تعد الأعياد جزءًا لا يتجزأ من حياة المصريين، وهي مزيج من الثقافة الشعبية والتاريخ الاجتماعي والديني، إذ تمثل هذه المناسبات أوقاتًا للراحة والاحتفال، كما أنها تعبيرًا عن الهوية الوطنية والدينية والتراث الثقافي. وهي أيضًا فترات من الفرح والتواصل الاجتماعي تعكس عادات وتقاليد الشعب المصري التي استمرت عبر العصور. وتتميز الأعياد المصرية بتنوعها الكبير بين الأعياد الدينية التي تعود إلى العصور الفرعونية، والمسيحية، والإسلامية، وصولًا إلى الأعياد الوطنية التي تُحتفل بها مصر في العصر الحديث. تكشف الأعياد في مصر عن مزيج من التقاليد القديمة والجديدة، وتتجسد فيها روح الجماعة والتواصل بين الأفراد والأسر. من خلال دراسة أعياد المصريين، يمكن فهم العديد من الجوانب من ثقافتهم، بما في ذلك ارتباطهم العميق بالدين والطبيعة والأسرة والمجتمع. على مر العصور، ارتبطت الأعياد بالموروثات الحضارية والمعتقدات الدينية، فكانت ولا تزال مرآة لروح الشعب المصري ومعتقداته وأسلوب حياته. في هذا المقال، نعرض دراسة تاريخية لاحتفالات المصريين بالأعياد، مسلطين الضوء على الجوانب الثقافية والاجتماعية التي تجعل هذه الأعياد جزءًا لا غنى عنه في حياتهم.
على عهد المصريين القدماء، عرفت مصر الأعياد والمهرجانات التي كانت ذات أهمية بالغة في الحفاظ على الحكم شبه الديني للفرعون المصري القديم ورجال الدين. وكانت التقاليد الجماعية التي شملت الجميع بالغة الأهمية للبنية المجتمعية في مصر القديمة في ذلك الوقت. ففي العصور الفرعونية، كانت الأعياد تشكل جزءًا أساسيًا من حياة المصريين القدماء، وكانت ترتبط بالديانات المصرية القديمة، حيث كانت ترتبط بالأعياد ، مثل عيد "شمو" (عيد الربيع) الذي كان يحتفل به في موسم حصاد الشعير. هذا العيد كان يمثل فرحة المصريين بالحصاد والنماء، وكان يتضمن طقوسًا دينية تتعلق بالشكر للإله "رع" والإلهة "إيزيس". كما كان هناك عيد "سوكر" الذي كان يحتفل به في مناسبات خاصة تتعلق بالآلهة الفرعونية، وكان المصريون يقيمون مهرجانات كبيرة تضم عروضًا موسيقية ورقصات، وكانت المنازل تُزين بالأزهار والمصابيح. إلى جانب الطقوس والمواكب المخصصة لآلهة معينة التي كانت تُحتفل بها آنذاك ، وكانت الأعياد فرصة ينتهزها الناس للترويح عن النفس حيث جعلها المصرى القديم أيام عطلة رسمية لا يذهب فيها العمال إلى أعمالهم.
أما الموالد في مصر القديمة (وإن لم تكن تسمى بالموالد) فكانت تتمثل في المواكب الدينية التي كانت تقام تمجيدًا للآلهة وتضرعًا لها، وصورت نقوش جدران المعابد المصرية احتفالات بأعياد دينية عديدة منها زيارة الإله آمون لمعبد الأقصر، ويوافق خروج موكب الفرعون، تتقدمه القرابين التي يعتزم الكهنة ذبحها في حين تنقل سفن عبر نهر النيل عددًا من الكهنة، يرافقون سفينة تحمل "هيئة" الإله آمون في أبهى زينة، إلى أن ينتهي الموكب الاحتفالي في المعبد وتقدّم القرابين.
وحينما دخلت المسيحية إلى مصر لم تختلف فرحة المصريين الأقباط بأعيادهم عما كان يتم في السابق، بيد أنها ارتبطت بالأعياد الدينية. وتعتبر الأعياد المسيحية من أهم المناسبات التي تجمع الأسر المسيحية وتخلق أجواء من البهجة والروحانية، أما أهم الأعياد المسيحية في مصر فتشمل: عيد الميلاد الذي يُحتفل به في 7 يناير من كل عام، وهو يختلف عن العديد من الكنائس في أنحاء العالم حيث يُحتفل به في 25 ديسمبر. المسيحيون في مصر يلتزمون بممارسة "صوم الميلاد" الذي يمتد من 25 نوفمبر إلى 6 يناير، وفي ليلة العيد (6 يناير) يتم إقامة قداس احتفالي، وتتناول الأسر العشاء معًا بعد القداس. أما ثاني هذه الأعياد فهو عيد الفصح (عيد القيامة) ويعد من أهم الأعياد المسيحية التي تحتفل بها الكنائس الأرثوذكسية في مصر، ويُحتفل به في الربيع. وهناك أيضًا العديد من الأعياد الأخرى التي يحتفل بها الأقباط الأرثوذكس. ولم تكن الأعياد فقط مصدر البهجة والفرحة عند المسيحيين بل أضافوا إليها الاحتفالات الخاصة بالموالد، ومن أشهرها مولد السيدة العذراء (عليها السلام)، وموالد القديسين مثل مار جرجس، الأنبا برسوم العريان... إلخ.
ومن أبرز مظاهر العيد، يتبادل الأقباط التهاني، ويزورون الكنائس، وكذلك يزورون بعضهم البعض في المنازل. يتم تحضير أنواع معينة من الطعام، مثل الحلويات والمخبوزات التي تختلف من عيد إلى آخر، مثل "الكعك" في عيد الميلاد و"الفطير" في عيد الفصح. يتميز الاحتفال بالأعياد المسيحية في مصر بطابع ديني واجتماعي عميق، حيث تجمع الأعياد بين الاحتفال الروحي والعادات الاجتماعية، مما يعزز الروابط بين أفراد المجتمع.
أما عن الأعياد الإسلامية، فمنذ أن جاء الفتح الإسلامي إلى مصر في عام 20 هـ / 641 ميلاديًا، ومنذ ذلك الحين أصبحت الأعياد الإسلامية جزءًا أساسيًا من حياة المصريين. هذه الأعياد تمثل أيضًا قيم التضامن والإحسان، وقد ارتبطت بالعديد من الطقوس الدينية والاجتماعية التي تحرص على نشر روح الفرح في المجتمع. وبطبيعة الحال، هناك عيدان رئيسان عند المسلمين الأول: عيد الفطر الذي يُحتفل به في اليوم الأول من شهر شوال بعد انتهاء شهر رمضان، ويتميز بصلاة العيد التي تُقام في الساحات العامة، وبعد الصلاة يحرص المسلمون على زيارة الأقارب وتبادل التهاني والموائد. تُعتبر "زكاة الفطر" من أهم طقوس هذا العيد، حيث يلتزم المسلمون بإعطاء الصدقات للفقراء. والثاني: عيد الأضحى ويُحتفل به في العاشر من ذي الحجة، وهو مرتبط بمناسك الحج وفيه يتم ذبح الأضاحي، ويعتبر عيد الأضحى فرصة للتواصل الاجتماعي والاحتفال مع الأسرة والأصدقاء.
أما عن الموالد الإسلامية، فحينما دخل الإسلام مصر لم يقم المسلمون بأيّة طقوس تختص بالموالد، إلى أن حكم الفاطميون مصر فأوجدوا ثقافة الاحتفالات الشعبية التي من بينها الاحتفال بأولياء الله الصالحين، وكانت تلك الأعياد تُقام آنذاك من باب الدعاية لحكام الدولة الفاطمية. (راجع مقال الموالد في مصر: رحلة البحث عن «البركة» في موقع إضاءات). ويأتي في مقدمة تلك الموالد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف الذي يحتفي به المصريون في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وقيل أن الخليفة الفاطمي المعز لدين الله هو من أمر بالاحتفال به بعد دخوله إلى مصر. ومن أبرز الموالد التي أقامها الفاطميون لآل البيت وأولياء الله الصالحين: سيدنا الحسين، السيدة زينب، السيدة نفيسة، السيدة عائشة، السيد البدوي، إبراهيم الدسوقي، عبد الرحيم القناوي...إلخ. وأخذت الموالد في التزايد إلى أن وصل عددها كما ذكر ماكفرسون في كتابه الموسوم "الموالد في مصر". ما يزيد عن مئتي مولد ( للمسلمين والمسيحيين). ويُلاحظ أنه على الرغم من أن الحكم الفاطمي قد انتهى على يد الأيوبيين عام 567 هـ / 1171م ، إلا أن المصريين ظلوا يقيمون تلك الاحتفالات حبًا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام.
هذا عن الأعياد الدينية والموالد، أما الأعياد الوطنية والاجتماعية في العصر الحديث، فمع تطور مصر سياسيًا واجتماعيًا في العصر الحديث، تم إضافة العديد من الأعياد الوطنية التي تحتفل بالإنجازات الوطنية والتحولات الكبرى في تاريخ البلاد. هذه الأعياد تعكس الوعي القومي ومشاعر الفخر الوطني. أهمها: عيد ثورة 23 يوليو التي يُحتفل به في الثالث والعشرين من يوليو من كل عام، ويذكر المصريين بثورة 1952 التي أدت إلى تغيير النظام الملكي وإقامة الجمهورية في مصر، وانتصار الشعب في مطالبه بالتغيير. وعيد الجلاء والذي يحتفل به الشعب المصري في الثامن عشر من يونيو من كل عام، وهو يمثل جلاء آخر جندي بريطاني عن مصر في ذات اليوم عام 1956 م، وعيد السادس من أكتوبر الذي يُحتفل به ابتهاجًا بانتصار قواتنا المسلحة على العدو الصهيوني عام 1973م، وعيد تحرير سيناء الذي يُحتفل به في 25 أبريل من كل عام، وهو ذكرى استرداد سيناء من الاحتلال الإسرائيلي في عام 1982. يعتبر هذا اليوم رمزًا للنضال المصري من أجل استعادة الأراضي المحتلة.
أما عن المناسبات الاجتماعية، فمن أهمها عيد العمال الذي يُحتفل به في 1 مايو من كل عام، ويُعتبر فرصة للاحتفال بحقوق العمال وتقدير دورهم في المجتمع. كان عيد العمال جزءًا من التقاليد الاشتراكية في مصر ويمثل اعترافًا بمساهمات الطبقات العاملة في البناء. وآيضًا من الأعياد الاجتماعية عيد الأم الذي يوافق بداية فصل الربيع في 21 مارس من كل عام.
أخيرًا ، تظل فرحة المصريين بالأعياد ثابتة عبر العصور، وما يميزها هو قدرتهم على المزج بين التقاليد القديمة والحديثة، مما يخلق طابعًا خاصًا وفريدًا لكل مناسبة ،سواء في العصور الفرعونية أو المسيحية أوالإسلامية أوالحديثة، ويبقى العيد في مصر مصدرًا للفرح والتواصل الاجتماعي بين الناس، مما يعكس روح الشعب المصري الذي يتمسك بعاداته وتقاليده رغم تقلبات الزمن ، وستظل الأعياد في مصر فرصة لتوحيد الشعب وتأكيد هويته الثقافية والدينية.