في مثل هذا اليوم، 10 مايو، وُلد المخرج الكبير صلاح أبو سيف، الذي يُعد علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية، وأحد أبرز من وضعوا أسس السينما الواقعية، مُحلقًا بأعماله بين هموم الناس وتفاصيل الحياة اليومية، لم يكن مجرد مخرج، بل صانع رؤى ومهندس درامي أعاد تشكيل ملامح الفن السابع في مصر، عبر أعمال خالدة لا تزال تُدرّس وتُعرض حتى اليوم.
من بين عمال المصانع إلى استوديوهات الإبداع، شق صلاح أبو سيف طريقه بإصرار وموهبة، فغرس بذور الواقعية التي أثمرت روائع لا تُنسى، لتبقى سيرته نموذجًا للفنان الجاد والملتزم بقضايا مجتمعه.
البدايات المهنية وبصمته في المونتاج والإخراج
تلقى صلاح أبو سيف دراسته السينمائية في فرنسا وإيطاليا، ليعود بعدها إلى مصر ويبدأ رحلته المهنية في أستوديو مصر، حيث تولى رئاسة قسم المونتاج لمدة عشر سنوات، وشارك في تدريب أجيال من العاملين في هذا المجال، كما تعرّف خلال تلك الفترة على زوجته، رفيقة أبو جبل.

وبدأ مشواره العملي كمساعد للمخرج كمال سليم في فيلم "العزيمة" الذي قام ببطولته كل من فاطمة رشدي وحسين صدقي، قبل أن يخوض تجربة الإخراج الأولى له عام 1946 من خلال فيلم "هو دائمًا في قلبي"، من بطولة عماد حمدي، عقيلة راتب، ودولت أبيض.
بداية التحدي مع الرقابة والانطلاقة الإخراجية الأولى
في عام 1942، واجه صلاح أبو سيف أولى صداماته مع الرقابة حين رفضت عرض فيلمه "العمر واحد" بزعم أنه يسيء إلى مهنة الطب، ما اضطره لتغيير اسمه إلى "نمرة 6" لتفادي المنع، وبعد أربع سنوات، خاض أولى تجاربه الإخراجية بفيلم روائي طويل بعنوان "دايمًا في قلبي"، وهو معالجة مصرية للفيلم العالمي "جسر ووترلو"، شارك في بطولته كل من عقيلة راتب وعماد حمدي ودولت أبيض.
عودة من إيطاليا: تبني الواقعية وتوسيع الآفاق الفنية
و بعد عودته من إيطاليا عام 1950، حيث كان يعمل على إخراج النسخة العربية من فيلم «الصقر» الذي شارك في بطولته عماد حمدي وسامية جمال وفريد شوقي، حمل صلاح أبو سيف معه تأثيرًا بالغًا من تيار الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية. هذا التأثير شكّل نقطة تحول في مسيرته، ودفعه لتطبيق مبادئ الواقعية على السينما المصرية، ما ساهم في ولادة مدرسة فنية خاصة به. وفي عام 1982، خاض تجربة جديدة خارج حدود مصر بإخراجه لفيلم «القادسية» للسينما العراقية، والذي جمع نخبة من الفنانين العرب من مختلف الدول، مؤكّدًا مكانته كواحد من كبار مخرجي العالم العربي.
رؤية سينمائية متكاملة وقيادة إنتاجية رائدة
كان صلاح أبو سيف يؤمن بأن كتابة السيناريو هي العمود الفقري لأي عمل سينمائي ناجح، لذا لم يكتفِ بإخراج أفلامه فحسب، بل شارك في صياغة معظم سيناريوهاتها. كان يرى أن السيناريو القوي قادر على إنقاذ أي فيلم، في حين لا يستطيع الإخراج وحده إنجاح سيناريو ضعيف، ولهذا حرص دائمًا على أن يعكس النص المكتوب رؤيته السينمائية بدقة.

وفي عام 1961، تولّى صلاح أبو سيف رئاسة أول شركة إنتاج سينمائي تابعة للقطاع العام في مصر، وهي شركة "فيلمنتاج"، واستمر في هذا المنصب حتى عام 1965، مساهمًا في رسم ملامح مرحلة جديدة من الإنتاج السينمائي الوطني.
التفاصيل تصنع الواقعية.. صلاح أبو سيف وسعاد حسني
تعاون المخرج الراحل صلاح أبو سيف مع الفنانة سعاد حسني في عدد من أفلامه، وكان من أبرزها فيلم الزوجة الثانية، حيث أدت فيه دور فلاحة بسيطة. وأثناء التصوير، لاحظ أبو سيف أن سعاد حسني تضع رموشًا صناعية، فطلب منها خلعها فورًا، مؤكدًا أن الشخصية التي تجسدها لا يمكن أن تهتم بمثل هذه التفاصيل التجميلية، انطلاقًا من حرصه على الواقعية في كل عناصر العمل.