في خطوة قد تمثل ضربة قاصمة لأحد أكثر القوانين البيئية إثارة للجدل في أوروبا، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إلغاء توجيه "التحقق من الاستدامة في سلاسل التوريد"، وهو قانون يُلزم الشركات بمراقبة سلاسل توريدها العالمية للتحقق من انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات البيئية.
وذكرت مجلة "بولتيكو" الأوروبية أنه خلال خطاب ألقاه أمام نخبة من رجال الأعمال، قال ماكرون: "هذا القانون وبعض التشريعات الأخرى لا ينبغي تأجيلها لعام فحسب، بل يجب سحبها بالكامل من الطاولة"، وسط تصفيق حار من الحضور.
وتأتي تصريحات ماكرون بعد أيام من دعوة مماثلة أطلقها المستشار الألماني فريدريش ميرتس، الذي طالب من بروكسل بإلغاء كامل للتوجيه الأوروبي. وقال ماكرون: "من الواضح أننا الآن على توافق تام مع المستشار ميرتس وبعض الزملاء الآخرين".
وفي حال نجاح هذه الدعوة المشتركة من زعيمي فرنسا وألمانيا، فإنها ستمثل تصعيدًا جديدًا في الاتجاه الأوروبي المناهض للبيئة والمُحابِي للشركات، والذي بدأ في الأشهر الماضية عبر حزم تشريعية لتبسيط الإجراءات وتقليص التزامات "الاتفاق الأخضر الأوروبي".
وتزايدت مؤخرًا النزعة المناهضة للبيئة داخل البرلمان الأوروبي، حيث منعت الكتلة النيابية للحزب الشعبي الأوروبي – وهي الأكبر في البرلمان وتضم ميرتس ورئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين – استخدام مصطلح "الاتفاق الأخضر" في تقرير بيئي عن المياه.
ويرى مراقبون أن إلغاء القانون قد يُنظر إليه أيضًا كتنازل استراتيجي من الأوروبيين في سياق المفاوضات التجارية الجارية مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي تهدف إلى تجنب اندلاع حرب تجارية شاملة بين ضفتي الأطلسي.
وكانت إدارة ترامب قد صنّفت التوجيه الأوروبي حول سلاسل التوريد كأحد الحواجز غير الجمركية التي تضر بالتبادل التجاري مع أوروبا. وبالتالي، فإن سحب هذا القانون يُمكن أن يُقدَّم لواشنطن كتنازل يُسهّل التفاهم.
لكن المهمة لن تكون سهلة، إذ تواجه فكرة الإلغاء معارضة قوية داخل الحكومة الألمانية نفسها. فالحزب الديمقراطي الاجتماعي، الشريك في الائتلاف الحاكم، فوجئ بدعوة ميرتس، زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي، لإلغاء القانون، علمًا بأن التوجيه الأوروبي كان موضع خلاف كبير خلال مفاوضات تشكيل الحكومة الألمانية.
ورغم التوصل إلى تسوية تقضي بالتخلي عن القانون الوطني للتدقيق، فإن الاتفاق الحكومي النهائي نصّ على الاحتفاظ بالتوجيه الأوروبي وتنفيذه "بأقل قدر ممكن من البيروقراطية". ويصر وزير المالية الألماني لارس كلينجبايل على الالتزام بما تم الاتفاق عليه.
أما على مستوى مجلس الاتحاد الأوروبي، فيتعيّن على ماكرون وميرتس إقناع دول أخرى بتغيير موقفها أثناء مناقشة الحزمة التشريعية للمفوضية.
وفي البرلمان الأوروبي، من غير المرجّح أن يلقى إلغاء القانون دعمًا من الائتلاف الوسطي الحاكم، الذي يضم الحزب الشعبي الأوروبي، والاشتراكيين الديمقراطيين، وتحالف "تجديد أوروبا" الليبرالي الذي ينتمي إليه ماكرون نفسه.
وفي حال سعى الحزب الشعبي الأوروبي إلى تمرير إلغاء القانون، فقد يضطر إلى التعاون مع أحزاب أقصى اليمين، وهو ما سيُعد خرقًا لمبدأ "الحزام الصحي" غير الرسمي، الذي يقضي بعدم تعاون القوى الأوروبية الوسطية المؤيدة للتكامل مع التيارات اليمينية المتطرفة.