الإثنين 2 يونيو 2025

مقالات

غاز الصيف والكرامة الوطنية

  • 25-5-2025 | 22:23
طباعة

كانت مصر دوما دولة ذات سيادة راسخة لا تخضع لابتزاز من هنا أو هناك ولا تقبل أن يكون قرارها الوطني أسيرًا لإملاءات خارجية أياً كانت الجهة أو الذريعة فالمواقف المصرية تنبع من تقدير دقيق للمصالح الوطنية ومن رؤية استراتيجية لا تتأثر بالضغوط ولا تبنى على ردود الأفعال بل تصاغ بإرادة مستقلة تعلي من شأن الكرامة والسيادة قبل كل شيء وملف الغاز الطبيعي بما فيه من تعقيدات سياسية وتشابكات إقليمية لم يكن استثناء من هذه القاعدة فسواء تعلق الأمر باستيراد الغاز من إسرائيل أو بإعادة تصديره عبر محطات الإسالة المصرية فإن القاهرة تعاملت مع هذا الملف بمنطق الدولة لا منطق الشعارات وبحسابات المصلحة الوطنية لا بحسابات الابتزاز أو الانصياع فالشراكات الاقتصادية لا تعني الخضوع والتعاون في مجالات الطاقة لا يعني تبدل المواقف أو التفريط في الثوابت.

 

ومن يتصور أن التعاون في مجال الغاز يمكن أن يتحول إلى أداة ضغط على القرار المصري يخطئ فهم حقيقة الدولة المصرية وطبيعة إدارتها للملفات الحساسة فمصر التي جعلت من أمنها القومي خطا أحمر لا يمكن أن تسمح بتحويل مواردها أو شراكاتها الاقتصادية إلى أوراق سياسية ضدها والغاز بالنسبة لمصر مورد من موارد التنمية لا وسيلة للإخضاع أو التنازل وإذ تمضي مصر في بناء مركز إقليمي للطاقة فإنها تفعل ذلك من موقع القوة لا من موقع الحاجة ومن منطلق الحضور الإقليمي الفاعل لا التبعية وذلك هو الفرق الجوهري بين دولة تعرف ماذا تريد وأخرى تنتظر من يرسم لها طريقها.

وتجسد جهود مصر في التعاقد على شحنات الغاز الطبيعي المسال استعدادا لصيف 2025 نهجا استراتيجيا يعكس استقلالية القرار الوطني ورفض الخضوع لأي ابتزاز خارجي ففي مواجهة التحديات المتزايدة في قطاع الطاقة اتخذت الدولة خطوات استباقية لتأمين احتياجاتها من الكهرباء خلال أشهر الصيف وقامت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" بترسية عطاء لشراء 17 شحنة من الغاز الطبيعي المسال للتسليم خلال الصيف بعلاوة تتراوح بين 1.6 و1.9 دولار عن السعر القياسي لمنصة تجارة الغاز الهولندية  وتوزعت هذه الشحنات على 7 في يوليو و6 في أغسطس و4 في سبتمبر مع خيار تأجيل المدفوعات لمدة تصل إلى 6 أشهر ما يوفر مرونة مالية للدولة بالإضافة إلى ذلك وضعت مصر شروطا واضحة لتلقي طلبات التعاقد على استيراد شحنات الغاز الطبيعي المسال منها تحديد حد أقصى لسعر الشراء عند 14 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية وفرض رسوم إضافية بقيمة دولارين لكل مليون وحدة حرارية بريطانية مقابل فترة السماح في السداد لمدة عام  كما سعت الدولة إلى استيراد ما بين 155 إلى 160 شحنة من الغاز الطبيعي المسال في عام 2025 لتلبية الاحتياجات المحلية المتزايدة وهذه الإجراءات تعكس حرص الدولة على تأمين احتياجاتها من الطاقة دون التنازل عن سيادتها أو الرضوخ لأي ضغوط خارجية فمصر بتاريخها العريق ومكانتها الإقليمية تواصل السير بثبات نحو تحقيق أمنها الطاقي مستندة إلى قرارات مدروسة ومصالح وطنية عليا بعيدا عن أي إملاءات أو ابتزاز.

الاكثر قراءة