السبت 28 يونيو 2025

عرب وعالم

"فورين بوليسي": تأثير الغارة الأوكرانية على روسيا محدود رغم تعقيداتها وجرأتها

  • 5-6-2025 | 10:23

القوات الأوكرانية

طباعة
  • دار الهلال

في الأول من يونيو الجاري، شنت أوكرانيا عملية جريئة مخطط لها منذ فترة طويلة باستخدام طائرات مسيرة في عمق الأراضي الروسية، مستهدفة أسطول القاذفات الاستراتيجية الروسية في قواعد متعددة. 

 

وقالت أوكرانيا إن العملية -التي أُطلق عليها اسم "الشبكة العنكبوتية"- أصابت 41 قاذفة، دمرت 13 منها على الأقل بالكامل، فيما تشير تقارير إلى إصابة قاذفات قنابل من طراز توبوليف Tu-95 وTu-22M.

 

وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن أوكرانيا اختارت، على ما يبدو، عدم استهداف أحدث قاذفات Tu-160 الروسية ذات القدرة النووية، مركزة بدلا من ذلك على قاذفات Tu-95 وTu-22M، التي استخدمت على نطاق واسع في هجمات تقليدية على المدن الأوكرانية.

 

وتفيد التقارير أن أوكرانيا نشرت 117 طائرة مسيرة من طراز كاميكازي، لضرب قواعد جوية روسية متعددة منتشرة عبر عدة مناطق، من مورمانسك بالقرب من الدائرة القطبية الشمالية إلى منطقة أمور على بعد حوالي 5000 ميل من الحدود الأوكرانية. وتم نقل الطائرات المسيرة سرا إلى روسيا على مدى أشهر عديدة، مخبأة داخل كبائن خشبية مثبتة على ظهر شاحنات ذات أسقف قابلة للفصل يتم التحكم بها عن بعد. 

 

ونجح عملاء المخابرات الأوكرانية في تهريب الطائرات المسيرة بالقرب من القواعد الجوية، وفي بعض الحالات، استخدموا سائقي شاحنات روس للقيام بذلك دون علمهم بحمولة شاحناتهم. ثم، وفي اللحظة المحددة، فتحت أسقف الكبائن عن بعد، ما سمح للطائرات المسيرة بالانطلاق نحو أهدافها باستخدام تقنيات تجارية ومفتوحة المصدر، بما في ذلك شبكات 4G LTE وبرنامج ArduPilot. وكان لكل طائرة مسار مخصص لها، فيما ذكرت المخابرات الأوكرانية أن بعض الطائرات المسيرة اعتمدت على الذكاء الاصطناعي لإكمال مهامها على مسارات محددة مسبقا عند فقدان الإشارة، حيث كانت تفعل متفجراتها تلقائيا عند وصولها إلى أهدافها المحددة.

 

وترى "فورين بوليسي" أنه على الرغم من تعقيدها وإبداعها وجرأتها، إلا أنه من المرجح أن يكون التأثير الفوري للغارة الأوكرنية على العمليات الروسية في أوكرانيا محدودا، حيث لن تؤدي خسارة اثنتي عشرة طائرة أو أكثر من إجمالي أسطول جاهز للتشغيل يضم حوالي مائة قاذفة بعيدة المدى إلى إيقاف هجمات صواريخ كروز على المدن الأوكرانية فورا. كما أنه من غير المرجح أن تؤثر أي إعادة انتشار روسي –في ضوء الهجوم الأوكراني- على خط المواجهة، نظرا لوفرة أنظمة الدفاع الجوي الروسية النسبية.

 

ورأت المجلة أن التأثير ربما كان سيكون أكبر في عام ٢٠٢٤، حينما كانت روسيا تعتمد بشكل أكبر على تشكيلات القاذفات لضرب أوكرانيا مقارنة بما تفعله الآن، موضحة أنه مع زيادة إنتاج الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية، أصبحت صواريخ كروز التي تطلق من الجو (عبر قاذفات القنابل) أقل أهمية. 

 

وأشارت المجلة الأمريكية إلى أنه سيتعين على روسيا الآن إنفاق موارد ثمينة لتحصين القواعد الجوية وغيرها من المرافق الحيوية من خلال إنشاء دفاعات قوية ومتعددة الطبقات مضادة للطائرات بدون طيار - تجمع بين الحرب الالكترونية وأنظمة الأسلحة المضادة للطائرات والحواجز المادية مثل حظائر الطائرات الخرسانية. 

 

ولفتت المجلة إلى أنه يجب، رغم ما سبق، عدم إغفال الآثار طويلة المدى للغارة الأوكرانية، حيث لم تعد قاذفات Tu-95 وTu-22M تنتج بكميات كبيرة، وفقدانها يقلل من قدرة روسيا على نشر قواتها بعيدة المدى. كما أن الأضرار التي تم الإبلاغ عنها، وإن لم تؤكد بعد، لطائرات الإنذار المبكر والتحكم A-50 ستضعف قدرات المراقبة الجوية الروسية والقيادة والتحكم، مما يعقد قدرة موسكو على تنسيق العمليات الجوية المعقدة في حرب مستقبلية ضد حلف شمال الأطلسي (ناتو).

 

وفيما يتعلق بأضرار الغارة الأوكرانية بشكل عام على روسيا، أكدت "فورين بوليسي" أنه من الناحية النفسية، تمثل الغارة ضربة قوية لهيبة روسيا ومصداقيتها. فهي تقوض الرواية السائدة عن البراعة العسكرية الروسية، وتظهر قدرة أوكرانيا على ضرب مركز القوة العسكرية الروسية. كما توضح العملية أن أوكرانيا لا تحتاج إلى ترسانة تضاهي ترسانة روسيا، بمعنى أن المنصات الصغيرة منخفضة التكلفة يمكنها إلحاق أضرار جسيمة بالأهداف عالية القيمة.

 

ومع ذلك، فإن الغارات وحدها لا تكسب الحروب، حيث في نهاية المطاف، سيتحدد مسار الحرب في أوكرانيا -وفقا للمجلة الأمريكية- بمدى قدرة أوكرانيا على مواصلة استنزاف القوات الروسية على طول خط المواجهة في الأشهر المقبلة، ما سيغير رأي قيادة الكرملين حول جدوى مواصلة الحرب بالنظر إلى تكاليفها الباهظة ومكاسبها المحدودة. 

 

ويرى بعض المراقبين أن أهمية الغارة الأوكرنية تكمن في تكييف تكتيك كلاسيكي من تكتيكات الحرب الأوروبية - الغارة العسكرية - مع القرن الحادي والعشرين، حيث كانت حرب الغارات، التي كانت الشكل الرئيسي للاشتباك العسكري في جميع أنحاء أوروبا في مراحل تاريخية سابقة، قائمة عادة على عدة مراحل: التسلل السري، والهجوم المفاجئ، والانسحاب السريع. وكثيرا ما استخدم المستضعفون هذا التكتيك للحفاظ على الضغط على عدو أقوى. 

 

ونبهت "فورين بوليسي" إلى أن الغارة الأوكرانية كشفت أن قوة غير نووية يمكنها مهاجمة الأصول الاستراتيجية لقوة نووية، وأن اختيار كييف الأهداف وتقييم حجم الأضرار الناجمة عنها، يبرز أهمية أنه في عصر الخصوم المسلحين نوويا، يجب تقييم حتى أنجح الغارات بعناية لتجنب تجاوز الخطوط الحمراء.

 

وختاما، ترى المجلة الأمريكية أنه كلما زادت فعالية غارات أوكرانيا، زاد خطر التصعيد غير المتناسب من جانب روسيا، وأن الخوف من رد فعل روسي عنيف يكاد –في رأي مراقبين- يطغى على النجاح العملي للغارة نفسها، وهو ما يسهم في ثقافة الردع الذاتي، حيث تستخدم روسيا بنشاط تهديدات الأسلحة النووية والتقليدية ليس فقط في سياق استراتيجي محايد، بل أيضا كأداة متعمدة لإدارة السلوك الغربي وتقييده.

 

وفي النهاية، لا شك أن عملية "الشبكة العنكبوتية" ستدخل التاريخ العسكري كواحدة من أكثر الغارات جرأة، وواحدة من أولى العمليات التي نفذت بطائرات مسيرة هجومية يتم التحكم فيها عن بعد. لكنها لا تبشر بفجر عصر جديد. بل إنها النسخة الأحدث من الغارة الكلاسيكية (الأوروبية)، المعدلة لتتلاءم مع واقع حروب القرن الحادي والعشرين في ظل التهديدات النووية.

.

الاكثر قراءة