في ظل أكثر من 600 يوم من العدوان الإسرائيلي المتصاعد على قطاع غزة، وخاصة بعد انهيار اتفاق التهدئة في مارس الماضي، تلوح في الأفق مؤشرات على إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وسط تفاؤل حذر عبّر عنه المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف بشأن مقترح جديد للهدنة ووقف إطلاق النار في غزة.
وفي الوقت الذي تتكثف فيه الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية، تبرز مصر كطرف محوري في الوساطة، بينما يشهد الموقف الأوروبي تغيرًا تدريجيًا، قد يزيد من عزلة إسرائيل دوليًا ويشكل ضغطًا إضافيًا على الاحتلال، خاصة بعد إعلان عدة دول أوروبية عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
مقترح ويتكوف
ويتضمن مقترح ويتكوف الجديد الإفراج عن 125 أسيرا فلسطينيا من ذوي الأحكام المؤبدة، و الإفراج عن 1111 أسيرا فلسطينيا من قطاع غزة اعتقلوا بعد 7 أكتوبر 2023 و180 جثمانا للشهداء الفلسطينيين.
وأعلنت حركة حماس، أمس عن التوصل إلى اتفاق مع المبعوث الأمريكي، على إطار عام يحقق وقفاً دائماً لإطلاق النار، وانسحاباً كاملاً للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، وتدفّق المساعدات، وتولّي لجنة مهنية إدارة شؤون القطاع فور الإعلان عن الاتفاق، موضحة أن الاتفاق يتضمّن إطلاق سراح 10 من الأسرى الإسرائيليين وعدد من الجثامين، مقابل إطلاق سراح عدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين، بضمان الوسطاء مصر وقطر والولايات المتحدة، لافتة إلى أنها تنتظر الردّ النهائي على هذا الإطار.
وأعرب المبعوث الأمريكي ويتكوف عن تفاؤله بالتوصل لاتفاق قريب وطويل الأمد بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل.
هل تقبل إسرائيل بمقترح ويتكوف؟
ويقول الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن تصريحات المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف اليوم كانت متفائلة بخلاف الأيام الماضية، حيث قال فيها إننا أقرب من أي وقت سابق للتوصل إلى اتفاق، مضيفًا أن الـ24 ساعة الماضية شهدت تطورات داخل الاحتلال الإسرائيلي حيث زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تمكن قواته من اغتيال القيادي في حماس محمد السنوار في غزة، في رسالة لطمأنة الشارع الإسرائيلي.
وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن الأمر الثاني أن اجتماع الحكومة الإسرائيلية وافق على تمرير طلب البناء الذي قدمه وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ووزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، لبناء 22 مستوطنة في الضفة الغربية، وهذا يشير بوضوح إلى أن نتنياهو يهدّئ من حلفائه تمهيدًا للموافقة على الاتفاق.
وأشار الرقب، إلى أنه بحسب تفاصيل الاتفاق، سيتم إطلاق سراح 10 من الإسرائيليين، وبعدها الإفراج عن جثامين 15 إسرائيليًا، مقابل 125 أسيرًا فلسطينيًا محكومين بالسجن المؤبد، إضافة إلى 1100 فلسطيني اعتقلوا خلال الحرب، معظمهم من غزة، كما ينص الاتفاق على إدخال مزيد من المواد الغذائية والطبية إلى غزة لمدة 60 يومًا، وانسحاب الاحتلال إلى مواقعه وفق ما تم في اتفاق 19 يناير الماضي.
وشدد على أن المطلوب الآن، وبكل وضوح، هو موافقة الاحتلال الإسرائيلي على المقترح، لأنه من الواضح أن حركة حماس والأمريكيين قدموا هذا الاقتراح، وحماس وافقت عليه، بانتظار موافقة الاحتلال، والأمريكيون، إذا أرادوا إقناع الاحتلال، فعليهم الضغط عليهم كما حدث في اتفاق 19 يناير الماضي، موضحا أن "اليوم هناك اجتماع لحكومة الاحتلال، وأعتقد أننا قد نشهد قرارًا قبل يوم السبت".
وأشار إلى أنه يعتقد أنه خلال 24 ساعة سيكون هناك قرار بشأن قبول الاحتلال للمقترح، لأن الإسرائيليين الآن يريدون كسب الوقت، وتخفيف الضغط الدولي عليهم، لكن إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي في المرحلة الثانية، فقد تعود إسرائيل للمربع الأول.
تغير الموقف الدولي
وأشار إلى أن الموقف الدولي شهدت تغيرات كبيرة خلال الفترة الماضية، فبعدما اتخذت دول صديقة مثل إسبانيا والنرويج وهولندا قرارات ومواقف جادة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية العام الماضي، الآن تغير موقف الاتحاد الأوروبي حيث أعلنت فرنسا، وهي دولة ذات وزن كبير في الاتحاد الأوروبي عن عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهذا شأنها شأن عدة دول أخرى منها إيطاليا تفكر في اتخاذ نفس الحذو.
وأكد أن هذا التغير في المواقف ناتج عن الجرائم التي يرتكبها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، فلم تعد القيادات الأوروبية قادرة على إنكار الواقع، خاصة في ظل مشاهد قتل الأطفال والنساء وتجويع المدنيين، مضيفا أن الأوروبيين حتى الآن لم يتخذوا إجراءات مباشرة ضد الاحتلال، مثل وقف العلاقات أو قطع ملفات التعاون الأمني أو التجاري أو السياسي، لكن بالإمكان أن يتخذوا خطوات فعلية مستقبلًا.
دور مصر راسخ
وشدد على أن مصر منذ اليوم الأول للحرب تسعى للتفاوض بهدف وقفها وهي تدرك تمامًا أن الاحتلال يرتكب مجازر بحق الشعب الفلسطيني، مؤكدا أن الموقع الجيوسياسي لمصر ودورها التاريخي بشأن القضية الفلسطينية جعلها تتحرك بشكل كبير لإدخال المساعدات إلى غزة في كل فرصة تتاح لها، وهي تضغط بشدة.
وأكد أن الجميع يعلم أن مصر دولة محورية وأساسية في أي رؤية استراتيجية، والجهود التي بُذلت للوصول إلى هذا المقترح كانت جهودًا مصرية قطرية بالتعاون مع واشنطن، مضيفًا أنه حتى الآن، تأمل القاهرة في الموافقة النهائية على الاتفاق، بهدف التوصل إلى وقف شامل للحرب، يليها الحديث عن "اليوم التالي"، من خلال لجنة إسناد مجتمعية تشرف عليها مصر لتشكيل حكومة بمشاركة الفصائل الفلسطينية، بالإضافة إلى تكوين أجهزة أمنية وشرطية لإدارة قطاع غزة.
سلام شامل وعادل
ومن جانبه، قال الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية، إن الجميع يأمل أن يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، يتبعه هدنة طويلة الأمد، بل وأكثر من ذلك، أن يُوجد أفق سياسي حقيقي على الساحة الدولية يُفضي إلى تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ويؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، لأن هذا هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام الشامل في المنطقة، على أن يكون سلامًا عادلاً، لا سلامًا مفروضًا بالقوة.
وأكد في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أنه إذا أُتيح الوصول إلى هذا السلام العادل، وإطلاق عملية سياسية حقيقية تقود إلى قيام الدولة الفلسطينية، فسيكون لذلك أثر إيجابي ليس فقط على المنطقة العربية، بل على العالم كله، مشيرًا إلى أنه لا شك أن هناك تخوفات من استمرار المراوغات الإسرائيلية، والتصريحات المتناقضة التي غالبًا ما يُكشَف لاحقًا عن عدم صحتها.
وشدد على أن الأمر يتطلب تضافر الجهود الدولية، ودعم مساعي الوساطة التي تقوم بها بعض الأطراف، وعلى رأسها مصر، من أجل الوصول إلى تهدئة وحل لهذه الأزمة المزمنة، موضحا أن التغير في مواقف العديد من الدول الأوروبية، والتي بدأت في مراجعة مواقفها تجاه إسرائيل، واعتزامها الاعتراف بالدولة الفلسطينية الشهر المقبل، هذا التحول له أسبابه، ومن المحتمل أن تكون له تأثيرات ملموسة، خصوصًا إذا تزايد عدد الدول التي تسير في هذا الاتجاه.
وأضاف أن هناك دول مثل كندا، وهولندا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وجميعها تنادي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهذا مؤشر إيجابي، لكنه يظل ناقصًا من حيث شموليته، إذ لا بد أن نراقب عدد الدول التي ستنضم إلى هذا التوجه، فكلما زاد عدد الدول، سواء من داخل الاتحاد الأوروبي أو من خارجه، زاد الضغط على إسرائيل، خاصة إذا اتُخذت إجراءات حقيقية مثل العقوبات الاقتصادية أو التجارية أو الدبلوماسية.
وعن دور مصر، أكد إكرام بدر الدين أنه دور محوري ومحل تقدير دولي واسع، خاصة في مجال الوساطة، فمصر قدمت مقترحات وشاركت في مفاوضات ووساطات متعددة، سواء في باريس أو إيطاليا، ونسقت أيضًا مع الولايات المتحدة وقطر في هذا السياق، مشددًا على الدور المصري لا يقتصر فقط على الجوانب السياسية، بل يمتد إلى الأبعاد الإنسانية، القانونية والدبلوماسية.
وأشار إلى أن الجهود المصرية ساهمت في توضيح حقيقة الأوضاع المأساوية في غزة أمام العالم، مما أدى إلى تغيّر مواقف بعض الدول، كما أن مصر لعبت دورًا إنسانيًا كبيرًا في إيصال المساعدات، خاصة مع تعنت الجانب الإسرائيلي وقيامه بعرقلة هذه الجهود، فمعظم المساعدات كانت تدخل عبر مصر، التي كانت تُسهّل وصول المساعدات الدولية إلى أهلنا في غزة، وهو ما يُعزز من أهمية دورها المستمر في هذا الملف.