احتفلت الحكومة بمرور 10 سنوات على إطلاق برنامج الدعم النقدي المشروط "تكافل وكرامة"، الذي أطلقته وزارة التضامن الاجتماعي في عام 2015، والذي يُعد أحد أبرز برامج الحماية الاجتماعية في مصر، ويستهدف الأسر الأكثر احتياجًا لضمان حد أدنى من الدخل يعزز من الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية.
وأشاد عدد من الخبراء الاقتصاديين خلال حديثهم لبوابة "دار الهلال" بالدور المحوري الذي لعبه البرنامج خلال العقد الماضي، مؤكدين أنه بات نموذجًا يُحتذى به في سياسات الحماية الاجتماعية محليًا ودوليًا.
فيما كشف الدكتور أحمد كجوك، وزير المالية، عن تجاوز ميزانية "تكافل وكرامة" 55 مليار جنيه في العام المالي الجديد، مشيرا إلى أن البرنامج يمثل ركيزة رئيسية في إعداد الموازنة العامة للدولة، وهو من أكثر البرامج التي يمكن البناء عليها لتوسيع مظلة الحماية، وتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية.
خفف آثار الإصلاح الاقتصادي على الفئات الفقيرة
قال الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، إن برنامج "تكافل وكرامة" يُعد من أهم أدوات الحماية الاجتماعية التي أطلقتها الدولة في أعقاب بدء تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، حيث لعب دورًا حاسمًا في التخفيف من حدة التأثيرات السلبية على الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع، وخاصة في محافظات الصعيد والدلتا التي تعاني من ضعف الدخول ونقص الخدمات الأساسية.
وأوضح الشافعي أن البرنامج لم يكن مجرد مظلة دعم نقدي، بل أسهم في تحفيز النشاط الاقتصادي على مستوى القرى والمناطق الريفية، وذلك من خلال آليات الدعم المشروط وغير المشروط، إلى جانب مبادرات موجهة لتمكين الأسر عبر مشروعات صغيرة مثل الخياطة وتربية الماشية، ما أحدث فارقًا ملموسًا في حياة المستفيدين.
وأكد أن البرنامج يمثل أحد الأركان الرئيسة في تحقيق التنمية المستدامة، مشددًا على ضرورة توسيع نطاقه ليشمل دعم الشمول المالي وتمكين المرأة اقتصاديًا وتعزيز مشاركة الفئات المستفيدة في الأنشطة الاقتصادية المحلية، محذرًا في الوقت ذاته من أن استمرار الدعم بصورته الاستهلاكية فقط قد يُعيق تحقيق الأثر المنشود على المدى الطويل.
وطالب الشافعي بضخ المزيد من الاستثمارات التنموية الموازية للبرنامج، وربط الدعم بمبادرات إنتاجية تُسهم في تحويل الدعم إلى طاقات اقتصادية منتجة تساهم بدورها في تقوية الاقتصاد الوطني.

البرنامج الأكثر كفاءة مقارنةً بالدعم العيني
من جانبه، أكد الدكتور محمد أنيس، الخبير الاقتصادي، أن "تكافل وكرامة" يُعد من أنجح أدوات الدعم المباشر التي تم تطبيقها في مصر خلال العقود الأخيرة، مستندًا إلى دراسات ميدانية دقيقة تستهدف الفئات المستحقة فقط، خلافًا لأنظمة الدعم العيني التي كثيرًا ما تصل إلى غير مستحقيها.
وأوضح أن البرنامج يعتمد على تقديم دعم نقدي مباشر يستند إلى معايير موضوعية وشفافة، ما يمنحه كفاءة مرتفعة في توصيل الدعم لمستحقيه بدقة، ويساعد في ترشيد الإنفاق العام، ويقلل من الهدر الذي كان ملازمًا لدعم السلع كالخبز والمحروقات.
ودعا أنيس إلى ضرورة الانتقال التدريجي من الدعم الاستهلاكي إلى نموذج دعم إنتاجي مستدام، من خلال تدريب الفئات القادرة على العمل – كالشباب والنساء – وتمكينهم من إقامة مشروعات صغيرة أو الالتحاق بفرص عمل حقيقية، بما يساعدهم على الخروج من دائرة الفقر والدعم إلى دائرة الإنتاج والمساهمة الاقتصادية.
وشدد على أن التكامل بين الدعم النقدي وبرامج التمكين الاقتصادي هو السبيل الأمثل لتحقيق العدالة الاجتماعية المستدامة، ويحول المستفيدين من عبء على الموازنة إلى طاقات منتجة تسهم في دفع عجلة التنمية.

البرنامج استثمار في الإنسان ويستحق التطوير التكنولوجي
بدوره، أكد الدكتور أحمد مصطفى، أستاذ إدارة الأعمال والخبير الاقتصادي، أن "تكافل وكرامة" يُعد حجر الأساس في منظومة الحماية الاجتماعية في مصر، حيث نجح في الوصول إلى أكثر من 4.5 مليون أسرة – ما يعادل نحو 17 مليون مواطن – مستهدفًا بشكل أساسي الأسر الفقيرة التي لديها أطفال في التعليم، وكبار السن وذوي الإعاقة، من خلال برنامجي "تكافل" و"كرامة".
وأوضح مصطفى أن البرنامج يقدم دعمًا نقديًا مشروطًا يربط بين الحصول على المساعدة والالتزام بالتعليم والصحة، ما يجعله استثمارًا حقيقيًا في رأس المال البشري. وأضاف أن منظومة الدعم النقدي اعتمدت على تقنيات إلكترونية متقدمة لضمان الشفافية والكفاءة، مع التوسع في استخدام بطاقات "ميزة" لتقليل التعامل الورقي وزيادة معدلات الشمول المالي.
ولفت إلى ضرورة تطوير البرنامج عبر أدوات تكنولوجية حديثة كالذكاء الاصطناعي لتحسين آليات الاستهداف، وربط المستفيدين بفرص تمكين اقتصادي حقيقية من خلال تدريب مهني وقروض ميسرة للمشروعات الصغيرة، بالتعاون مع مبادرات أخرى مثل "فرصة" و"حياة كريمة"، ما يضمن التكامل وعدم التكرار ويُعزز الاستدامة.
وأشار إلى أهمية إنشاء منصة إلكترونية تفاعلية تُمكن المواطنين من تتبع حالة طلباتهم وتقديم مقترحاتهم، مع ضرورة متابعة أثر البرنامج ميدانيًا عبر دراسات دورية تقيس التحسن في مستوى المعيشة، والتعليم، والصحة، ومراجعة قيمة الدعم دوريًا لتواكب معدلات التضخم.

"تكافل وكرامة" نموذج وطني رائد تدعمه الشراكات الدولية
وخلال الاحتفال الرسمي بالذكرى العاشرة للبرنامج، الذي أقيم برعاية رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، أكدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن "تكافل وكرامة" يُعد نموذجًا متكاملًا يعكس الشراكة الفاعلة بين الدولة والمؤسسات الدولية، وعلى رأسها البنك الدولي، الذي قدم تمويلات تنموية ميسرة بقيمة 70 مليار جنيه منذ عام 2015، إلى جانب دعم فني وبناء قدرات مؤسسية مستمر.
وكشفت المشاط عن تخصيص 1.2 مليار جنيه من هذه التمويلات للتمكين الاقتصادي للأسر المستفيدة، عبر برامج تدريبية، ومشروعات متناهية الصغر، ومبادرات لزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، باعتبارها المستفيد الرئيسي من البرنامج بنسبة 75%.
وأوضحت أن البرنامج نجح في الوصول إلى أكثر من 4.6 مليون أسرة مستفيدة، بنسبة امتثال مرتفعة للشروط الصحية والتعليمية، وأن 100% من المستفيدين يحصلون على الدعم عبر الوسائل الإلكترونية، ما يعكس تطور البنية التحتية للبرنامج وكفاءته المؤسسية.
كما أكدت المشاط أن التنمية البشرية تحتل أولوية في خطة الدولة للعام المالي 2025/2026، حيث تم تخصيص 327 مليار جنيه لهذا المحور، بنسبة نمو 22% عن العام الحالي، مما يعكس توجه الحكومة نحو دمج الحماية الاجتماعية بالتنمية الاقتصادية المستدامة.
وفي ختام كلمتها، ثمّنت الوزيرة الجهود التي بذلتها القيادات السابقة والحالية بوزارة التضامن الاجتماعي، مؤكدة أن "تكافل وكرامة" أصبح نموذجًا عالميًا يُعرض في محافل دولية مثل اجتماعات البنك الدولي، كنموذج مُتميّز للحماية الاجتماعية، يُحتذى به من قِبل الدول الأخرى.