ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، في عددها الصادر اليوم الأربعاء، أنه في ظل استمرار المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد تضحى الأخيرة في موقع أقوى من واشنطن، خاصةً في قدرتها على التكيّف مع نقص الرقائق الإلكترونية المتقدمة، في مقابل اعتماد الولايات المتحدة الكبير على معادن الأرض النادرة التي تهيمن الصين على إنتاجها عالميًا.
ونقلت الصحيفة، في سياق تحليل اخباري للكاتب إيشان ثارور، إشارة رمزية لضرورة الفهم المتبادل ألمحت بها رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد، خلال زيارتها الرسمية لبكين حيث توقفت عند معبد كونفوشيوس، وعند خروجها من الموقع التاريخي الذي يعود للقرن الرابع عشر، نشرت مقطع فيديو عبر منصة "إكس" للتواصل الاجتماعي اقتبست فيه قولًا للفيلسوف الصيني: "من يتعلم دون أن يفكر ضلّ طريقه، ومن يفكر دون أن يتعلم بات في خطر".
وعلقت لاجارد بأن حكمة كونفوشيوس تنطبق على مهمتها الحالية لفهم الاقتصاد الصيني والتفاعل مع المسئولين في ظل تصاعد التوترات العالمية.
وقالت "واشنطن بوست" إن هذا الاقتباس يمكن أن ينطبق أيضا على الوفد الأمريكي رفيع المستوى التابع لإدارة الرئيس دونالد ترامب، والذي يجتمع هذا الأسبوع بمسئولين صينيين كبار في لندن ضمن جولة جديدة من المحادثات التجارية إذ تأتي هذه المفاوضات بعد أسابيع من التصعيد المتبادل والتدابير الحمائية، التي بدأت بإعلان ترامب عن "يوم التحرير" وفرض رسوم جمركية إضافية شاملة على الواردات، بما في ذلك سلع صينية محددة.
ورغم مرور وقت على اندلاع هذه الجولة الجديدة من الحرب التجارية مع العملاق الآسيوي، لا يزال من غير الواضح- حسبما أبرزت الصحيفة- ما الذي تعلمه ترامب وفريقه. لكن ما يبدو واضحًا، بحسب خبراء اقتصاديين، هو أن المخاطر التي تواجه الولايات المتحدة كبيرة، وربما لم تُحسب بدقة في هذه المقامرة الاقتصادية.
وأوضحت " واشنطن بوست" أن واشنطن وبكين اتفقتا، بعد محادثات عُقدت الشهر الماضي في جنيف، على تعليق مؤقت للعديد من الرسوم الجمركية التي تزيد عن 100% وفرضتها كل دولة على الأخرى في حرب تجارية متصاعدة. لكن حالة عدم اليقين الأوسع نطاقًا بشأن المشهد التجاري تُثقل كاهل الشركات في كلا البلدين، المتورطة في سلاسل التوريد العالمية. وتشير البيانات إلى انخفاض بنسبة 34% في الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، وهو انخفاض كبير لا يمكن تعويضه جزئيًا إلا من خلال زيادة المبيعات إلى أجزاء أخرى من العالم .
وركزت المحادثات في لندن على مجموعات متنافسة من ضوابط التصدير على رأسها القيود الأمريكية على صادرات أشباه الموصلات والرقائق المتطورة إلى الصين وضوابط بكين على المعادن النادرة اللازمة لتصنيع منتجات متنوعة كالسيارات والطائرات المقاتلة وهواتف آيفون والأجهزة الطبية. وكما ذكرت الصحيفة، فإن المواجهة قد وضعت الصين في موقف أقوى، إذ أصبحت أكثر قدرة على تجاوز النقص في الرقائق المتقدمة التي يمكن للولايات المتحدة تصنيعها، وقد تنفد في الأشهر المقبلة وتُسبب كارثة لشركات السيارات والأسلحة الأمريكية.
من جانبه، صرح وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك والممثل التجاري جيميسون جرير للصحفيين في لندن ليلة أمس الثلاثاء أن الولايات المتحدة والصين توصلتا إلى اتفاق تجاري مبدئي بعد يومين من المفاوضات المباشرة، وأنهما عائدتان إلى بلديهما للحصول على الموافقة النهائية من ترامب والرئيس الصيني شي جين بينج.
وتابعت "واشنطن بوست" أن الذعر بشأن المعادن النادرة "كشف عن خلل في اعتقاد الإدارة الأمريكية بأن العلاقة التجارية الثنائية غير المتوازنة منحت واشنطن ميزة لا تُقهر"، ونقلت عن الكاتب الصحفي الأمريكي ديفيد لينش قوله بإن الصين قد تشتري من الولايات المتحدة أكثر بكثير مما تشتريه الولايات المتحدة من الصين، لكنها استفادت من احتكارها شبه الكامل للمدخلات التي تحتاجها الاقتصادات المتقدمة".
وأشار أحد خبراء صناعة السيارات إلى أن الصناعة بأكملها في الولايات المتحدة تستعد للإغلاق، وتحدث إلى الصحيفة بشرط عدم الكشف عن اسمه بإن: "الناس يعتقدون أن الأمر يقتصر على السيارات الكهربائية، لكن الأمر ليس كذلك. إنه موجود في كل شيء وفي كل سيارة. إنه موجود في محركات مساحات الزجاج الأمامي". وقال أحد الموردين الذين تحدثوا إلى الصحيفة إن "هناك أجهزة استشعار في أحزمة الأمان. وأعتقد أن هناك اضطرابات في الإنتاج في كل مكان. الصين مُتحكّمة في كل شيء".
ورجحت الصحيفة الأمريكية بأن الأمر قد ينطبق أيضًا على قطاع الدفاع. وقالت ليزا توبين، المديرة العامة لشركة جارنوت جلوبال، وهي شركة استشارية في المخاطر الجيوسياسية تُركز على الصين:" في الوقت الحالي، تتمتع الصين بنفوذ كبير، وهم يضغطون بشدة ويريدون المزيد من التنازلات. إنهم يريدون بالتأكيد إرسال إشارة مفادها أنهم قادرون على إيقاف آلة الحرب الأمريكية متى شاءوا".
أما في بكين، فهناك شعور بالثقة. وفي فبراير الماضي، كان السرد السائد في الولايات المتحدة هو أن: "الاقتصاد الصيني سيئ، ولذا إذا كانت الولايات المتحدة ستستخدم سياسة التعريفات الجمركية، فلن يكون أمام الصين خيار سوى الاستسلام"، هذا ما قاله وو شينبو، عميد معهد الدراسات الدولية بجامعة فودان في شنجهاي، لصحيفة واشنطن بوست، مضيفًا أن المسئولين الأمريكيين يبدو الآن أنهم يدركون أن "الصين كانت أكثر استعدادًا للحرب التجارية في المرحلة الأولى".
أما بالنسبة لترامب وحلفائه، تُعدّ التعريفات الجمركية جزءًا مما يرونه إعادة توازن ضرورية للاقتصاد العالمي. كما أنهم يعتقدون أن الصين - باستخدامها الدعم الصناعي والتلاعب بالعملة وأدوات الدولة الأخرى - قد تلاعبت لسنوات بالاقتصاد العالمي بشكل غير عادل لصالحها. ويرون في حربهم التجارية خطوة أولى لإعادة بعض الصناعات الحيوية والتصنيع إلى الولايات المتحدة بعيدًا عن نطاق بكين.