أثار إعلان وزارة المالية تخصيص قطعة أرض بمحافظة البحر الأحمر كضمانة لإصدار صكوك سيادية جدلًا واسعًا، في ظل توجه الدولة لتنويع أدوات التمويل وخفض الدين العام، حيث اعتبر البعض الخطوة "توريقًا للأرض"، فيما أكد الخبراء خلال حديثهم لبوابة "دار الهلال"، أن ما يجري هو استخدام لأداة تمويلية مبتكرة لا تمس ملكية الأصول، بل تهدف إلى توظيفها بكفاءة واستدامة.
ورأى أنها تمثل نقلة نوعية في الفكر التمويلي للدولة المصرية، تستهدف تحقيق التوازن بين الحفاظ على أصول الدولة من جهة، وتوفير أدوات تمويل مبتكرة تعزز النمو والاستقرار الاقتصادي من جهة أخرى.
التصكيك يرتبط بأصول حقيقية.. والتوريق يتعلق بديون مالية
الخبير المصرفي والاقتصادي الدكتور أحمد شوقي أوضح في تصريحات خاصة لبوابة دار الهلال أن الخلط بين مفهومي التوريق والتصكيك يتكرر كثيرًا رغم الفوارق الجوهرية بينهما، سواء من حيث البنية القانونية أو الغرض التمويلي.
وأشار إلى أن التوريق هو عملية تقليدية تقوم على تحويل ديون قائمة – مثل أقساط القروض أو المستحقات – إلى أوراق مالية قابلة للتداول، وتُستخدم كوسيلة للحصول على سيولة فورية مقابل هذه الديون.
في المقابل، فإن التصكيك أو إصدار الصكوك، يقوم على أصول حقيقية أو منافع ملموسة، يتم تحويلها إلى أدوات مالية تمثل حصصًا شائعة في تلك الأصول، دون أن تفقد الدولة ملكيتها.
ويشترك المستثمرون في الأرباح والخسائر، في إطار صيغ تمويلية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، مثل الإجارة والمضاربة والمشاركة، وتخضع جميعها لرقابة شرعية وقانونية لضمان النزاهة والشفافية.

الصكوك أداة تمويل آمنة وجاذبة.. ولا تعني بيع الأصول
من جانبه، قال الدكتور أحمد مصطفى، الخبير الاقتصادي وأستاذ إدارة الأعمال، إن الخطوة التي اتخذتها وزارة المالية تعكس توجهًا استراتيجيًا للدولة نحو تفعيل الصكوك السيادية كوسيلة حديثة لتعظيم الاستفادة من الأصول العامة غير المستغلة، دون تحميل الموازنة العامة مزيدًا من الأعباء أو التوسع في الاقتراض التقليدي.
وأوضح مصطفى أن الصكوك السيادية لا تعد بيعًا للأصول، بل ترتكز على منح حق الانتفاع بالأصل لفترة زمنية محددة، مقابل إشراك المستثمر في العوائد.
وأضاف أن التجربة المصرية في إصدار أول صكوك دولية عام 2023، والتي بلغت قيمتها 1.5 مليار دولار وحققت إقبالًا فاق حجم الطرح بأكثر من خمسة أضعاف، تؤكد أن هذا الاتجاه يجد صدىً واسعًا في أسواق المال الإسلامية والدولية.
ضمانات قانونية ومردود تنموي مستدام
وأشار مصطفى إلى أن القانون رقم 138 لسنة 2021 المنظم للصكوك السيادية، يضع أطرًا رقابية دقيقة، تشمل لجنة رقابة شرعية داخل وزارة المالية، وآليات حوكمة تحدد أنواع الصكوك وشروط الإصدار. كما يضمن القانون الحفاظ على حقوق الدولة والمستثمرين على السواء.
ولفت إلى أن هذه الأداة التمويلية تسهم في تمويل مشروعات تنموية طويلة الأجل في قطاعات مثل الطاقة، البنية التحتية، الصحة، التعليم، والسياحة، وتوفر قنوات لاستقطاب استثمارات جديدة، وتعزز الشمول المالي، وتدعم جهود الدولة في دمج الاقتصاد غير الرسمي.

المالية: لا بيع للأرض.. بل شراكات استراتيجية وتخفيف لأعباء الدين
وفي بيان رسمي، أكدت وزارة المالية أن تخصيص قطعة الأرض بمحافظة البحر الأحمر يأتي ضمن خطة شاملة لاستخدام الأصول العامة غير المستغلة كضمانات لإصدار صكوك سيادية، دون مساس بملكية الدولة لتلك الأصول.
وذكرت الوزارة أن الهدف من هذا التخصيص هو توفير أدوات تمويل بشروط ميسرة، تساهم في تمويل الموازنة العامة وتخفيف أعباء خدمة الدين.
وأشار البيان إلى أن الدولة تتجه من خلال هذه الخطوة إلى الدخول في شراكات استثمارية مع مؤسسات مالية حكومية، بهدف استبدال جزء من المديونيات الحالية بأدوات إنتاجية، ما يعزز قدرة الدولة على تمويل مشروعات جديدة دون أعباء مالية إضافية.
تحويل الأصول غير المستغلة إلى طاقة إنتاجية
تعمل وزارة المالية، على تحويل هذه الأصول إلى مشروعات استثمارية مدرّة للدخل، تساهم في خلق فرص عمل، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مع استهداف مناطق واعدة مثل الساحل الشمالي، وسيناء، والعاصمة الإدارية الجديدة، والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.