بقلم - مجدى سبلة
مؤتمر دار الهلال حول دور الثقافة والتعليم والإعلام والفن فى نشر التنوير ومواجهة التطرف والإرهاببمناسبة الاحتفال بمرور ١٢٥ عامًا على ميلاد دار الهلال، كانت فكرة الزميل أحمد أيوب رئيس تحرير مجلة المصور فى البداية، عندما فكرنا فى عمل حدث يليق بهذه الاحتفالية فى هذه المناسبة.
قدمت الشكر للزميل أيوب على فكرته لأسباب، أولها أننى وجدت غياب الوعى عند الكثير من شرائح المجتمع لدرجة انه أصبح وجعاً ربما يؤثر على الأمن القومى للبلاد، بسبب غياب التنوير فى العديد من القضايا السياسية والاجتماعية، والغياب كان له رد فعل عكسي، فيما تعانى منه الدولة من أفكار ظلاميةوتطرف وإرهاب وتراجع الثقافة وإنقلاب الإعلام كان لها أكبر الأثر فيما نعانى منه الآن.
السبب الثانى: أن فكرة هذا المؤتمر ربما تكون نواة لدخول المؤسسات الأخرى سواء مؤسسات الكلمة أومؤسسات المجتمع المدنى أو مؤسسات وزارة الثقافة أو مراكز هيئة الاستعلامات فى مواجهة التطرف والإرهاب، حتى لا نلقى بأعباء المواجهة على الجيش والشرطة، ونكتفى بدور الصراخ والحزن على ما نراه من حوادث وفقط، وربما أنه بعد مؤتمر دار الهلال بيوم واحد فى أول رد فعل، حددت جامعة الأزهر مؤتمرها حول نفس الفكرة يوم ٧ مارس المقبل، الفارق أن مؤتمر الأزهر سوف يستضيف أساتذة من جميع الدول العربية لتطور فكرة مواجهة الإرهاب من مصر إلى فكرة المواجهة فى دول المنطقة التى تعج بالتطرف والإرهاب.
السبب الثالث: أن هذا المؤتمر ربما يكون القاطرة، التى تجر بقية مؤسسات الكلمة فى مصر، وتصحح رسالتها، وتدخل التنوير على إنتاجها الورقى، وتصحح الأوضاع ليصبح الطريق واضح المعالم أمام القارئ، وكما الحال فى الرسائل الورقية سوف ينتقل إلى الإعلام المرئى ليصبح إعلاماً موضوعياً مستنيراً.
السبب الرابع: أن مصر فى أشد الأوقات التى تحتاج لأقلام صاحبة فكر تنويرى لمواجهة الإرهاب ورأب الصدع بين المثقفين ورجال الدين والأزهر، خاصة فيما يتعلق بـ التقارب بين مناهجهم وأفكارهم فى هذا الوقت الاستثنائى الذى تمر به البلاد، لكى يصبح دور الثقافة والتنوير هو مقاومة الرجعية والفكر المتطرف، كما هو الدور الوطنى والتنويرى الذى انتهجته إصدارات مؤسسة دار الهلال منذ بدايتها ظلت تحارب الأفكار الظلامية.
ولعل شهادة مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والكاتب والأب الروحى لمؤسسة دار الهلال، الذى ترأسها أكثر من ٢٥ عاما، تؤكد الدور التثقيفى والتنويرى الذى لعبته دار الهلال فى المجتمع ونجحت فى هزيمة الإرهاب.
وإشارته إلى أنه لولا دار الهلال ما وصلت الفتاة المصرية إلى التعليم، وما كانت هناك جامعة أهلية فى مصر، وجاءت إشارته ووصيته لنا كأجيال جديدة بدار الهلال أن نمسك بالنواجز على دور المؤسسة التثقيفى والتنويرى فى مصر، مؤكدًا أنها الوحيدة التى تخاطب الطفل والرجل والمرأة والفن والموسيقى والأدب والسياسة بطريقة رصينة ورشيدة وعاقلة.
فى مؤتمرنا، حوَّل التنوير فى مواجهة الإرهاب والتطرف ألمح الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف إلى جمل مفيدة تصب فى خانة عنوان المؤتمر، أن مجتمعًا مثل مصر يملك كل هؤلاء الكتاب والمفكرين والمثقفين، لا تستطيع أى قوى ظلامية الانتصار عليه أو النيل منه، وهؤلاء المثقفون هم أقوى سلاح تواجه به مصر التطرف وتدحر الإرهاب، الذى يسعى لهدم الدولة وتغيير هويتها وثقافتها.
وامتدح الوزير دار الهلال بأنها ليست دارًا صحفية فحسب، إنما هى دار صحفية أدبية تثقيفية، مشيرًا إلى أن رسالة الأدب الراقى أبعد أثرا؛ ذلك لأن الخطيب مثلاً لا يكون خطيبًا ما لم يكن أديبًا، والكاتب لا يكون كاتبًا حقيقيًا ما لم يمتلك حسًّا أدبيًا راقيًا، وهو ما يمكن أن نطلق عليه الأديب الإعلامى أو الإعلامى الأديب، وهذا المثقف الحقيقى هو الذى لا يمكن أن يباع ولا يشترى، عكس الدخلاء وغير المؤهلين وغير المتخصصين ممن أقحموا أنفسهم على مهن ليسوا من آهلها.
وجاء كلام الدكتور حاتم ربيع أمين المجلس الأعلى للثقافة فى كلمته نيابة عن وزير الثقافة حلمى النمنم، أن محاربة الإرهاب لابد أن تأتى بجهود مجتمعية عن طريق إعلام تنويرى، وتعليم ممنهج، وفن هادف.
فى إطار نجاح رسالة مؤتمر دار الهلال نثمّن على الحجه القوية التى أطلقها كرم جبر رئيس الهيئة الوطنية للصحافة بأن المعركة مستمرة لاسترداد مصر من الفكر الإرهابى ومن ثقافة التطرف، بأن مصرلن تعود لنا إلا إذا عدنا نحن إليها، وعاد المفكرون والمثقفون المصريون إلى صدارة المشهد التنويرى، الذى استطاع أن يخرج جماعة إرهابية من الحكم، والآن يمكننا أن نحارب من أجل إخراج الأفكار المتطرفة.
ولعل ما قاله جبر عن ضرورة الرجوع إلى الإسلام بمعانيه النبيلة والسامية والوسطية هو شيء مهم، موضحًا أننا فى أمسّ الحاجة لتجديد الخطاب الدينى والسياسى والثقافى؛ لأنه يمثل أهمية كبيرة، خاصة أن الجماعات الرجعية تحاول إشغال الرأى العام بقضايا صغيرة، حتى نبتعد عن قضايانا المهمة.
وتمنى جبر أن تخرج الصحافة من كبوتها، حتى تكون قادرة على بث الأفكار التنويرية فى المجتمع، ويكون ولاؤها للشعب بعودتها للدور الريادي.
ولأن مؤسسة دار الهلال علامة فارقة فى التاريخ المصرى والعربى، هو ما أشار الأديب يوسف القعيد ابن دار الهلال؛ فهى تقدم دورًا تثقيفيًا كبيرًا يتمثل فى تقديمها للكتب الأدبية ذات العمق الفكرى والتنويرى بأسعار زهيدة جدًا؛ حتى يستطيع القراء أن يقتنوها، موضحًا أنه لولا الهلال ما نشر كبار الكتاب أعمالهم وما عرفهم القراء، وننصح الشباب بالاطلاع على أعداد دار الهلال لكونها تعد معملًا لتعليم الوطنية والانتماء.
وأيضا ما تناوله الدكتور أسامة الأزهرى مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية فى مؤتمر دار الهلال التنويرى بأن مصر تعرضت لعدة موجات منذ ٢٠١١ لهدم الدولة بدأت بالعمل لفقد ثقة المواطن بالشرطة، ثم بقواته المسلحة، وبعد ذلك محاولات التشكيك فى القضاء، ثم الأزهر الشريف، وذلك بهدف أن يفقدالمواطن ثقته فى ذاته وفى تاريخه.
ولذا كان لا بد من عمل عكسى لترسيخ ثقة المواطن المصرى فى مؤسسات وطنه وفى تاريخه المشرف وفى ذاته، مؤكدا أن احتفال دار الهلال بمرور ١٢٥ عامًا على تأسيسها صورة من صور اعتزاز المصرى بتاريخه المشرف لكون المؤسسة حملت هموم ومشكلات المجتمع.
وطالب الأجيال الجديدة فى دار الهلال بالعمل لغرس ثقافة حب الوطن من الإيمان، مشددًا على أن المعيار الصادق للتدين هو الوطنية والاعتزاز بالوطن بكل ما يحتويه ورفع شعار»لنبنى معًا لنعمرها معا»، وهنا تأتى المواجهة الحقيقية للإرهاب، حتى تُطوى هذه الصفحة من التاريخ ويعود الإنسان المصرى صانعا للحضارة.
وفى كلمته خلال المؤتمر أكد الدكتور عبدالمنعم سعيد المفكر السياسى على دور الثقافة والتعليم والفن فى نشر التنوير ومواجهة الإرهاب، مؤكدًا أن الوطن يواجه بالفعل معضلة كبرى، وتساءل “هل قوة مصر الناعمة تتفاعل مع قوة مصر الخشنة أو الصلبة فى مكافحة الإرهاب ودعم التقدم والنمو، بينما قال الدكتور أسامة الأزهرى مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية إن قضية تجديد الخطاب الدينى قضية ملحة، وتعتمد على عدة محاور هى محور إطفاء نيران الفكر المتطرف والتطرف اللاديني، وإعادة بناء شخصية الإنسان، ثم إعادة صناعة الحضارة.
وأضاف أنه يوجد أربعون تيارًا دينيًا متطرفًا على رأسها جماعة الإخوان، وتدور تلك التيارات حول ثمانين مفهومًا منها ما يمثل قاسمًا مشتركًا مثل قضية التكفير والحاكمية، ثم الانتقال لفكرة الجاهلية، ثمالبراء وبعدها الصدام، وأشار إلى أن تيار التكفير والحاكمية ينظرون للعالم بأكمله بأنه غارق فى الكفر، موضحًا أن الفكر المتطرف والإرهابى انتقل إلى استهداف العقول عبر المواقع الاجتماعية، بما يستلزم العمل لرصد تلك الأفكار ومواجهتها.
وأيضا ألمح الإعلامى جمال الشاعر فى كلمته بالمؤتمر أن ركائز الدولة المصرية للقوة الناعمة تتمثل فى الأزهر الشريف حيث يوجد نحو ٣٠ ألف مبعوث من العالم الإسلامى ومع افتتاح مدينة البعوث الإسلامية سيصل العدد إلى ٤٠ ألفًا من ١٢٠ دولة يمثلون سفراء لمصر، وأشار الشاعر إلى أن الكنيسة المصرية هى الأخرى إحدى ركائز القوة الناعمة المصرية لدورها فى إفريقيا وروسيا، ولفت أيضًا لدور السينما والحاجة لصناعة سينما متطورة تعبر عن الثقافة المصرية.
اقترح الشاعر أن تكون دار الهلال بيت الحوار بين المثقفين ورجال الدين، وهو ما استجابت له دار الهلال.
أما وكيل أول الهيئة الوطنية للصحافة عبد الله حسن فقد أكد دور الإعلام المهم فى التثقيف والتطوير، مشيرًا إلى التطور الكبير، الذى طرأ على الإعلام، وتزايد أهميته فى ظل انتشار الفضائيات والمواقع الإلكترونية.
أما الدكتور عبد الله عزب، وكيل كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، فقد أكد أن التعليم يشكل شخصية الإنسان منذ نشأته، بما يستلزم قيام وزارة التعليم العالى والأزهر الشريف بتطوير المناهج التعليمية، بما يتناسب مع المرحلة الحالية لمواجهة الأفكار الإرهابية التى تتم باسم الدين.
أكدت الدكتورة سوزان القليني، عميد كلية الآداب بجامعة عين شمس، فى كلمتها خلال الجلسة أن الأسرة تلعب دورًا كبيرًا فى ثقافة المجتمع، وأن المرأة هى عماد الأسرة، مشددة على أن هزّ صورة المرأة يؤثر بالسلب على تماسك المجتمع. وأضافت القلينى أن هناك تدهورًا فى التعليم، وسببه افتقاد القدوة، مشيرة إلى أن الأسرة فى حالة تفكك لمحاولات كسر صورة المرأة.
الدكتور محمد شومان عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية قال فى كلمته بالمؤتمر إن إصدارات دار الهلال لعبت دورًا كبيرًا فى نشر التنوير والحداثة فى المجتمع المصرى، مشددًا على أهمية استمرار ذلك الدور وتوفير الدعم اللازم للمؤسسة للقيام بذلك، وأوضح أن المرأة والشباب هما الأكثر استهدافًا من أجل مواجهة التطرف والإرهاب، ونوه إلى ضرورة التركيز على التعليم ودور الأسرة والفن الإعلام فى الاهتمام بهما.
واختتم الدكتور حسام بدراوى مؤتمر دار الهلال للتنوير بضرورة الربط بين التطوير فى الرسائل والتناول المقصور ووجود الصحفى «الديجتل» الآن الذى يناسب العصر الذى يفرض علينا التغير.
الإضافة الحقيقة للاحتفالية ... إصدار المؤسسة لموسوعتين تاريخيتين الأولى تحت عنوان «فوتوغرافية مصر»، وتضم صورًا نادرة من أرشيف المؤسسة ومراكز الصور فى أوربا تعكس ذكريات ١٧٥ سنة فى عمر مصر، والثانية تحمل عنوان : مصر فى الحرب – ١٢٥ سنة وتأتى فى جزءين، الأول منها ويغطى الفترة من فترة محمد على باشا حتى الملك فؤاد، والثانى من الملك فؤاد وحتى الرئيس السادات ويؤرخ الجزءان معا لنحو ٣٠٠ شخصية.