منحته دولة إندونيسيا وساماً رفيعا تكريماً لمجهوداته في خدمة القرآن، كما حصل على وسام الاستحقاق من الدرجة الثانية عام 1965 من سوريا، وله العديد من التسجيلات في ليبيا والكويت والسعودية و باكستان وغيرها، و قد ترك أكثر من مائة وخمسين تسجيلاً بالإذاعة المصرية و إذاعات أخرى.

قال عنه الشيخ محمد متولي الشعراوي: "من أراد أن يستمع إلى خشوع القرآن فليستمع لصوت المنشاوي، إنه ورفاقه الأربعة مصطفى إسماعيل، وعبدالباسط، والبنَّا، والحصري، يركبون مركباً، ويُبحرون في بحار القرآن الكريم، ولن تتوقف هذه المركب عن الإبحار حتى يرث الله الأرض ومن عليها".

أُصيب الشيخ في عام 1966 بدوالي المريء وكان يعالج من هذا المرض العضال على فترات و استمرفي العلاج إلى أن لقي ربه في يوم الجمعة 5 ربيع الثاني 1389 هجرية الموافق 20 يونيه 1969ميلادية، رحمة الله على خادم القرآن صاحب الصوت الخاشع الحزين.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة