على أيّة شاشة من شاشات التليفزيون المصري، يمكنك أن تجد فيلمًا يُعرض كثيرًا، هو «رد قلبي» عن قصة للأديب يوسف السباعي، وإخراج عز الدين ذو الفقار، وهو فيلم أصبحت لديه حصانة أو نوع من التقبّل والمحبّة بينه وبين المشاهدين من فئات عمرية مختلفة، خاصة كبار السن، ليس فقط لأنه من إنتاج عام 1957، أي تجاوز الستين عامًا، ولكن لأنه -وفقًا لسؤالي بعض عشّاقه- فيلم «بيوتي»، تحب أن ترى قصته وشخصياته، ويعبّر عن المشاعر الإنسانية الراقية في ذلك الزمان، وبالطبع يقصدون زمن إنتاجه، حيث أحب ابن الجنايني الأميرة، وأحبّته، وزالت الفروق الكبيرة بينهما لتؤكّد للناس أن البشر متساوون كما خلقهم الله، ولكن بعضهم هو من يصنع الفروق في الحياة.
وهو ما رأيناه في "رد قلبي" عبر طبقتين كانتا أبطال الفيلم: طبقة عليا ترتبط بالحُكّام في زمن الحكم الملكي لمصر (ومنها عائلة الأميرة إنجي وأبيها وأمها)، وطبقة سفلى مهمتها خدمة الطبقة الأولى، ومنها الريّس عبد الواحد، الجنايني الذي يقوم برعاية حديقة القصر ويعيش في مكان صغير ملحق بها هو وزوجته وأولاده.
وبالطبع يلتقي أولاد الجنايني، الذي قام بدوره الممثل الكبير حسين رياض، وهما: علي (شكري سرحان) وحسين (صلاح ذو الفقار)، بالأميرة (مريم فخر الدين) في جولاتها بالحديقة، ليشعر علي بالحب تجاهها (وهو ما يُخفيه) حتى يكبر الاثنان، وتقوم الثورة، وينجح علي في اختبارات الكلية الحربية ليقفز فوق حاجز كان ممنوعًا على أمثاله، ويصبح ضابطًا في الجيش، بينما يصبح حسين ضابطًا في الشرطة.
ويشعر الأب والأم بأن الحياة أنصفتهما، ولكنه شعور لا يستمر كثيرًا، فحين يذهب الأب ليطلب يد (إنجي) لابنه الضابط (علي) يرفض والدها، بل ويعاقبه بطرده وأسرته من عمله ومن مسكنه، لتتأزّم الأمور كلها بفعل الثورة، فالكبار يحاولون حماية مواقعهم، والفقراء يحاولون البحث عن حقوقهم.
وهكذا عبّر هذا الفيلم عن أزمة مجتمع بالكامل بعد ثورة انتقلت به من مجتمع يقوده نظام ملكي قديم، إلى مجتمع أصبحت القيادة فيه في يد نظام جديد يقوده ضباط من عامة الشعب، وهو ما حرّك كل الفئات فيه للبحث عن حقوقها. إنه فيلم أيقوني لقدْرته الكبيرة على التعبير عن أوضاع ملايين البشر من خلال هذه القصة وشخصياتها وتحولاتها مع التحوّل الأكبر.
ومن هنا جاءت أهميته، وجاء اختياره كأحد أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية في استفتاء عام 1996 الذي أجراه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وحصل على المركز الثالث عشر، لكن هناك أفلامًا أخرى قدّمتها السينما المصرية عن ثورة يوليو، وإن لم تحصل على هذا الاهتمام الجماهيري والنقدي.
من "الأيدي الناعمة"... إلى "الباب المفتوح"
"الأيدي الناعمة" هو فيلم ثانٍ يطرح الفروق الطبقية والمعنوية بين ما قبل الثورة وبعدها من خلال قصة للكاتب الكبير توفيق الحكيم، عن بعض أفراد العائلة الملكية بعد الثورة، وكيف يرون الحياة الجديدة، ومحاولاتهم للتفاعل معها والاقتراب من الآخرين، من خلال أمير سابق من أسرة محمد علي.
الفيلم كتبه للسينما يوسف جوهر عن قصة الحكيم، وأخرجه محمود ذو الفقار عام 1963، وتمتّع بخفّة ظل كبيرة بسبب المفارقات التي اكتشفها الأمراء السابقون بعد أن تحوّلوا لبشر عاديين.
ومن الأفلام التي عبّرت عن ثورة يوليو أيضًا فيلم "الباب المفتوح" عن رواية الكاتبة لطيفة الزيات، التي أخرجها في نفس العام -1963- المخرج هنري بركات، وشارك الكاتب يوسف عيسى في كتابة حوارها، وكانت البطلة هي فاتن حمامة في دور لا يُنسى عن فتاة تصمّم على استكمال تعليمها الجامعي والعمل بعده، وهو ما نادت به ثورة يوليو وقتها.
لكنها تواجه وجهات نظر مختلفة تحاول محاصرتها ومنعها من التحقق، خاصة من أستاذها بالجامعة (قام بدوره محمود مرسي) الرافض تمامًا لاستقلالها وعملها، مع إعجابه بها كامرأة! وهو ما يدفعه للذهاب لخطبتها، وموافقة والدها رغم اعتراضها، ليصبح الفيصل بينها وبين الجميع ذهابها إلى بورسعيد للمشاركة في دعمها أثناء العدوان عليها، وهو ما تصمّم عليه رغم رفض الأسرة والخطيب.
وهناك أفلام أخرى قُدّمت عن الثورة من خلال مواقف وأحداث معينة مثل "في بيتنا رجل" عن قصة إحسان عبد القدوس، وسيناريو يوسف عيسى، وإخراج هنري بركات، والتي طرحت قضية علاقة فريق من المصريين بقوات الاحتلال الإنجليزي ومعسكراته والمتعاملين الكبار معه، وهو ما حدث أيضًا في بداية الثورة وقبل الجلاء عن مصر، وقدّمه الفيلم من خلال الشاب إبراهيم حمدي (عمر الشريف) أحد أفراد فريق من المناضلين ضد الإنجليز، والذي يضطر للاختباء لدى أسرة صديق له هربًا من مطاردة قوات الأمن له بعد اغتيال وزير داعم لوجود الاحتلال في مصر.
وبالطبع فإن التليفزيون قدّم أيضًا عددًا من المسلسلات المهمة التي تناولت أحداث ما قبل الثورة وصولًا إليها، وربما كانت بداية الإنتاج الدرامي التليفزيوني مع مطلع الستينات سببًا في قلّة الأعمال التي قدّمتها عن ثورة يوليو، غير أن ما قُدّم عن الثورة من خلال فنون أخرى مثل الغناء الفردي والجماعي كان الأكثر والأسرع، في إطار سرعة إنجاز النشيد والقصيدة والأغنية، ومشاركة أغلب الفنانين في دعم الثورة كتابةً ولحنًا وغناءً، بداية من الكبار كأم كلثوم وعبد الوهاب، إلى غيرهم، وإلى أجيال شابة صعدت وأصبحت معبّرة عن عهد جديد وقيم جديدة، مثل علي إسماعيل، وبليغ حمدي، وعبد الحليم حافظ، وعبد الرحمن الأبنودي، وغيرهم كثيرون.