انتفاضة الثلاثين من يونيو، وما تلاها من أحداث شهدتها البلاد، هي بحق معركة الحفاظ على الدولة الوطنية وحمايتها، بعد أن تهددها خطر الإضعاف والتقويض، الذي كان مخططه يمضي تنفيذه في منطقتنا، وتمخض عما نشاهده ونحن متألمون الآن في عدد من البلاد العربية مثل ليبيا والسودان وسوريا، وما أفلتت منه حتى الآن لبنان وتونس والعراق، ونجت من التقويض والتدمير.
فعلى مدى عام واحد فقط عشناه تحت حكم جماعة الإخوان، تبين لجموع المصريين أن هويتهم الوطنية في خطر، وأنها معرضة للتشويه، وأن دولتهم الوطنية مهددة بالتدمير الممنهج من قبل جماعة متطرفة لها تنظيم دولي، ولا تؤمن بالوطنية، وإنما تتطلع إلى إعادة إحياء دولة الخلافة الإسلامية القديمة التي تذوب فيها الهويات الوطنية، وتخضع الدول الوطنية لإرادة غير وطنية.. وهذا ما يؤمن به الإخوان منذ سنوات النشأة الأولى، وعلّمه مرشدهم وإمامهم ومؤسس جماعتهم حسن البنا مبكرًا جدًا، بل وسعى لتنفيذه؛ ولذلك اهتم مبكرًا بفتح فروع لجماعته في العديد من الدول العربية والإسلامية، بل والأوروبية أيضًا. لذلك قاموا منذ عدة عقود مضت بتأسيس تنظيم دولي لهم، يدير فروع الإخوان في كل مكان متاح، وتسيطر جماعة مصر على قيادته وإدارته. وهذا ما تبقى للإخوان الآن بعد ملاحقة جماعتهم الأم في مصر وتصفية وجودها التنظيمي داخل مصر، وكذلك ملاحقة تنظيماتهم في عدد من الدول العربية، وتضييق الخناق على تواجدهم في دول أوروبية أيضًا. وهذا التنظيم يملك أموالًا غزيرة هائلة، كوَّنها وتراكمت من التبرعات التي يجيد الإخوان جمعها في الخارج، ومن الاستثمارات التي شرعوا فيها مبكرًا في خمسينيات القرن الماضي، وراكمت لهم ثروات ضخمة.
فهم، منذ أن أمسكوا بالسلطة، وبتحالف سياسيين ومثقفين معهم، وهم ينفذون مخططًا واضحًا للنيل من الدولة الوطنية المصرية.. وبدأ هذا المخطط بأخونة مؤسسات الدولة المختلفة، وإحكام السيطرة عليها منفردين، حتى السلفيين الذين تحالفوا معهم في الانتخابات ودعموهم، فإنهم استبعدوهم من مشاركتهم السلطة والثروة أيضًا.. ولم تسلم أهم مؤسسة في الدولة من محاولات أخونة المجتمع والدولة، وهي المؤسسة العسكرية. وساعدهم في ذلك الأمريكان، الذين مارسوا ضغوطًا مكثفة على قيادة المؤسسة العسكرية عام ٢٠١٢ لكي تسلم كامل السلطة التشريعية للإخوان، وحتى لا تلعب أي دور في صياغة الدستور الجديد، وتترك ذلك للإخوان ومعهم حلفاؤهم من السلفيين، وقد أثمرت هذه الضغوط في إنهاء الدور السياسي للمجلس العسكري.. ومع ذلك لم يكتفِ الإخوان بذلك، وإنما سعوا لفرض سيطرتهم على المؤسسة العسكرية ليتمكنوا من أخونتها والسيطرة عليها، وعندما واجهت هذه المحاولات رفضًا صارمًا من المؤسسة العسكرية وقيادتها، لجأوا إلى إنشاء ميليشيات عسكرية موازية، وكان ذلك جليًا واضحًا في سيناء، التي حاولوا توطين الفلسطينيين فيها أيضًا.
كل ذلك وغيره جعل الخوف يتسرب إلى صدور عموم المصريين الذين رأوا أن هويتهم الوطنية مهددة بالاستيلاء، ودولتهم الوطنية مهددة بالتقويض، وذلك بعد مضي الجماعة قدمًا في إحكام السيطرة على كل السلطات: التنفيذية والتشريعية والقضائية أيضًا، وأخونة الإعلام، والاستيلاء على ثروات البلاد العامة والخاصة أيضًا بابتزاز رجال الأعمال وأصحاب الشركات والمشروعات المختلفة.
ولذلك انتفض ملايين المصريين دفاعًا عن هويتهم الوطنية، وحمايةً لدولتهم الوطنية العريقة جدًا، والتي تعد أقدم دولة في تاريخ البشر، والتي عاشت في مواجهة غزوات واستعمار واحتلال متنوع بغيض، لأن الركن الأساسي فيها، وهو الشعب، يتسم بالتجانس، ولا تفرقه العرقيات والانتماءات القبلية، ولا تقسّمه الانتماءات الدينية والجغرافية، بل إنها على الدوام كانت جسمًا متجانسًا، متآلفًا، متناسقًا، وموحدًا.. أما عنصر الأرض فيها فقد كان دومًا، رغم الأطماع فيها، يُسترد من الغاصبين الذين تناوبوا على غزو بلادنا واحتلال أراضيها.. أما العنصر الثالث للدولة، وهو الحكم، فهو كان دومًا على مدار التاريخ يمثل لدى المصريين ضرورة لتنظيم الحياة، ويحظى بشرعيته في انحيازه للشعب، وتبني قضاياه، والحفاظ على مصالحه، وحمايتها من الأطماع الداخلية والخارجية.. وعندما انتفض الشعب في الثلاثين من يونيو عام ٢٠١٣، فهو وجد أن الحكم الإخواني يخون مصالحه، ويهدر حقوقه، ويهدد كيان دولته الوطنية، لذلك طالب بإنهاء حكم المرشد، مطالبًا قواته المسلحة بمساندته للتخلص من هذا الحكم الإخواني الذي يهدد هويته ودولته الوطنية.
طالب الشعب فى الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ بإنهاء حكم المرشد مطالبا قواته المسلحة بمساندته للتخلص من هذا الحكم الإخوانى الذى يهدد هويته ودولته الوطنية