الخميس 29 مايو 2025

مقالات

الدراما والهوية


  • 4-5-2025 | 15:30

سمير شحاتة

طباعة
  • سمير شحاتة

المتفرج يحتاج كل أنواع الدراما بمختلف اتجاهاتها مثل إقباله على سفرة متنوعة الأطباق الشهية، التراجيدية والكوميدية والوطنية والاجتماعية والمغامرات والتشويق، طالما يتوفر فيها المتعة والارتقاء بالمشاعر والمعرفة.

ثلاث عناصر إذا افتقدتها الأعمال الدرامية، تحولت إلى تهريج ومضيعة للوقت والجهد والمال.. ولتحقيق ذلك يجب أن يتوفر المناخ الملائم لحرية التعبير وانطلاق الفنان بخياله كيفما يشاء، طالما يلتزم بالقيم الإنسانية واحترام عقلية المشاهد.. وقد أثبتت دراما 2025 أن مصر غنية بالمواهب، ولا ينضب الوطن أبدا من المبدعين فنا وفكرا. أما الضوابط التى ينادى بها البعض والتى تعد رقابة إضافية.. يجب ألا يكون الغرض منها خنق الإبداع.. إنما تساهم بالالتزام بتلك القيم وعدم الانزلاق إلى ما يخدش الذوق والحياء العام.. الواقع مليء بالقبح.. ومهارة «الدراماتورج» إعادة صياغته ليكون مقبولا عند عرضه بالتليفزيون.

الضوابط نحتاجها للتصدى للسباب والألفاظ النابية التى انتشرت بشكل لم تره الدراما من قبل.. أتذكر اشتعال الصحافة في بداية السبعينيات عندما وجهت فاتن حمامة بفيلم (الخيط الرفيع) سبا بالأب لحبيبها (محمود ياسين)، كانت المرة الأولى فى تاريخ السينما.. ظهر بعدها تبرير رقابى غريب.. أن الأهم الحرص على عدم المساس بالأم بكلمات نابية. وبعد أكثر من 50 عاما من واقعة (الخيط الرفيع) كانت الصدمة.. تضمن حوار بعض الأعمال الرمضانية إهانات قاسية للأم، وأكثرها جاء فى مسلسلات (سيد الناس) و(إش إش) و(شباب امرأة) و(نص الشعب اسمه محمد).. سباب وشتائم إلى حد الإسفاف والمهانة.

وحتى فى مشهد رومانسي حيث يجب انتقاء أرق الكلمات للتعبير عن الأحاسيس النبيلة للعاشقين، نجد فنانين بمسلسل (إش إش) يتبادلان الحب بكلمات تهين الأم!! إنه سقوط أخلاقى. يجب أن ترتقى الدراما بمشاعرنا وإنسانيتنا، وإن تغيرت شخصية الأم فى الدراما، فلم تعد تشبه أمومة أمينة رزق وفردوس محمد وكريمة مختار.. أسوأ أنواع الأمومة جاء بسيناريو (سيد الناس)، الأمومة المفترى عليها، جسدتها إلهام شاهين (اعتماد)، غرست في أولادها الثلاثة أبشع صفات البشر، الكراهية والباطل والضلال، أولهم ابن داعية مدمن تحركه شهواته، أحمد رزق (عفيفى)، وابن قاتل حرق بيتا بمن فيه، أحمد فهيم (مجدى)، وابنة شديدة البخل، رنا رئيس (علية). البعض يعتقد أنها الواقعية الصادقة.. هذا خطأ.. عند تحويل الواقع إلى عمل فنى لا بد من تهذيبه ولا يكون منفرا ومؤذيا وجارحا للمشاعر.. والأعمال الشعبية لا تعنى تقديم صور من البلطجة.. الأحياء الشعبية عامرة بأولاد البلد الجدعان..

ويفصل بين الجدعنة والبلطجة خيط رفيع سواء في الدفاع عن الحق وحتى فى طريقة الانتقام.. لا ننادى بعالم مثالى.. إنما يجب تطهير الدراما من الألفاظ النابية، ومراعاة ما يقدم للمشاهدين، رفقا بهم. أين دراما السيرة الذاتية؟ من الأعمال التى افتقدناها في رمضان.. دراما "السير الذاتية" لرموز وطنية واجتماعية وفنية.. والتى سبق أن حققت نجاحا كبيرا مثل (مشرفة رجل لهذا الزمان) عن العالم مصطفى مشرفة، و(أم كلثوم) وهما إخراج إنعام محمد على.. نتطلع ان تهتم الدراما بشخصيات مثل د.مجدى يعقوب ود.محمد غنيم والشيخ محمد عبده والأديب والروائى نجيب محفوظ، وغيرهم ممن تشحذ حياتهم الهمم لدى الأجيال الجديدة. توارد خواطر أم فقر في الإبداع! افتقدنا أيضا في 2025 دراما تتشابك مع القضايا العامة وهموم المواطن ومعاناته المعيشية.. وانحصرت معظم الأعمال داخل البيوت والمشاكل العائلية.. مما أوقع بعضها في شرك تشابه الأحداث أو كما يحب البعض أن يطلق عليها (توارد خواطر)، لكنك تشعر في النهاية كأنهم أكلوا في صحن واحد! قالها عادل أدهم فى فيلم (ثرثرة فوق النيل): "هى حكاية واحدة اتعملت 5 آلاف فيلم، البنت تحب الولد الحليوة، ويتفقوا على الجواز، وتيجى ليلة الفرح تكتشف أنه أخوها فى الرضاعة، وقبل نهاية الفيلم بدقيقتين يظهر رجل طيب عجوز بدقن ويفتى أنه ليس أخوها ويتزوجان، وتوتة توتة خلصت الحدوتة".. هل تصدق أن التيمة نفسها رأيناها فى 4 مسلسلات!! في مسلسل (فهد البطل): فهد (أحمد العوضى) قبيل قتل الضابط عمرو غلاب (أحمد ماجد) يكتشف أنه أخوه من خلال علامة في يده، وكان اعتقاده أنه مات غرقا وهو طفل! ومسلسل (إش إش): ندى موسى (لبنى) تكتشف أن غريمتها إش إش (مى عمر) أختها وإخلاص كابوريا (انتصار) أمها.. كانت الأم تظن أنها ماتت رضيعة خلال وجودها في السجن! ومسلسل (سيد الناس): الجارحى (عمرو سعد)، ظل يبحث عن أمه 20 عاما، واكتشف أن خادمته بالبيت سناء (سلوى عثمان) هى أمه، وكان المشهد الأصعب عندما صفعها على وجهها وهو لا يعلم أنها أمه! ومسلسل (وتقابل حبيب): نعمة (بتول الحداد) علمت بالصدفة وهى شابة، أنها ابنة كبير عائلة أبوالعز (صلاح عبدالله) الذي تعمل لديه خادمة.

يرفض الاعتراف بها، وخوفا من فضح سره، قتلها مع من قاموا بتربيتها! معالجات جاءت في قوالب مختلفة لكنها تيمة واحدة!! باستثناء (وتقابل حبيب) الذى يرسخ قلم عمرو محمود ياسين كأحد الكتاب المتميزين فى الرومانسيات، ساعده براعة أداء كريم فهمى في هذا اللون.. وإن كاد التطويل يقتل المسلسل، واختزاله إلى النصف كان ضروريا تفاديا للملل. وتندرج المسلسلات الثلاثة الأخرى تحت مسمى (دراما شعبية)، مع تفاوت مستوياتها.. أحمد العوضى (فهد البطل)، يحاكى البطل الشعبى.. ننتظر أن يخرج من القالب الذى اعتدناه في الأعمال الأخيرة، البطل مفتول العضلات، حقق فيها نجاحا كبيرا، لكن التغيير مهم. ومسلسلان صناعة محمد سامى، الذى تعرض لحملة شديدة.

يمكن انتقاد أعماله وليس الحجر عليه وتطفيشه.. له أعمال ناجحة جماهيريا، مشكلته هذا العام الأداء الزاعق والصراخ الذى يصم الأذن وتجعل انفعالات الممثل مبالغة! يؤخذ على محمد سامى أن كل شخصياته مريضة، ليس بينها شخص سوي، أمر غير منطقى دراميا وواقعيا.. والنهايات غير منطقية، بجعل الشخصيات التى كانت تمثل دور الشيطان طوال 29 حلقة تتحول في الحلقة الأخيرة إلى شخصيات مثالية! عمرو سعد، نجم موهوب لا يجيد اختيار أدواره أحيانا.. مى عمر، وإصرار سامى على حشرها بكل كادر، وتحول حواراتها إلى مواعظ وخطب مباشرة، يخرجها عن السياق.. أما أن تكون محور أحداث مسلسل (إش إش) عائلة كلها من الراقصات.. للكاتب والمخرج مطلق الحرية باختياراته.

لكن كيف كان التناول والمعالجة؟.. بالتأكيد لم تكن ندا لأعمال عالقة بالأذهان محورها راقصات، مثل: الراقصة والسياسى وشفيقة القبطية وبمبة كشر وبديعة مصابنى ووداد الغازية، وأيضا (خلى بالك من زوزو) حيث الفتاة الجامعية ابنة الراقصة، سعاد حسنى وتحية كاريوكا. قضايا جديدة وجريئة يحسب لدراما 2025 طرح قضايا جديدة وأخرى جريئة.. كشفت عن العالم الخفى للمراهنات على مباريات كرة القدم بمواقع إلكترونية بمسلسل (منتهي الصلاحية) للمؤلف محمد هشام عبية والمخرج تامر نادى، تشبه مخاطر لعبة القمار وإدمان المخدرات، بخسارة الشخص لنفسه وعائلته.. فرأينا زوجة تضطر لقتل زوجها بعد أن رهن طفلهما بسبب خسارته فى المراهنات، ومأساة مدرس جيولوجيا ينهار استقراره بسبب إلغاء مادة الجيولوجيا، واتجاهه للمراهنات، ويخسر كل شىء.

وامتدت الأحداث لتشمل خطورة الاحتيال باستخدام الذكاء الاصطناعى، بصناعة شبيه لشخصيات بغير علمهم! ومسلسل (ولاد الشمس) يطرح قضية غاية في الأهمية، دور الأيتام وما يرتكب فيها من جرائم مخالفة للقانون وللإنسانية.. ومن السخرية أن يسبق المسلسل ويتخلله إعلانات تكلف الملايين تنادى بالتبرع والصدقة الجارية للأيتام والفقراء، ونحن نرى مأساة ولاد الشمس المأخوذة من الواقع.. هل تذهب التبرعات والصدقة لمستحقيها أم تصل لجيوب من يمثلهم بابا ماجد (محمود حميدة)؟! أحببت حكاية غرام مينا أبوالدهب (عبيد قصير القامة) بزميلته المشرفة بدار الأيتام الأطول قامة أمينة (دنيا ماهر)، بادلته الحب، فكانت رقصتهما الثنائية الرومانسية على صوت أم كلثوم.. نجح مينا بمجاراة الأداء المتوهج لمحمود حميدة ومالك وطه دسوقى، وهو يحسب للمؤلف مهاب طارق والمخرج شادى عبدالسلام.. وآمل أن يتخذ المخرج لقبا مختلفا منعا لحدوث خلط بينه وبين المخرج الكبير صاحب فيلم (المومياء). والمسلسل الأكثر جرأة، (لام شمسية) وقضية التحرش بالأطفال داخل العائلات وشخصيات قريبة للطفل.. ليس فقط دراما جريئة ولكنها تعطى درسا فى جدية وأهمية استعانة المخرج كريم الشناوى والكاتبة مريم نعوم بمتخصصين في علم النفس، ليكون المسلسل نموذجا لتوعية المتفرج.. والعمل الشاق لتأهيل طفل للتعبير عما يجب أن يخفيه، وهنا يبرز جهد المخرج وبراعته ليتشرب الطفل تلك الأحاسيس وأبعادها النفسية.

والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة في (لام شمسية) يعطى درسا لفريق مسلسل (عايشة الدور) للمخرج أحمد الجندى الذى وقع في خطأ مؤسف، ففى الحلقة الثامنة جاء بحوار بين دنيا سمير غانم (عايشة) ونور محمود (حازم) حول إعجابهما بفرقة رضا للفنون الشعبية، وترحما على فنانة مازالت تعيش بيننا، فريدة فهمى متعها الله بالصحة، ألا يوجد مراجع للأعمال الدرامية قبل بثها من ناحية صحة المحتوى؟ كنا ننتظر تصويبا في تتر الحلقة التالية ولكنهم لم يفعلوا.

أعمال غير مضمونة النجاح المسلسلات المأخوذة عن أفلام كلاسيكية ومهمة بتاريخنا السينمائى، مغامرة غير مضمونة.. بتعرض أصحابها للمقارنة رغما عنهم، مع الممثلين القدامى، ولا تكون أبدا لمصلحة الممثلين الجدد.. إضافة إلى أنها تشير لحالة إفلاس في النصوص، أو استغلال نجاح الفيلم الأبيض والأسود.. لم يكن الرهان لصالح مسلسل (شباب امرأة) سواء في البيئة التى جرت فيها الأحداث، كانت منفصلة عن واقع الشخصيات فجاءت أقل صدقا عما كانت عليه بالفيلم، ثم أنوثة تحية كاريوكا الطاغية وكان عمرها وقت الفيلم (41 عاما) فكانت أكثر صدقا بإغراء شاب قادم من الريف، بعكس غادة عبدالرازق التى لم تنجح عمليات التجميل في تصغير سنها عن (55 عاما) فبدت أقل مصداقية لإغراء الشاب الريفى، وكان أداؤها زاعقا وفلتت منها الشخصية.

ولم يستطع الشاب يوسف عمر أن يطول قامة الفنان شكرى سرحان في تجسيد شخصية (إمام)، لافتقاده عناصر أساسية للشخصية، مثل اللكنة الريفية فكان الأداء أقرب لأبن المدينة عن أنه ابن القرية بزيارته الأولى ليسكن بالعاصمة، فرغم تحديث المسلسل ليواكب الحياة المعاصرة بكل أدواتها، كان أداء لبنى ونس (أم إمام) أكثر صدقا الريفية بقرية فقيرة، والتى خرج منها إمام قبيل ذهابه للعاصمة، تشقى لتوفر له نفقات التعليم، قبل أن توقعه بعالمها شفاعات (غادة عبدالرازق).. كلاهما لم يكن مقنعا، غادة ويوسف. برامج تنال من سمعة الفنانين يجب إعادة النظر في البرامج التى تخصصت بفضح الحياة الشخصية للمشاهير وأنصاف المشاهير.. ما هى المتعة أو ما الذى يعنينى كمتفرج أن تجرح المذيعة ضيوفها بالغوص بحياتهم الشخصية!! برامج تسىء للفن وتتهاون بعقلية المتفرج.. لو أجريت مقارنة بين برامج زمن الأبيض والأسود التى تبرز رقى ثقافة الفنان، مثل حلقة لفاتن حمامة ورقى حديثها بالفرنسية، وأخرى للمذيعة ليلى رستم تستضيف عمالقة الأدب.. شتان بينها وبين برامج (أسرار وvip بقناة هى) و(العرافة، قناة النهار) و(حبر سرى، القاهرة والناس) و(استجواب، قناة الشمس).. ارحمونا يرحمكم الله.

الاكثر قراءة