تواصل الدولة المصرية العمل على تعزيز مكانة المرأة وتمكينها اقتصاديا؛ انطلاقا من رؤية وطنية شاملة تعتبر المرأة عنصرا فاعلا وشريكا أصيلا في مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة.
وقد شهدت السنوات الأخيرة حراكا غير مسبوق في هذا الاتجاه، حيث حرصت القيادة السياسية على إطلاق الاستراتيجيات والمبادرات التي تضمن للمرأة حقوقها، وتفتح أمامها مجالات جديدة للانخراط الفعّال في مختلف القطاعات، وعلى رأسها المجال الاقتصادي، الذي يعد محورا أساسيا في تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.
تمثلت نقطة التحول في هذا المسار بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030، التي أقرها رئيس الجمهورية كوثيقة عمل رسمية، وحددت أربع محاور رئيسية للتمكين السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والحماية ،وجاء التمكين الاقتصادي في قلب هذه الاستراتيجية؛ إدراكا بأن الاستقلال المالي للمرأة هو أحد أهم أدوات تمكينها الحقيقي وتعزيز مشاركتها في الاقتصاد الوطني.
شهد الواقع المصري تطورا ملحوظا في حجم وعدد المبادرات الموجهة إلى دعم المرأة اقتصاديا، بدءا من رفع نسبة تمثيلها في سوق العمل، مرورا بتعزيز وصولها إلى التمويل والخدمات المصرفية، وانتهاء بخلق بيئة تشريعية وتنفيذية تعزز من قدراتها وتكفل حقوقها الاقتصادية.
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن المرأة تستحوذ على 45% من إجمالي مشروعات جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بإجمالي تمويل بلغ 15.4 مليار جنيه، بينما تستفيد بنسبة 65% من التمويلات المقدمة من صندوق التنمية المحلية، ما يعكس توجهًا حقيقيًا نحو دعم مشروعات المرأة وخاصة في القرى والمناطق النائية.
وفي سياق دعم الشمول المالي، حققت مصر طفرة ملحوظة، إذ ارتفعت نسبة النساء اللاتي يمتلكن حسابات مالية بنسبة 252%، لتصل إلى 20.3 مليون سيدة في عام 2023، مقارنة بـ 5.9 مليون فقط في عام 2016.
وقد أسهم التعاون بين البنك المركزي المصري والمجلس القومي للمرأة في إطلاق عدد من البرامج النوعية، من أبرزها برنامج "تحويشة" للادخار والإقراض الرقمي، وهو الأول من نوعه على مستوى العالم، ويستهدف تمكين النساء في الريف من الولوج الآمن إلى الخدمات المصرفية.
كما شهد هذا التعاون تنفيذ أول نموذج لمحاكاة استخدام الخدمات المصرفية بالتعاون مع بنك مصر، بهدف تشجيع المرأة الريفية على فتح حسابات بنكية، واستخدام وسائل الدفع الإلكتروني، الأمر الذي يُعد خطوة استراتيجية نحو دمج النساء في الاقتصاد الرسمي، وتوسيع نطاق الشمول المالي في المجتمع.
وظهر التمكين الاقتصادي أيضا في تحسن مؤشرات عمل المرأة، إذ انخفض معدل بطالة النساء من 24.8% عام 2014 إلى 17.7% بنهاية 2023، في حين ارتفعت نسبة النساء في المناصب الإدارية إلى 50.4%، وهو رقم يتجاوز المتوسط العالمي، مما يعكس نجاح السياسات الحكومية في إتاحة الفرص القيادية للمرأة داخل المؤسسات.
وضمن الجهود الهادفة إلى تعزيز مشاركة النساء في مواقع صنع القرار الاقتصادي، ألزمت الدولة الشركات المقيدة في البورصة المصرية وكذلك الشركات العاملة في القطاع غير المصرفي بوجود تمثيل نسائي في مجالس إداراتها، مما أدى إلى زيادة حضور المرأة في مجالس الإدارة والهيئات الاقتصادية العليا.
وامتدت الجهود إلى إطلاق "محفز سد الفجوة بين الجنسين"، وهو الأول من نوعه في إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي، ويهدف إلى تقليص الفجوة النوعية في الأجور والوظائف والترقيات، وتمكين النساء من الوصول إلى مواقع صنع القرار، بما يضمن العدالة والتكافؤ في سوق العمل.
ولم يقتصر التمكين الاقتصادي على التمويل المباشر أو التدريب فقط، بل شمل إطلاق برامج متخصصة في المهارات الريفية والزراعية والحرفية، حيث تم تنفيذ برامج تدريبية للنساء في مجالات الزراعة المستدامة وتجفيف المحاصيل والحرف اليدوية، كما تم تسجيل أول علامة تجارية نسائية جماعية تحت اسم "تلي شندويل" في منظمة اليونسكو، وهو ما يمثل اعترافا دوليًدا بقدرات المرأة المصرية على المنافسة والإبداع.
وفي إطار دعم الابتكار وريادة الأعمال، وقعت مصر اتفاقا غير مسبوق مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، لإطلاق برامج موجهة لتمكين رائدات الأعمال محليًا، كما تم تدشين منصة رقمية خاصة بالمرأة تتيح لها التدريب على المهارات الرقمية والمشاركة في مسابقات ابتكار بجوائز تحفيزية، مما يوفر بيئة حاضنة للأفكار والمشروعات الريادية.
وبرزت التكنولوجيا كأداة فعالة للتمكين، حيث نفذت الحكومة بالتعاون مع شركاء دوليين برنامج "Social Innovation HUB" لريادة الأعمال المجتمعية باستخدام تكنولوجيا المعلومات، والذي استفاد منه حتى الآن أكثر من 17,167 شابًا وشابة، تلقوا تدريبات متقدمة على أحدث تقنيات شركة مايكروسوفت، وتحوّل عدد منهم إلى مدربين لنقل الخبرات داخل مجتمعاتهم، مع إعطاء أولوية للفتيات في المشاركة، بهدف خلق جيل قادر على توظيف التكنولوجيا في مشروعات تخدم المجتمع وتوفر فرص عمل مستدامة.
وإلى جانب الإنجازات البارزة في التمكين الاقتصادي، أولت الدولة المصرية اهتماما كبيرا بمحاور التمكين الأخرى، وعلى رأسها التمكين الاجتماعي، الذي يعد ركيزة أساسية لتعزيز وضع المرأة وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.
ففي مجال الحماية الاجتماعية، استفادت النساء من نسبة بلغت 89% من برامج الدعم الاجتماعي، بما يشير إلى إدراك الدولة لحجم المسؤوليات التي تتحملها المرأة، خصوصا في المجتمعات الريفية والأكثر احتياجا. كما شهد برنامج "تكافل وكرامة"، الذي يعد أحد أبرز برامج الدعم النقدي المشروط، زيادة في موازنته بنسبة 235%، ما أسهم في تحسين أوضاع الأسر الأكثر فقرا، والتي تتولى فيها النساء غالبا الدور الرئيسي في إعالة الأسرة.
كما عكست الأرقام تقدما ملموسا في مشاركة النساء في برامج بناء القدرات، حيث بلغت نسبة المستفيدات من برامج التدريب للعاملين في الجهات الحكومية 65%، وهو ما يشير إلى وجود توجه حقيقي نحو إدماج النساء في مسارات تطوير الجهاز الإداري للدولة، وتحسين جودة الخدمات العامة المقدمة للمواطنين.
في هذا الإطار، تم إصدار ملايين من بطاقات الرقم القومي للنساء في المناطق النائية والفقيرة، ما أسهم في تعزيز استقلاليتهن القانونية والمالية، وربطهن بشكل مباشر ببرامج الدولة التنموية، كما تم إطلاق قوافل طبية وتوعوية للصحة العامة والصحة الإنجابية، إلى جانب توزيع أكثر من 53 ألف شهادة "أمان" للمرأة المعيلة، بما يضمن لها حدا من الحماية التأمينية في حالات الطوارئ أو فقدان مصدر الدخل.
وفي إطار التوعية المجتمعية، نجحت حملات طرق الأبواب، التي ينفذها المجلس القومي للمرأة، في الوصول إلى 9 ملايين أسرة، بينما استفاد أكثر من 8 ملايين مواطن من جلسات التوعية المباشرة بقضايا المرأة في القرى والمناطق الريفية، ما ساهم في تعزيز الثقافة المجتمعية الداعمة لحقوق المرأة، والتصدي للعادات والمفاهيم المغلوطة.
وتم إطلاق مبادرة "معا بالوعي نحميها" و هي رؤية وطنية متكاملة تهدف إلى رفع وعي المجتمع بقضايا الوطن، وترسيخ ثقافة التماسك والانتماء، وبناء الإنسان المصري على أسس فكرية ومجتمعية تمكنه من مواجهة التحديات.
وحققت المبادرة خلال الفترة الماضية نتائج ملموسة، تمثلت في تنفيذ برامج تدريبية موسعة، شملت تدريب عدد من الميسرات الماليات للتعريف بمحاور المبادرة، وتنظيم ثلاث معسكرات استهدفت 150 من القيادات الدينية من الأئمة والقساوسة، إضافة إلى 81 ورشة تدريبية استفادت منها 4014 رائدة ومتطوعة، فضلا عن عقد لقاءات توعوية بعدد من الجامعات المصرية بإجمالي 1360 طالبا، فضلا عن التعاون مع عدد من المحافظين لتوسيع نطاق المبادرة، وإطلاق حملات إذاعية تحمل رسائل المبادرة التوعوية، وصدور كتاب دوري من وزيرة التنمية المحلية يوصي بإدراج توصيات المبادرة ضمن أنشطة المحافظات.
أما على مستوى السكن اللائق، فقد استفادت آلاف النساء من مشروعات الإسكان الاجتماعي، وعلى رأسها مشروعي حي الأسمرات وغيط العنب، حيث وفرت هذه المشروعات سكنًا آمنًا ومناسبًا للأسر المعيلة التي تقودها النساء، وأعادت دمجها في بيئة مجتمعية تحترم كرامتهن وتدعم تمكينهن.
وفي إطار دعم الفتيات، أطلقت الدولة الحملة الوطنية "دوي يا نورة"، برعاية السيدة انتصار السيسي، قرينة رئيس الجمهورية، والتي تهدف إلى الاستثمار في الفتيات وتعزيز أدوارهن في المجتمع، خاصة في محافظات الصعيد والمناطق ذات الأولوية، وقد وصل برنامج "نورة" إلى ما يزيد عن 8,000 فتاة تتراوح أعمارهن بين 10 إلى 14 عامًا في محافظتي أسيوط وسوهاج، وجار العمل على توسيع نطاقه ليشمل باقي محافظات الجمهورية.
وبعد النجاح الكبير الذي حققه برنامج "نورة"، أطلق المجلس القومي للمرأة في نهاية العام الماضي برنامج "نور" الموجه للفتيان، بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، ويستهدف في مرحلته الأولى 2,500 فتى في محافظات أسيوط وسوهاج وبني سويف، بهدف دمج الفتيان في جهود التوعية المجتمعية، وبناء جيل واع يساند قضايا المرأة والمساواة.
فيما يتعلق بمحور الحماية من العنف، أسفرت الجهود التشريعية المتواصلة عن صدور 26 قانونا لصالح المرأة المصرية، تهدف إلى حماية حقوقها وتعزيز مكانتها القانونية في المجتمع، كما تم إنشاء 28 مكتب شكاوى تابع للمجلس القومي للمرأة في جميع محافظات الجمهورية، إضافة إلى فرع مخصص في حي الأسمرات، لتلقي شكاوى النساء وتقديم الدعم القانوني والنفسي والاجتماعي لهن.
وتعزيزا للنهج المؤسسي في مناهضة العنف ضد المرأة، تم إنشاء 42 وحدة لمناهضة العنف ضد المرأة في الجامعات المصرية، و20 وحدة للمرأة الآمنة بالمستشفيات الجامعية، إلى جانب أول وحدة مجمعة لحماية المرأة من العنف، والتي تقدم خدمات متكاملة للناجيات، وتشمل الدعم القانوني، النفسي، والإيواء المؤقت.
كما تم تطوير التنسيق الوطني داخل أقسام الشرطة والمستشفيات وأماكن العمل، بهدف تسهيل تقديم الخدمات للنساء المعرضات للعنف. وجرى تنفيذ مشروع "تهيئة بيئة عمل آمنة للمرأة في قطاع السياحة"، بالإضافة إلى عدد من حملات التوعية للحد من الزواج المبكر، ومنع التسرب من التعليم، وتشجيع التنقل الآمن للنساء والفتيات في الأماكن العامة.
ويقوم مكتب شكاوى المجلس القومي للمرأة بدور محوري في هذا المجال، حيث يضم شبكة دعم تضم 80 محاميا ومدير حالة، بالإضافة إلى 450 محاميا متطوعا موزعين على مختلف المحافظات، يقدمون الدعم القانوني والاجتماعي، ويوفرون آليات الإبلاغ عبر خطوط ساخنة تتبع النائب العام، ووزارتي الداخلية والنقل، والمجلس القومي للطفولة والأمومة، فضلاً عن الأمانة العامة للصحة النفسية.
وفي إطار الرعاية الصحية للمرأة، أطلقت الدولة المصرية مبادرة "100 مليون صحة" التي ركزت على الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة، بالإضافة إلى مبادرة "صحة المرأة المصرية"، التي قدمت فحوصات طبية لأكثر من 56 مليون سيدة، كما ساهمت مبادرة "حياة كريمة" في تحسين جودة الخدمات الصحية والتعليمية في القرى، ما أتاح للفتيات فرصًا أكبر في استكمال تعليمهن والاندماج المجتمعي السليم.
وفي المجال الإعلامي، أطلق المجلس القومي للمرأة مرصدًا إعلاميًا لرصد صورة المرأة في الأعمال الدرامية والبرامج التليفزيونية، وأصدر كودا إعلاميًا يضمن التناول العادل والمنصف لقضايا المرأة، بالتعاون مع الهيئات الإعلامية.
أما في مجال الثقافة، فقد وجه رئيس الجمهورية بإنشاء "متحف المرأة المصرية" داخل المتحف القومي للحضارة المصرية، ليكون شاهدا على تطور أدوار المرأة في التاريخ المصري القديم والحديث، إلى جانب تخصيص مقر دائم لبيع منتجات معرض "المصرية" الخاص بالسيدات المشاركات في برامج التدريب الاقتصادي، وذلك داخل المتحف المصري الكبير بالجيزة.
هذا الحراك الواسع يؤكد أن التمكين المتكامل للمرأة لم يعد مجرد شعار، بل أصبح واقعا تكرسه الدولة من خلال التشريعات والمبادرات والبرامج التي تراعي احتياجات النساء وتذلل العقبات أمام مشاركتهن الفاعلة في تنمية الاقتصاد الوطني، إيمانا بأن استدامة التنمية لا يمكن أن تتحقق دون مشاركة حقيقية للمرأة، باعتبارها شريكا ومواطنا فاعلا في بناء مستقبل مصر.