في كل زاوية من زوايا الأرض، قامت صروح شاهقة تنطق بالجلال، وتعكس نور الإيمان، وتُردد أصداء التكبير والتهليل، إنها المساجد والجوامع، بيوت الله التي جمعت القلوب، ووحدت الصفوف، واحتضنت أرواحًا وجدت فيها السكينة والطمأنينة.
وفي شهر رمضان المبارك، حيث تصفو الأرواح وتسمو النفوس، نأخذكم في رحلة روحانية عبر الزمان والمكان، لنطوف بكم حول أجمل وأعظم الجوامع والمساجد في العالم، من قلب الحرمين الشريفين، والأرض المباركة في فلسطين، إلى مآذن الأندلس الشامخة، ومن سحر مساجد الشرق العتيقة إلى عبق التاريخ في مساجد المغرب العربي، إلى قارات العالم جميعها، سنعيش معًا حكاياتٍ من الجمال المعماري، والتاريخ العريق، والمواقف الإيمانية الخالدة.
وعبر بوابة «دار الهلال» خلال أيام شهر رمضان الكريم، لعام 1664 هجريًا / مارس 2025 ميلادي، نستعرض معكم أحد أشهر المساجد، والجوامع التاريخية في دول العالم الإسلامي، والدول العربية، حيث يجتمع الفن والهندسة والإيمان في لوحات تأسر القلوب، وتروي قصصًا من العظمة والروحانية، في ليالي رمضان المباركة.
وفي اليوم من شهر رمضان المبارك 1446هـ/ 28 مارس 2025م نذهب في رحلة وجولة مع «مسجد السيدة زينب» بالقاهرة
يقع المسجد والضريح في مصر في مدينة القاهرة بحي السيدة زينب بالقاهرة.
مسجد السيدة زينب حكاية لا تنتهي
يذكر النسابة العبيدلي أن زينب بنت علي رحلت لمصر حيث يذكر روايات بأنها رحلت لمصر، وكذلك ذكر ياسر الحبيب، ومحمد صادق الكرباسي في كتابه معجم أنصار الحسين، ويعتبر البعض أن المدفونة من حفيدات الإمام علي ولعلها هي زينب بنت يحيى المتوج بن الحسن الأنور بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وفي رأي آخر أن المدفونة هي زينب بنت أحمد بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن الحنفية، ويذكر الشيخ المفيد أن هناك ثلاث بنات للإمام علي باسم زينب وهن زينب الكبرى وزينب الصغرى أمهم فاطمة الزهراء وزينب أخرى أمها أم ولد، وقيل أن أم كلثوم وهي زينب الصغرى توفيت بمصر ودفنت في هذا المكان، وقيل أيضًاأن المدفونة هي زينب التي أمها أم ولد.
تاريخ المسجد
لا يعرف على وجه التحديد متى أنشئ المسجد على قبر السيدة زينب، فلم تذكر المراجع التاريخية سوى أن والي مصر العثماني محمد علي باشا جدد المسجد في سنة 951 هـ/1547م، ثم أعاد تجديده مرة أخرى الأمير عبد الرحمن كتخدا عام 1171 هـ/1768م، وفي عام 1940م هدمت وزارة الأوقاف المسجد القديم تمامًا، وأقامت المسجد الموجود حاليا، وبالتالي فالمسجد ليس مسجلًا كأثر إسلامي، وكان المسجد وقتها يتكون من سبع أروقة موازية لجدار القبلة يتوسطها صحن مربع مغطى بقبة، وفي الجهة المقابلة لجدار القبلة يوجد ضريح السيدة زينب رضي الله عنها محاط بسياج من النحاس الأصفر، وتعلوه قبة شامخة، وفي عام 1969 ضاعفت وزارة الأوقاف مساحة المسجد، وتم تطوير وتجديد المسجد خلال الأعوام الأخيرة الماضية وتم افتتاحه من جديد في عام 2024م.
مسجد السيدة زينب.. أيقونة روحانية في قلب القاهرة
يحتل المسجد مكانة كبيرة في قلوب المصريين ويعتبر الكثيرون خاصة من سكان الأقاليم البعيدة عن القاهرة أن زيارته شرف وبركة يدعون الله أن ينالونها، ويعتبر المسجد مركز من مراكز الطرق الصوفية ومريديها، وفي كل عام في شهر رجب يقام مولد السيدة زينب حيث يتوافد آلاف من البشر على ميدان السيدة زينب وتقام احتفالات ويتغير شكل المنطقة تماما لبضعة أيام.
مسجد السيدة زينب في الأدب
وجاء ذكر مسجد السيدة زينب في رواية الروائي المصري المشهور يحيى حقي «قنديل أم هاشم»، و«أم هاشم» كنية السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، تحدثنا الرواية عن شاب ريفي جاء في صغره هو وعائلته الريفية إلى القاهرة وسكنوا بالقرب من مشهد السيدة، ومحور الرواية يدور حول طرق معالجة مرض العيون عند أهالي الحي، فأكثرهم كانوا يتعالجون عن طريق استخدام زيت القنديل الذي كان يشعل داخل المشهد وفوق ضريح السيدة، وللرواية معاني كثيرة، ولكنها توضح مكانة هذا المسجد، حتى كانوا يتباركون بالزيت.
العتريس والعيدروس
قبران متجاوران لشيخين من آل بيت النبي محمد أمام باب مزار السيدة زينب في ساحة واحدة مفروشة بالرخام وعليهما قبتان مضلعتان من الحجر، وهما للسيد محمد العتريس وللسيد عبد الرحمن العيدروس.