في كل زاوية من زوايا الأرض، قامت صروح شاهقة تنطق بالجلال، وتعكس نور الإيمان، وتُردد أصداء التكبير والتهليل، إنها المساجد والجوامع، بيوت الله التي جمعت القلوب، ووحدت الصفوف، واحتضنت أرواحًا وجدت فيها السكينة والطمأنينة.
وفي شهر رمضان المبارك، حيث تصفو الأرواح وتسمو النفوس، نأخذكم في رحلة روحانية عبر الزمان والمكان، لنطوف بكم حول أجمل وأعظم الجوامع والمساجد في العالم، من قلب الحرمين الشريفين، إلى مآذن الأندلس الشامخة، ومن سحر مساجد إسطنبول العتيقة إلى عبق التاريخ في مساجد المغرب العربي، سنعيش معًا حكاياتٍ من الجمال المعماري، والتاريخ العريق، والمواقف الإيمانية الخالدة.
وعبر بوابة «دار الهلال» خلال أيام شهر رمضان الكريم، لعام 1664 هجريًا / مارس 2025 ميلادي، نستعرض معكم أحد أشهر المساجد، والجوامع التاريخية في دول العالم الإسلامي، والدول العربية، حيث يجتمع الفن والهندسة والإيمان في لوحات تأسر القلوب، وتروي قصصًا من العظمة والروحانية، في ليالي رمضان المباركة.
وفي اليوم السابع عشر من شهر رمضان المبارك 1446هـ/ 17 مارس 2025 نذهب في رحلة وجولة مع «مسجد محمد علي» بقلعة صلاح الدين الأيوبي
مسجد محمد علي.. تحفة من المرمر تُعانق السماء
مسجد محمد علي بالقلعة، أنشأه السلطان محمد علي، ما بين الفترة من 1830م إلى 1848م على الطراز العثماني، على غرار جامع السلطان أحمد باسطنبول، ويسمى المسجد أحيانًا بـ «مسجد المرمر» أو «الألبستر» لكثرة استخدام هذا النوع من الرخام في تكسية جدرانه.
بُنى مسجد محمد علي، داخل قسم من أرض قصر الأبلق، داخل قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة، حي القلعة حاليًا، ويُعد المسجد أجمل منشآت محمد علي باشا، وتم الشروع في بنائه سنة 1246هـ، 1830م، واستمر العمل فيه بلا انقطاع حتى توفي محمد علي باشا سنة 1265هـ، 1848م، فدفن فيه ثم أمر بإتمام زخارفه عباس باشا الأول.
و يقع ضريح محمد علي باشا على يمين الداخل بالركن الجنوبي الغربي للجامع والذي بُني بالرخام الأبيض.
بناء وتكوين مسجد محمد علي
ويتكون المسجد من شكل مستطيل ينقسم إلى قسمين أولهما.. القسم الشرقي وهو بيت الصلاة أو حرم المسجد، الذي يتكون من مساحة مربعة غطيت بقبة مركزية، ضخمة يحيطها أربعة قباب صغيرة في الأركان، والقسم الغربي وهو الصحن تتوسطه فسقية للوضوء، ويحيط بالصحن أربعة أروقة ذات عقود محمولة على أعمدة رخامية تحمل قبابا صغيرة، أربعة أنصاف قباب، منقوشة من الداخل ومغشاة من الخارج بألواح من الرصاص وبها أهلة نحاسية.
روعة العمارة العثمانية
في وسط الصحن المكشوف نجد قبة للوضوء أنشأت سنة 1263 هجرية - 1844ميلادية، ذات رفرف خشبي ومقامة على ثمانية أعمدة رخامية وباطن هذه القبة زين برسوم ملونة تمثل مناظر طبيعية متأثرة بالأسلوب الغربي، وبداخل هذه القبة قبة أخرى ثمانية الأضلاع لها هلال رخامي نقش عليها بزخارف بارزة عناقيد عنب، وبها طراز منقوش ملون مكتوب عليه بالخط الفارسي بقلم الخطاط "سنكلاخ" آيات قرآنية للوضوء، وتحمل التاريخ سنة 1263 هجرية - 1844م.
وللجامع منبران أحدهما من الخشب المطلي باللون الأخضر والذهبي وهو المنبر الأصلي للجامع أما الآخر فهو من الرخام وقد أضيف إلى الجامع لاحقًا.
تكريم مسجد محمد علي
يعد مسجد محمد علي كأحد أبرز المعالم السياحية والأثرية المصرية، ولذلك سلطت الدولة المصرية الضوء على المسجد من خلال تزيين وجه عدة عملات ورقية وفضية برسم صورته، والتي يستخدم حاليًا منها العملة الورقية فئة عشرون جنيهًا، وذلك بخلاف العملات السابقة التي كانت تزينها صورته مثل العشرة قروش الورقية، والعشرة قروش المعدنية.