الإثنين 12 مايو 2025

ثقافة

عبده الحامولي «مجدد الموسيقى العربية».. صوت عاشق صنعه الحب والحزن

  • 12-5-2025 | 13:15

عبده الحامولي

طباعة
  • همت مصطفى

كان صوته يذيب الحجر، ويُشعل الوجدان شجنًا وعذوبة، ومن أزقة «الحامول» إلى أروقة «الأستانة»، ومن أحضان العامة إلى قصور الملوك، سافر صوته بين القلوب، ودوّى صداه في أعراس الخديوي وذاكرة الشعب، إنه أعمدة الفن المصري والعربي، إنه مجدد في الموسيقى العربية، و أيقونة الطرب الأصيل الفنان عبده الحامولي، الذي ترك أثرًا عميقًا في شكل وتاريخ الأغنية العربية، فتعلّمت الأجيال كيف يكون الفن رسالة تتجاوز اللحن إلى الفكر.

وفي مثل هذا اليوم، تحلّ ذكرى رحيل عبده الحامولي، الذي لم يكن مجرد مطربٍ في زمن الموشحات، بل كان مدرسة قائمة بذاتها، مجددًا في موسيقاه، ناثرًا عبير الأندلس في المقامات الشرقية، جامعًا بين التراث والحداثة في صوت واحد، فهو وأبرز اسم في عالم الطرب في القرن التاسع عشر، امتد أثره إلى مطربي القرن العشرين.

رحل «الحامولي»، لكنه لم يُغادر مسامعنا فـ «كنت فين والحب فين» ما زالت تسأل، و«أراك عصي الدمع» ما زالت تنوح، وصوته يأتينا من خلف الغياب، وكأنه يهمس ويعلنها أيضًا بقوة: «الفن الأصيل لا يموت»

الميلاد والنشأة

ولد عبده الحامولي في 18 مايو 1836م في قرية «الحامول» التابعة لمركز منوف بمحافظة المنوفية، ووفد في صباه إلى القاهرة مع شقيقه ليبحث عن عمل.

التقى عبده الحامولي، بالصدفة، بأحد من يجيدون فن التواشيح وهو شاكر الحلبي، فتعلم على يديه أصول الغناء وحقق شهرة واسعة فى عالم الغناء والطرب، وكون فرقة موسيقية خاصة به وتولى الشيخ محمد عبد الرحيم، التلحين له.

مفتي الديار المصرية مؤلفًا لعبده الحامولي

ذاع صيت عبده الحامولي، وأصبح حديث القاهرة كلها فى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وعمل بالغناء مع العديد من الفرق الغنائية، فعمل لدى الشيخ المقدم، والشيخ شعبان القانونجي، وأيضًا عمل مع الشيخ الرشيدي، والشيخ المنسي، وقد ساهم هؤلاء المتعهدين للحفلات في شهرته المحلية والدولية.

كتب للفنان عبد الحامولي، الموشحات والأدوار، العديد من المشاهير في ذات الفترة، منهم بعض الشعراء الكبار في مصر آنذاك، مثل محمود سامي البارودي، إسماعيل صبري، الشيخ عبد الرحمن قراعة «مفتي الديار المصرية» الذي عاصره في حياته.

ولحن لعبده الحامولي كبار العازفين وأمهرهم، واشتهر في الوسط الفني المصري بجمال صوته، وغنى العديد من الأدوار والموشحات، وفي بعض الأحيان كان يقوم بالتلحين والغناء.

إرث فني كبير

ومن أشهر أغاني وإرث عبده الحامولي في الموسيقى العربية والأغاني والموشحات: «كنت فين والحب فين، الله يصون دولة حسنك، أشكي لمين غيرك حبك، حبيبي شوفوهو لي يا ناس، الهوى يسقم صحيح، أنا عاشق ومغرم يا حبيبي، للحسن ده بالطبع أميل، قالولي الناس على أوصاف جمالك، الهجر يا روحي، يا للي بليت بالهوى، متع حياتك بالاحباب، الرب يلطف بعبده، فؤادي اسألك تعلمت الهوى ده منين، أراك عصى الدمع، أنا السبب في اللى جرى، ويا قلب أضناك الهوى، لام العزول وما درى».

فنان الملوك
 أعجب السلطان عبد الحميد، بصوت عبده الحامولي المتفرد، وقربه إليه وذهب الحامولي مع الخديوي إسماعيل إلى مدينة للأستانة بتركيا، وقدم العديد من المواويل والموشحات الدينية، وذاعت شهرته أيضًا في تركيا.

وعاد عبده الحامولي لمصر وقدم بعض الأغاني التي جمعت ما بين التراث الموسيقي الغنائي التركي والمصري.

لقاء الرفيقين 
التقى عبده الحامولي مع المطربة المشهورة ألمظ في إحدى الحفلات الغنائية، وسرعان ما ارتبط بعضهما وتزوجا وعاشا حياة سعيدة، وكانت ليلة زفافهما من الليالي الخالدة والتي حضرها خديوي مصر، إلى أن توفيت ألمظ فجأة في ريعان شبابها وحزن عبده الحامولي، حزنًا شديدًا.

ولم يعتمد «الحامولي» على مهنة الغناء فقط، بل مارس العديد من المهن الآخرى؛ حيث افتتح لشركة لتجارة الأقمشة، ولكنها لم تستمر كثيرًا.

عبده الحامولي على الشاشات وعلى الخشبة


 قدمت السينما المصرية في الستينات بعام 1965م، فيلمًا بعنوان  «ألمظ وعبده الحامولي»، من بطولة الفنانة وردة، والفنان عادل مأمون، ونخبة من نجوم الفن، كما أنتج مسلسلً تلفزيوني تاريخي، تناول سيرة الثنائي بعنوان «بوابة الحلواني»، وجسد دور عبده الحامولي الفنان علي الحجار، مع الفنانة شيرين وجدي التي جسدت دور ألمظ، من تأليف الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن، وإخراج إبراهيم الصحن ومشاركة مجموعة كبير من الفنانين منهم محمدوفيق، عبد الله غيث، سميرة عبد العزيز، وقدم في أربعة أجزاء.

وقدم دور الفنان والمنشد وائل الفشني في مسرحية «ألمظ وسي عبده» من البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية  لعام 2021  والذي يتناول العرض السيرة الذاتية للشخصيتين ألمظ وعبده الحامولي، وذلك من خلال تسليط الضوء على تاريخهما الفني والغنائي، الذي كان بمثابة أيقونة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

والمسرحية من بطولة مروة ناجي، ووائل الفشني، وهاني كمال، ومحمد حسني، ولبنى الشيخ، وإميل شوقي، ومحمد عمر، وطارق راغب، ونورهان صالح، وعماد عبد المجيد، ومحمد الخيام، وصابر عبد الله، ومحمد طلبة، ومحمد هلال، والطفلة ملك مازن، مع مشاركة خاصة بالأداء الصوتي لسيدة المسرح العربي الفنانة القديرة سميحة أيوب، وهو من تأليف وأشعار الراحل الدكتور  مصطفى سليم، وإخراج مازن الغرباوي.

رحيل وأثر باق
 

ظهرت ألحان وأغاني عبده الحامولي للوجود مرة أخرى بعد وفاته بنحو سبعين عامًا، عن طريق فرقة الموسيقى العربية التي أنشأها في القاهرة عبد الحليم نويرة عام 1967م وطبعت تلك الألحان على أسطوانات من جديد ولاقت قبولا كبيرًا.

نال «الحامولي» التقدير والتكريم في المحافل، فقد قربه الخديوي إسماعيل إليه وشجعه لتنمية موهبته، واصطحبه لتركيا للغناء، ومنحه يخت خاص، وهو الذي قام بإحياء أفراح، كذلك غنى على مسرح دار الأوبرا عام 1885، وأيضًا كرمه السلطان عبد الحميد ومنحه الكثير من الأموال.

ورحل المبدع المتفرد عبد الحامولي في مثل هذا اليوم  12 مايو 1901م، مغيبًا صوته، بعد مسيرة مهمة وخاصة في الموسيقى العربية التي بقيت آثارها وبقى معنا ركزا للطرب الأصيل رغم الرحيل.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة