في ظل الطفرة التكنولوجية العالمية، تسعى الدول الإفريقية إلى ترسيخ موقعها في مشهد الذكاء الاصطناعي، مستفيدة من النمو الديموغرافي السريع، والبنية التحتية الرقمية المتنامية، وتوسع مشروعات ريادة الأعمال في القارة، غير أن تحقيق هذا الطموح يواجه تحديات جوهرية تتعلق بالبيئة التنظيمية، وضعف المهارات المحلية، والحاجة إلى مزيد من لاستثمار في البنية التحتية الرقمية، مما يجعل من الضروري تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لبناء منظومة متكاملة ومستدامة تستثمر طاقات الشباب الأفريقي وتخدم مستقبل القارة السمراء التي تزخر بالشباب الواعد فى هذا المجال.
وفي هذا السياق، أطلقت مؤسسة "ماستركارد" العالمية المتخصصة فى المدفوعات الرقمية من نيروبي تقريراً بعنوان "تسخير القوة التحويلية للذكاء الاصطناعي في إفريقيا"، يتناول فرص وتحديات تبني الذكاء الاصطناعي على مستوى القارة، مع تسليط الضوء على تجارب كل من كينيا، وجنوب إفريقيا، ونيجيريا، والمغرب. ووفقاً للتقرير، من المتوقع أن ترتفع قيمة سوق الذكاء الاصطناعي في إفريقيا من 4.5 مليار دولار عام 2025 إلى 16.5 مليار دولار بحلول عام 2030 وفقا لبيانات "ستاتيستا".
وتقدم الورقة البحثية رؤى معمقة من أربع دول إفريقية رئيسية هي كينيا وجنوب إفريقيا ونيجيريا والمغرب، مبينة كيف يمكن للذكاء الاصطناعي، عند تطبيقه بشكل مسؤول وشامل، أن يحدث تأثيرًا إيجابيًا في قطاعات متعددة مثل الزراعة والصحة والتعليم والطاقة والخدمات المالية.
وقال مارك إليوت، رئيس قسم أفريقيا في ماستركارد: "انخراط إفريقيا في الذكاء الاصطناعي بدأ بالفعل في تغيير حياة الناس، ليس فقط في المختبرات، بل أيضًا في الحقول والعيادات والفصول الدراسية. ومع الاستثمارات المناسبة في البنية التحتية والبيانات والمهارات والسياسات، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقود نموًا شاملًا ويربط المزيد من الناس بالفرص".
وتوقعت الورقة إمكانية خلق ما يصل إلى 230 مليون وظيفة رقمية في إفريقيا جنوب الصحراء بحلول عام 2030، مما يشكل فرصة هائلة في ظل استمرار الفجوات في البنية التحتية والتنظيم والمهارات المحلية.
ومن أبرز النتائج الإقليمية فى مجال الذكاء الإصطناعي: أولا فى جنوب إفريقيا، فقد اجتذبت استثمارات رأسمالية بقيمة 610 ملايين دولار في شركات الذكاء الاصطناعي عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 3.7 مليارات دولار بحلول 2030، مستفيدة من جاهزية عالية في البيانات والبنية التحتية.
وأطلقت كينيا مؤخرًا استراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي (2025–2030)، وتعتمد على البنية التحتية الرقمية المتقدمة لنشر حلول مثل منصة "تالا" لتقييم الائتمان وروبوت "أوليزا لاما" لتقديم دعم صحي للأمهات بعدة لغات محلية.
واحتلت نيجريا المرتبة الثانية من حيث عدد شركات الذكاء الاصطناعي في إفريقيا، مع استثمارات بقيمة 218 مليون دولار عام 2023، وتشهد تطبيقات متنوعة في التعليم والتمويل والحوكمة.
وفى المغرب، تعزز الحكومة أعتمادها على الذكاء الاصطناعي في مجالات الصحة والطاقة والزراعة والتمويل، ويطمح إلى جذب 1.1 مليار دولار من الاستثمارات الرقمية وخلق 240 ألف وظيفة بحلول 2030، ضمن استراتيجية "الرقمنة 2030".
وأكد غريغ أولريش، الرئيس التنفيذي للذكاء الاصطناعي والبيانات في ماستركارد، على أهمية الثقة في الذكاء الاصطناعي، قائلاً: "الذكاء الاصطناعي لا يكتسب قوته إلا بقدر الثقة التي يحظى بها. ونحن في ماستركارد ملتزمون ببناء أنظمة ذكاء اصطناعي مسؤولة وشاملة تخدم شركاءنا وعملاءنا وموظفينا".
وتختتم الورقة بالتأكيد على أهمية الشراكات بين الحكومات والشركات التكنولوجية والمؤسسات الدولية، لضمان استفادة إفريقيا من الذكاء الاصطناعي في تعزيز الشمول المالي وتسريع التنمية الرقمية والاقتصادية الشاملة.
ورغم الآفاق الواعدة التي يرسمها الذكاء الاصطناعي في إفريقيا، فإن الطريق نحو تحقيق هذه الطموحات لا يخلو من تحديات. إذ لا تزال الفجوات في البنية التحتية الرقمية، ونقص الكفاءات المتخصصة، والتفاوت في التشريعات والبيئات التنظيمية، من أبرز العقبات التي تواجه تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في القارة.
ويحذر التقرير من أن استمرار هذه التحديات قد يؤدي إلى تعميق الفجوة الرقمية بدلًا من تقليصها، ما يبرز الحاجة إلى تعزيز التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والمؤسسات التعليمية، لوضع أسس صلبة تضمن تحولًا رقميًا شاملاً وعادلاً يخدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في القارة.