تشكل درجات الحرارة المرتفعة في الصيف مخاطر صحية جسيمة على العمال الأوروبيين، وذلك مع موجات الحر الشديد التي تجتاح أوروبا.
وذكرت شبكة "يورونيوز" الإخبارية- في تقرير، اليوم /الأحد/- أن درجات الحرارة المرتفعة قد تسبب الإنهاك الحراري، وضربة الشمس والوفاة، حتى بعد ساعات أو أيام، كما أن جهود الجسم لتبريد نفسه قد تسبب مشاكل في الكلى، وتفاقم أمراض القلب ومشاكل الجهاز التنفسي والصحة النفسية.
وأضاف التقرير، أن هذه المخاطر تبرز خلال موجات الحر الشديدة في مطلع موسم الصيف، مشيرة إلى وفاة عاملة نظافة تبلغ من العمر 51 عاما في مدينة برشلونة، وذلك بعد مرور ساعات من انتهاء عملها وتجري السلطات الإسبانية تحقيقا فيما إذا كانت موجة الحر قد تسببت في وفاتها.
وعلى عكس المخاطر الصحية البيئية الأخرى، مثل تلوث الهواء، لا توجد قواعد موحدة بشأن تعرض العمال للحرارة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، مما يتيح للدول الأعضاء اعتماد قوانينها الخاصة.
وأفاد التقرير، بأنه ليست درجات الحرارة المرتفعة الخطر الصحي الوحيد خلال الصيف، حيث تعتبر درجة حرارة الكرة الرطبة (WBGT) مؤشرا أفضل للإجهاد الحراري للعمال النشطين بدنيا، لأنها تأخذ في الاعتبار الحرارة والرطوبة والرياح وأشعة الشمس.
ويتضمن مؤشر "دبليو بي جي تي- WBGT" أربعة مستويات للتهديد: منخفض ومرتفع ومتوسط وشديد وشديد للغاية. وحسب المنطقة، تعتبر درجات الحرارة التي تزيد على 29 أو 32 درجة مئوية تهديدات شديدة لسلامة العمال، وتزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بأمراض الحرارة.
من جانبها.. أكدت إدارة السلامة والصحة المهنية في الاتحاد الأوروبي (EU-OSHA)، أن الحرارة الشديدة تعد أكثر خطورة على الأشخاص الذين يعملون في الهواء الطلق في وظائف تتطلب جهدا بدنيا، مثل عمال البناء والزراعة وخدمات الطوارئ.. مشيرة إلى أن الموظفين الذين يعملون في الأماكن المغلقة، بما في ذلك المكاتب، قد يكونون أيضا عرضة للخطر، خاصة إذا كانوا يعملون في مبان سيئة التبريد أو التهوية.
بدورها.. أوضحت منظمة العمل الدولية (ILO)، أن الحرارة الشديدة تقتل ما يقرب من 19 ألف عامل حول العالم سنويا، وقد سجل الاتحاد الأوروبي زيادة بنسبة 42% في وفيات أماكن العمل المرتبطة بالحرارة منذ عام 2000.
وحذر "أليساندرو ماريناشيو" مدير الأبحاث في وحدة علم الأوبئة المهنية والبيئية في المعهد الوطني الإيطالي غير الربحي للتأمين ضد حوادث العمل (INAIL)، من أن الكثير من الأشخاص لا يدركون أنهم معرضون لخطر الإجهاد الحراري، خاصة إذا كانوا صغارا في السن ويتمتعون بصحة جيدة.
وقال "ماريناشيو"- في حوار خاص لشبكة "يورونيوز"- إن "هناك نقصا في الوعي بالمخاطر الصحية التي يواجهها العمال نتيجة التعرض المهني لدرجات حرارة قصوى".
وقد طور فريقه أداة لرسم خريطة لمستويات المخاطر اليومية للعمال في إيطاليا، بناء على الإجهاد البدني الناتج عن وظائفهم وما إذا كانوا يعملون تحت الشمس أو في الظل.
ونصح خبراء الصحة العمال بضرورة الانتباه لأعراضهم الجسدية.
وفي سياق متصل.. شدد "إجناسيو دوريستي" المستشار البارز في الاتحاد الأوروبي للنقابات العمالية الذي يمثل مجموعات العمال، على ضرورة "أن يكون العمال على دراية بأشياء مثل الدوخة والتعب والصداع والغثيان وتشنجات العضلات والإغماء والارتباك".
وأكد أنه في حال شعور العامل بأعراض الإجهاد الحراري، فيجب أن يتوقف عن العمل، وشرب الماء وخلع ملابسه الزائدة والجلوس في مكان بارد ومظلل. إذا لم يتمكن من تبريد جسمه خلال 30 دقيقة، فيجب طلب الرعاية الطبية الطارئة.
وصرح بأنه "في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، عندما يواجه العامل تهديدا لسلامته الجسدية، يحق له التوقف عن العمل".. مضيفا أن "إنفاذ التشريع ضروري للغاية، لا سيما وأن الأمراض المهنية المرتبطة بالحرارة غالبا ما لا يتم الإبلاغ عنها بشكل كاف".
واعتمدت العديد من دول الاتحاد الأوروبي قواعد لحماية العمال من الإجهاد الحراري، بما في ذلك ألمانيا وسلوفينيا والمجر وبلجيكا وقبرص واليونان وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا.
وفي فرنسا، على سبيل المثال، يجب على أصحاب العمل توفير مياه شرب نقية للعمال وتكييف أماكن عملهم وساعات عملهم لحمايتهم من الحرارة الشديدة.
وفي بعض مناطق إيطاليا، حظرت الحكومة العمل في الهواء الطلق خلال ساعات النهار الأكثر حرارة خلال موجة الحر الشديدة الأخيرة في شهر يونيو الماضي.
ووفقا لمنظمة العمل الدولية، فإن الدول التي لديها قوانين خاصة بالحرارة عادة ما تضع حدودا للعمل تتراوح بين 29 و30 درجة مئوية للأعمال عالية الكثافة وبين 30 و31 درجة مئوية للأعمال المتوسطة وبين 5ر31 و5ر32 درجة مئوية للأعمال الخفيفة.
ويطلب الاتحاد الأوروبي أيضا من أصحاب العمل حماية صحة وسلامة العمال من المخاطر المهنية بشكل عام، على الرغم من عدم وجود تشريع محدد بشأن الإجهاد الحراري.
ودعا الاتحاد الأوروبي لنقابات العمال، إلى سن قوانين جديدة لحماية عمال الاتحاد الأوروبي خلال موجات الحر، بما في ذلك الحق في الفحوصات الطبية والحق في البقاء في المنزل دون عواقب إذا اعتقد الموظف أن العمل في درجات حرارة شديدة يعرضه للخطر.
يذكر أن درجة حرارة الكرة الرطبة (WBGT) هي مقياس لتقييم الإجهاد الحراري، حيث تأخذ في الاعتبار عدة عوامل بيئية بما في ذلك درجة حرارة الهواء، والرطوبة، وسرعة الرياح، والإشعاع الشمسي.
ويشار إلى أن إدارة السلامة والصحة المهنية في الاتحاد الأوروبي (EU-OSHA) هي وكالة الاتحاد الأوروبي التي تعمل على تحسين السلامة والصحة في مكان العمل في جميع أنحاء أوروبا، وتهدف الوكالة إلى جعل أماكن العمل أكثر أمانا وصحة وإنتاجية من خلال توفير المعلومات والأدوات والموارد اللازمة لأصحاب العمل والموظفين والجهات المعنية الأخرى.