في كل زاوية من زوايا الأرض، قامت صروح شاهقة تنطق بالجلال، وتعكس نور الإيمان، وتُردد أصداء التكبير والتهليل، إنها المساجد والجوامع، بيوت الله التي جمعت القلوب، ووحدت الصفوف، واحتضنت أرواحًا وجدت فيها السكينة والطمأنينة.
وفي شهر رمضان المبارك، حيث تصفو الأرواح وتسمو النفوس، نأخذكم في رحلة روحانية عبر الزمان والمكان، لنطوف بكم حول أجمل وأعظم الجوامع والمساجد في العالم، من قلب الحرمين الشريفين، والأرض المباركة في فلسطين، إلى مآذن الأندلس الشامخة، ومن سحر مساجد الشرق العتيقة إلى عبق التاريخ في مساجد المغرب العربي، إلى قارات العالم جميعها، سنعيش معًا حكاياتٍ من الجمال المعماري، والتاريخ العريق، والمواقف الإيمانية الخالدة.
وعبر بوابة «دار الهلال» خلال أيام شهر رمضان الكريم، لعام 1664 هجريًا / مارس 2025 ميلادي، نستعرض معكم أحد أشهر المساجد، والجوامع التاريخية في دول العالم الإسلامي، والدول العربية، حيث يجتمع الفن والهندسة والإيمان في لوحات تأسر القلوب، وتروي قصصًا من العظمة والروحانية، في ليالي رمضان المباركة.

وفي اليوم الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك 1446هـ/ 23 مارس 2025م نذهب في رحلة وجولة مع «جامع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان» بالإمارات العربية المتحدة.

يُعد جامع الشيخ زايد الكبير، بالإمارت، والذي يعرف محليا بمسجد الشيخ زايد أو الكبير أو أيضا مسجد الشيخ زايد الكبير، هو أحد أكبر المساجد في العالم ومن أضخم الأعمال المعمارية التي تمزج بين مختلف مدارس العمارة الإسلامية.
بناء الجامع
وكان الحاكم الإماراتي الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قد وجه ببناء هذا الجامع في عام 1986م، من خلال دائرة الأشغال العامة في أبوظبي، وساعيًا لأن يكون الجامع الكبير مرجعًا حيًا للعمارة الإسلامية الحديثة التي تربط الماضي بالحاضر، وأن يكون منارة للعلوم الإسلامية والمنهجية ويصبح الجامع صرحًا إسلاميا يرسخ ويعمق الثقافة الإسلامية ومفاهيمها وقيمها الدينية السمحة، ومركزًا لعلوم الدين الإسلامي.
سادس أكبر مسجد في العالم
ويعد جامع الشيخ زايد الكبير، أحد أكبر عشرة مساجد في العالم من حيث حجم المسجد، فهو سادس أكبر مسجد في العالم من حيث المساحة الكلية بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأعظم بالجزائر و الجامع الأموي في دمشق ومسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء.
مساحة الجامع
وتبلغ مساحة الجامع 412,22 مترًا مربعا بدون البحيرات العاكسة حوله، ويتميز الجامع بعدد كبير من القباب تصل إلى 82 قبة، وأكثر من 1000 عمود كما تُزيّن الجامع ثريات مطعّمة بذهب عيار 24 قيراطًا، وتغطّي أرضيته أكبر سجادة يدوية الصنع في العالم، كما تتدلّى في قاعة الصلاة الرئيسية واحدة من أكبر الثريات في العالم.
ويتسع المسجد لأكثر من 7000 مصلي في الداخل ولكن من الممكن مع استعمال المساحات الخارجية أن يتسع لحوالي 40,000 مصل لكافة أقسام مبنى المسجد
ومن معالمه المميزة وجود أربعة مآذن في أركان الصحن الخارجي بارتفاع 107 أمتار للمأذنة مكسية كاملة بالرخام الأبيض.
بداية.. ومسابقة دولية
وأعلن البدء بتصميم المسجد على شكل مسابقة دولية، وقد فاز في الجائزة الأولى مكتب كونسير الاستشاري في أبوظبي، ثم أعيدت المسابقة في عام 1987، وفازت بها شركة المكتب العربي البلجيكي «تراكتيبيل الخليج حاليًا»، وذلك على 35 دولة مشتركة بالمسابقة، وقد صمم المسجد تحت إدارة المهندس يوسف عبدلكي، وكان هناك مصممين معماريين رئيسيين انجزوا التصميم وعملوا على تطويره، وهم: المهندس باسم برغوتي، والمهندس معتز الحلبي، والمهندس عماد ملص، ومن بعد عمل مئات المهندسين على تطويره وتحت إشراف دائرة الأشغال العامة في أبوظبي.
تاريخ بناء الجامع
بدأت أعمال البناء في عام 1998 تحت إشراف دائرة الشؤون البلدية، ونفذ المشروع على مرحلتين، تضمنت المرحلة الأولى بناء الأساسات والهيكل الخرساني وبلغت تكلفتها 750 مليون درهم، أمّا المرحلة الثانية، تضمنت أعمال التشطيب والزخرفة الداخلية والخارجية، وكلفت حوالي مليار و 267 درهم. وصرف أيضًا مبلغ 150 مليون درهم على الأعمال الخارجية.
وبني المسجد على ارتفاع 9 أمتار عن مستوى الشارع بناءً على أوامر الشيخ الشيخ زايد شخصيًا، بحيث يمكن رؤية المسجد من زوايا مختلفة ومن مسافة بعيدة، وقامت عدة شركات بالعمل على المشروع، إذ توقفت عدد من الشركات في أوقات مختلفة لعدة أسباب، وبدأت شركة هالكرو الإنجليزية أعمالها كاستشاري على المشروع في 2001، وعملت مع شركة المقاولات الإيطالية إمبريجلو لإنهاء المشروع.
المسجد من الداخل
يبلغ عدد الأعمدة داخل قاعة الصلاة الرئيسية، لجامع الشيخ زايد الكبير 24 عمودًا تحمل الأسقف والقباب الضخمة، وصممت بحيث يكون العمود الواحد مقسماً إلى أربعة ركائز، تحمل العقود الحاملة للقباب. هذه الأعمدة مكسوة بالرخام الأبيض المطعّم بالصدف بأشكال زخارف ونقوش وردية ونباتية، ما يضفي جمالاً ورونقاً في القاعة.
أما أبعاد المسجد الداخلية هي 50 مترا في 55 مترا، ويصل ارتفاع السقف 33 متر عن الأرض إلى عند القبة الرئسية، إذ يصل ارتفاعها إلى 45 متر
سجادة المسجد
تغطي أرضية المسجد أكبر سجادة في العالم، وتبلغ مساحتها 5 آلاف و 627 مترًا مربعًا وصممت بفنون راقية وجميلة تضفي ميزة التفرّد على المسجد. السجادة يدوية الصنع ونسجت في إيران من قبل شركة سجاد إيران وعمل عليها 1200 ناسج وناسجة، و 20 فنيا و 30 عاملا. يبلغ عدد العقد فيها 2,268 مليون عقدة وتزن السجادة 47 طنا، 35 طنًا منها من الصوف و 12 طنا من القطن.
قباب المسجد
تعد قبة المسجد الرئيسية أكبر قبة في العالم، حيث يبلغ ارتفاعها 83 مترًا وبقطر داخلي يبلغ 32,8، وتزن القبة ألف طن، وزخرفت من الداخل بالجبس المقوى بالألياف، صممه فنانون عرب بزخارف نباتية فريدة، صممت خصيصا للمسجد، بالإضافة إلى كتابة آيات قرآنية.
ويصل عدد القباب في هذا المسجد 82 قبة مختلفة الأحجام، تغطي الأروقة الخارجية والمداخل الرئيسية والجانبية، وجميعها مكسوة من الخارج بالرخام الأبيض المتميز ومن الداخل بالزخارف المنفذة من الجبس التي نفذها فنيون مهرة متخصصون بمثل هذا النوع من الأعمال.
الصحن والمحيطات
روعي في تصميم أرضية الصحن الخارجي لجامع الشيخ زايد الكبير، أن تكون بنظام بلاطات خرسانية ضخمة محمولة على ركائز خرسانية، ومكسوة بأجود أنواع الرخام المزخرف بأشكال نباتية ملونة وباستعمال الفسيفساء لتغطية مساحة الصحن بالكامل البالغة 17 ألف متر مربع من ضمن أكبر المساحات المكشوفة الموجودة في المساجد بالعالم الإسلامي. أما عدد أعمدة الصحن الخارجي الموجودة بالأروقة المحيطة بالصحن فيبلغ ألفًا و 48 عمودا مكسيا بالرخام المطعم بالأحجار شبه الكريمة، على صورة وأشكال نباتية وأزهار ملونة ولها تيجان معدنية مطلية بالذهب.
وأحيطت الأروقة الخارجية للمسجد ببحيرات مائية تعكس واجهات المسجد، مما يضيف إليه تميزا من الناحية التصميمية، وأرضياتها مكسوة بالرخام الأبيض مع استعمال رخام أخضر في الممرات التي تؤدي إلى الصحن، كما روعي بأن تكون أعمدة الأروقة الخارجية من الرخام الأبيض المطعم بالأحجار شبه الكريمة، وقام بتثبيتها عمال مهرة استقدموا خصيصا من الهند، بالإضافة إلى تاج الأعمدة، والمصمم بشكل رأس نخلة من الألمنيوم المذهب.
و يقع في كل من الزاوية الشرقية الشمالية والشرقية الجنوبية أماكن للوضوء، مكونة من 80 دورة مياه و 100 نقطة وضوء
أول صلاة بالجامع.. 1428 هجريًا
أول صلاة قامت في الجامع كانت صلاة عيد الأضحى في عام 1428 هجريا /19 ديسمبر 2007م، وكانت أعمال البناء ما زالت جارية وقتها ولم تنتهي في المسجد بشكل كامل، وقد انتهت أعمال البناء في شهر مارس من عام 2008، وبلغ إجمالي تكلفة المشروع مليارين و 167 مليون درهم إماراتي.
مكتبة جامع الشيخ زايد الكبير
تحتوي مكتبة على ثلاثة آلاف عنوان، موزعة على مختلف المجالات العلمية والثقافية، في أكثر من اثنتي عشرة لغة حيّة، من ضمنها مجموعات من نفائس الكتب النادرة، توفر المكتبة الخدمات المكتبيّة النوعيّة والمساهمة في إدارة الفعاليات والأنشطة الخاصّة بأعمال الترجمة والنشر العلمي في مجالات العلوم العربية والإسلامية، مقتنيات المكتبة تتنامى بسرعة قياسيّة، وهي متاحة للباحثين والمهتمّين والمختصين، وتعتبر المكتبة من الناحية المعمارية عمل فني مكمل للجامع، حيث قامت شركة محلية«أوركيد لأعمال الديكور» بوضع التصميم الداخلي الخاص بالمكتبة وقد حرص المصمم مهندس إحسان أبو سيعد، على تقديم التصميم المعاصر والحديث ذو قاعدة وجذور عميقة في العمارة الإسلامية والعربية الأصيلة.
ودفن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في الجهة الشمالية من المسجد في 3 نوفمبر 2004، قبل انتهاء أعمال بناء المسجد.