الثلاثاء 29 يوليو 2025

مقالات

بنك التنمية والخطوة الصعبة

  • 6-7-2025 | 12:39
طباعة

 

يعد تعاظم دور بنك التنمية الجديد في سد فجوات تمويل التنمية داخل دول البريكس تحولا بالغ الأهمية في مسار التمويل الدولي خاصة في ظل تفاقم فجوة التمويل التنموي التي تعاني منها دول الجنوب وتزايد التحديات المرتبطة بشروط الاقتراض من المؤسسات التقليدية وفي هذا السياق ينظر إلى تحرك البنك نحو توسيع قاعدة تمويله واستهدافه للمشروعات التنموية الكبرى كبنية تحتية وطاقة ورقمنة وتكامل إقليمي كأداة استراتيجية لمعالجة واحد من أخطر الاختلالات في الاقتصاد العالمي وهو عدم كفاية التمويل الموجه لدول تمتلك احتياجات إنمائية ضخمة وإمكانات نمو مرتفعة لكنها تعاني من نقص السيولة وارتفاع تكلفة الاقتراض الخارجي.

واقتصاديا فإن البنك بموازنته المرنة وهيكله الموجه للأولويات الوطنية يعيد ضبط معادلة التمويل التنموي فبدلا من الاعتماد على نماذج تقليدية مفروضة من الخارج يوفر البنك أدوات تمويلية مستندة إلى منطق "الاستثمار من أجل التنمية" وليس "الإقراض مقابل التقشف" وهذا التغيير في فلسفة التمويل يسهم مباشرة في تحفيز الإنفاق الاستثماري وزيادة الإنتاجية وتحقيق معدلات نمو أكثر استدامة من جانب آخر فإن تعاظم هذا الدور لا ينفصل عن البعد الجيوسياسي إذ يخلق البنك توازنا مواز للمؤسسات الغربية ويمنح دول البريكس هامشا أوسع من الاستقلال المالي وهو ما يترجم فعليا إلى تعزيز السيادة الاقتصادية وتقليل التبعية الخارجية.

وفي ظل الظروف العالمية الحالية من تقلبات أسعار الفائدة إلى الأزمات الجيوسياسية فإن هذا الدور للبنك لم يعد خيارا بل ضرورة لتثبيت استقرار الاقتصادات الناشئة وبالتالي فإن بنك التنمية الجديد لا يسد فجوات التمويل فحسب بل يعيد تعريف منطق التنمية في القرن الحادي والعشرين ويضع الدول الأعضاء على مسار جديد من التمكين الاقتصادي المستند إلى شراكة متوازنة واحتياجات واقعية.

لكن لماذا لم ينجح البنك في سد تلك الفجوة التمويلية إلى الآن؟! والإجابة تتطلب تفكيك عدد من القيود والتحديات الهيكلية والمؤسسية التي ما تزال تعوق بنك التنمية الجديد عن أداء دوره المنتظر بكفاءة في سد فجوات تمويل التنمية لدول البريكس وأول هذه القيود هو محدودية رأس المال الفعلي والقدرة الإقراضية الحالية ورغم أن البنك يمتلك رأس مال مصرحا به يتجاوز 100 مليار دولار فإن رأس المال المدفوع الفعلي لا يزال محدودا ما يقلص من قدرته على تمويل مشروعات كبيرة أو الاستجابة لطلبات متزامنة من عدة دول كما أن تصنيف البنك الائتماني مرتبط بقدرات أعضائه الكبار مثل الصين والهند ما يجعله متأثرا بالتقلبات السياسية والاقتصادية لتلك الدول ورغم نبل أهداف البنك التنموية إلا أن هيكلية عمله ما زالت في طور التطوير ما يحد من قدرته على منافسة البنك الدولي أو بنك التنمية الآسيوي في شروط التمويل أو سرعته أو انتشاره الجغرافي كما أن بعض الدول الأعضاء ما زالت تفضل التعامل مع مؤسسات تقليدية تمتلك سجلا أطول من الثقة والبنية المؤسسية ما يقلل من تدفق المشروعات الفعلية نحو بنك التنمية الجديد ومن ناحية أخرى فرغم وحدة المصالح التنموية فإن التباينات بين الدول الأعضاء سواء من حيث النظام السياسي أو التوجهات الجيوسياسية أو المواقف من الصراعات الدولية  تؤثر على الاتساق الداخلي للبنك وتبطئ اتخاذ القرار بشأن التمويلات الاستراتيجية خصوصا عندما تكون مرتبطة بدول ذات وزن سياسي متباين مثل روسيا أو الصين وفي كثير من الدول الأعضاء لا تزال الجهات الحكومية أو القطاع الخاص غير مطلعة بما يكفي على آليات التمويل المتاحة عبر البنك ولا على شروطه أو مجالات دعمه وهذا القصور في التواصل والترويج يؤدي إلى ضعف الطلب الكفء على تمويلات البنك وحتى الآن لم يتم بناء شراكات استراتيجية كافية بين بنك التنمية الجديد وبنوك مثل البنك الأفريقي للتنمية أو بنك التنمية الإسلامي وهذا القصور في التكامل المالي يحرم البنك من فرصة العمل التكاملي في تمويل مشروعات عابرة للحدود أو ذات طابع إقليمي وارتفاع أسعار الفائدة عالميا يجعل تكلفة الإقراض أعلى حتى للبنوك التنموية ويؤثر على شهية الدول الأعضاء للاقتراض كما يضعف الجدوى الاقتصادية لبعض المشروعات التي كانت قابلة للتمويل سابقا لذا فلابد أن يتجاوز البنك هذه التحديات من خلال رفع رأس ماله الفعلي وتوسيع شراكاته وبناء آليات مرنة للتمويل وتعزيز التواصل مع الدول الأعضاء واحتياجاتها الفعلية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة