يُعَدُّ كتاب «كليلة ودمنة» من أشهر الكتب العالمية التي تحمل بين طياتها عالماً واسعًا من الحكايات والحكم. يضم الكتاب مجموعة متنوعة من القصص التي ترجمها عبد الله بن المقفع من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية في العصر العباسي، وتحديدًا في القرن الثاني الهجري، مضيفًا إليها أسلوبه الأدبي المميز. ويُجمِع العديد من الباحثين على أن أصل الكتاب يعود إلى التراث الهندي، حيث تُرجم في البداية إلى الفارسية، ثم نقله ابن المقفع إلى العربية بأسلوبٍ راقٍ ومبدع.
يُروى أن سبب تأليف «كليلة ودمنة» يعود إلى رغبة ملك هندي يُدعى دبشليم في تعلم الحكمة بأسلوب مشوّق ومسلٍ، فطلب من حكيمه بيدبا أن يضع له هذا الكتاب، فجاءت الحكايات في قالبٍ أدبي رائع استخدم فيه بيدبا أسلوب الحكايات على لسان الحيوانات، لتقديم دروسٍ أخلاقية وحِكَمٍ إنسانية خالدة.
أصبحت النسخة العربية من «كليلة ودمنة» محطةً هامةً في تاريخ الأدب، حيث أسهمت بشكل كبير في انتشار الكتاب وترجمته إلى العديد من لغات العالم. ويصنّفه النقاد العرب القدامى ضمن الطبقة الأولى من كتب الأدب العربي، ويعدونه واحدًا من أبرز أربعة كتب مميزة. يتألف الكتاب من خمسة فصول تحتوي على خمسة عشر بابًا رئيسيًا، تتناول قصصًا تراثية تعكس تجارب البشر من خلال حواراتٍ شيقة على ألسنة الحيوانات.
تُقدّم بوابة «دار الهلال» لقرائها طوال شهر رمضان المبارك لعام 1446 هـ حكاياتٍ يومية من كتاب «كليلة ودمنة»، في إطار سلسلةٍ مميزة تستعيد من خلالها عبق التراث الأدبي. وتُقدَّم اليوم قصة بعنوان «الرجل والتاجر»، لتستمر الرحلة الممتعة مع عالم الحكايات والحكمة.
وجاء بالقصة: زعموا أنه كان بأرض كذا تاجر، فأراد الخروج إلى بعض الوجوه لابتغاء الرزق، وكان عنده مائة طن من الحديد، فأودعها رجلا من إخوانه و ذهب في وجهه، ثم قدم بعد ذلك بمدة، فجاء والتمس الحديد فقال له: قد أكلته الجرذان، فقال: قدْ سمعت أن لا شيء أقطع من أنيابها للحديد، ففرح الرجل بتصديقه على ما قال و ادعى، ثم إن التاجر خرج فلقي ابنــــًا للرجل، فأخذه و ذهب به إلى منزله، ثم رجع الرجل إليه من الغد فقال له: هل عندك علم ٌ من ابني ؟ فقال له التاجر: إني لما خرجت من عندك بالأمس رأيت بازيا "أي طير جارح كالعقارب"، قد اختطف صبيا صفته كذا و كذا، و لعله ابنك.
فلطم الرجل رأسه و قال: يا قوم هلْ سمعتم أو رأيتم أن البزاة تختطف الصبيان ؟ فقال: نعم، وإن أرضا تأكل جرذانها مائة طن من حديد ليس بعجب أن تختطف بزاتها الفيلة، قال له الرجل: أنا أكلت حديدك و هذا ثمنه، فاردد علي ابني.
و قد ضرب هذا المثل لنعلم أنه إذا صاحب أحد صاحبا و غدر بمن سواه، فقد علم صاحبه أنه ليس عنده للمودة موضع.