في قلب عصر فيكتوري الذي كان يشهد تحولات اجتماعية وفكرية عميقة، برز اسم ماثيو أرنولد كأحد أبرز الشعراء والنقاد الأدبيين، وُلد في 24 ديسمبر 1822 في إنجلترا، ليصبح شاعرًا وناقدًا أدبيًا، حاملًا أفكارًا نقدية متعمقة ورسائل ثقافية لا تزال تشغل الأوساط الأدبية حتى اليوم.
نشأ أرنولد في أسرة إنجليزية مرموقة، حيث كان والده، توماس أرنولد، مديرًا لمدرسة روهامبتون الشهيرة، وكان له تأثير كبير في تشكيل شخصية ماثيو الفكرية، رغم نشأته في بيئة محافظة، إلا أن الشاب ماثيو سرعان ما أصبح يعبر عن شكوكه تجاه الدين والعقائد السائدة في عصره، ويبحث عن طرق جديدة لفهم العالم.
كانت القصائد التي كتبها أرنولد انعكاسًا لاهتمامه العميق بالإنسانية والمشكلات الاجتماعية، وكان يشكك في التقدم المادي الذي صاحب الثورة الصناعية، واحدة من أبرز قصائده، "Dover Beach"، تتناول فكرة فقدان الإيمان واليقين في عصر الحديث، حيث تُعبر عن حالة من الحزن والقلق تجاه العالم المتغير.
وفي قصيدته الأخرى، "The Scholar-Gipsy"، طرح فكرة الهروب من عالم مليء بالفساد إلى عالم مثالي حيث يُمكن للعلم والحكمة أن يسيطروا على المجتمعات، كانت تلك القصائد تعكس حنينه إلى الإنسانية التنويرية والعودة إلى القيم الأسمى.
لكن ماثيو أرنولد لم يكن فقط شاعرًا، بل كان أيضًا ناقدًا أدبيًا بارعًا، في كتابه الشهير "Culture and Anarchy" ، طرح أفكاره حول الثقافة كأداة لتجاوز الصراعات الاجتماعية والسياسية، كان أرنولد يرى أن الثقافة الكلاسيكية تُعدّ الطريق الوحيد للارتقاء بالمجتمع وتحقيق التوازن الفكري، وكان يعتقد أن الإنجازات الأدبية والفنية يجب أن تُوجه نحو التنوير.
أرنولد كان من أوائل المفكرين الذين دعوا إلى ضرورة وجود ثقافة تعليمية أوسع تُعنى بتشكيل الإنسان الكامل، بعيدًا عن المادية والروح التجارية التي كانت تهيمن على مجتمعات العصر الفيكتوري، هذا التوجه النقدي والإنساني جعل أعماله تُدرس في المدارس والجامعات البريطانية والأوروبية لفترة طويلة.
توفي ماثيو أرنولد في 15 أبريل 1888، تاركًا وراءه إرثًا أدبيًا وفكريًا عظيمًا.،ورغم مرور أكثر من مئة عام على وفاته، إلا أن شعره وأفكاره النقدية ما زالت تُعدّ حجر الزاوية للعديد من الدراسات الأدبية والفكرية في الجامعات حول العالم.