16-8-2025 | 14:06
محمود الرفاعي
فى قلب المدينة الأثرية جرش، التى تقف شامخة بأعمدتها الرومانية وشوارعها الجميلة منذ قرون، أطلقت المملكة الأردنية الهاشمية الدورة التاسعة والثلاثين من مهرجان جرش للثقافة والفنون لعام 2025.
«الكواكب» كانت هناك تعيش معكم أبرز فعاليات وندوات وعروض هذه الدورة.
حملت هذه الدورة طابعاً مميزاً جمع بين الأصالة والحداثة، واستقطبت نخبة من نجوم الغناء العربى من مختلف البلدان، وسط حضور جماهيرى من الأردن والمنطقة العربية، بالإضافة إلى شخصيات رفيعة المستوى.
ليلة الافتتاح عمر العبداللات صوت الوطن
انطلقت فعاليات المهرجان على المسرح الشمالى، حيث اعتلى الفنان الأردني عمر العبداللات خشبة المسرح مرتدياً عباءة الأناقة العربية وابتسامة واثقة.
بدأ العبداللات الأمسية بأغنية وطنية عاطفية هى «أردن يا وطنا»، من كلمات الشاعر حيدر محمود وألحانه، بتوزيع أيمن عبدالله، ومع أولى النغمات، ارتفعت الأعلام الأردنية بين الحضور، وترددت كلمات الأغنية على ألسنة الجماهير.
لم ينس العبداللات فلسطين، فأهدى أغنية «يا جبل ما يهزك ريح» لأهل غزة وفلسطين، مؤكداً أن فلسطين «ستبقى عنوان الكرامة والصمود» ومع كل أغنية، كان يتنقل بين العاطفى والوطنى، مستعرضاً رصيداً غنائياً ظل محفوراً فى وجدان الجمهور الأردنى والعربى.
اختتم الأمسية بكلمة قال فيها: «جرش بيتنا الثقافى الأول، ومنه نطل على الوطن والعالم»، وسط تصفيق حار وهتافات وطنية.
المسرح الجنوبى.. ناصيف زيتون وعتاب المحبين
فى الليلة نفسها، وعلى المسرح الجنوبى، كان الجمهور على موعد مع النجم ناصيف زيتون فى أول مشاركة له فى جرش.. دخل زيتون وسط صيحات الإعجاب، لتبدأ وصلته الغنائية بأغنيته الشهيرة “تكة رح يوقف قلبى” التى ألهبت الأجواء..
تنقّل بين أغنيات الحب والعتاب مثل «أعطيتك قلبى ليش تخون؟»، و«مش عم تزبط معى».. كانت معظم كلماته محملة بصدق العاشق الذى يعاتب محبوبته، الأمر الذى جعل الجمهور يردد الأغنيات وكأنه يشارك فى البوح نفسه.
فى لحظات معينة، توقّف ناصيف عن الغناء، تاركاً للجمهور إكمال المقطع، فى مشهد منسجم بين الفنان ومعجبيه.
أحلام.. أمسية خليجية بروح عربية
فى ليلة أخرى، حلّت الفنانة الإماراتية أحلام ضيفة على المدرج الجنوبى، حيث أعدّت فرقة وليد الفايد الموسيقية مقدمة فنية راقية قبل صعودها.. ظهرت أحلام بفستان فخم يعكس أناقتها، وافتتحت الأمسية بأغنية «تدرى ليش أزعل عليك» التى حملت طابع العتاب الرومانسى، أتبعت ذلك بأغنيات من ألبومها الجديد، منها «فضها سيرة» و«لما قلبى يحب» و«وحشتونى»، لتختم المقطوعة الخليجية بأغنية تراثية محببة هى «ع العين موليتين».
خاطبت الجمهور قائلة: «أنا جاية من دار زايد لبلد النشامى، وكل الحب للأردن»، وأثنت على المايسترو وليد الفايد بوصفه «مايسترو العرب».
ميادة الحناوى ونور مهنا.. ليلة من زمن الفن الجميل
فى أمسية حملت عبق الطرب الكلاسيكى، أطلت ميادة الحناوى لأول مرة على جمهور جرش، جلست على كرسيها الأنيق، وأمسكت بالميكروفون بثبات، لتبدأ بـ «هى الليالى كده»، ثم تتابع بـ «مهما يحاولوا يطفوا الشمس» و«الحب إللى كان».
بلغت ذروة التفاعل عند أدائها «أنا بعشقك»، حيث غنى معها الجمهور بحرارة، مستعيدين ذكريات الزمن الذهبى.
وفى الفقرة التالية، جاء صوت نور مهنا حاملاً الطابع الحلبى الأصيل، فقدم «يا عود»، «لعل وعسى»، «ابعتلى جواب»، و«ربة الوجه الصبوحى».. دمج بين الطرب الأصيل والمواويل الطربية، مانحاً الليلة نكهة فنية نادرة.
جوزيف عطية.. الدبكة اللبنانية فى جرش
بأجواء مفعمة بالحيوية، صعد جوزيف عطية المسرح الجنوبى مرتدياً ملابس شبابية، ليبدأ بأغنية «كيفك إنت» تكريماً لفيروز، ثم ينتقل إلى أغنيته الشهيرة «إن شاء الله».
قدّم أيضاً «غلطت بحقك سامحينيى» و«يا كل الدني».. ومع كل إيقاع لبنانى، كان الجمهور يتحول إلى حلقات دبكة مصغّرة، تنبض بالحماس.
ملحم زين.. الريس يشعل المدرج
بصوته الجبلى، اعتلى ملحم زين المسرح، وافتتح وصلته بـ «نامى يا حياتى»، قبل أن ينتقل إلى «غيبى يا شمس» و«ظلى أضحكى»..
أتحف الجمهور بمواويل لبنانية وأغنيات شعبية، محولاً المدرج إلى عرس جماعى، حيث امتزجت الهتافات بالتصفيق المستمر.
محمد حماقى.. الإبهار والتقنيات الحديثة
فى ثانى مشاركة له، وعلى المسرح الجنوبى، كان الجمهور على موعد مع عرض غنائى مختلف، يزاوج بين الإبهار البصرى والإيقاع العصرى، حيث قدّم النجم المصرى محمد حماقى سهرة مليئة بالطاقة.
قبل ظهوره، أُطفئت أنوار المدرج الكبير، لتشتعل الشاشات الخلفية بمؤثرات ضوئية ثلاثية الأبعاد تحاكى نبضات قلب، تزامناً مع إيقاعات موسيقية تصاعدية، وكأن الحفل يستعد لولادة لحظة مميزة.
ظهر حماقى على خشبة المسرح بخطوات واثقة، مرتدياً سترة جلدية سوداء وبنطالاً أسود ضيقاً، فى إطلالة شبابية تتماشى مع هويته الفنية، وسط صيحات الجماهير التى امتلأت بها المدرجات حتى آخر مقعد.
خلال الأغنية الثالثة «حلوة وبتحلي»، دعا حماقى الجمهور إلى الترديد معه، قبل أن يتوقف فجأة ليترك لهم غناء المقطع الأخير وحدهم، مبتسماً ومصفقاً لهم قائلاً: «أنتوا النهاردة الكورال بتاعى».
من أبرز اللحظات كانت عند تقديمه “ما بلاش”، حيث أطفئت الأنوار مجدداً، وأضاءت المدرجات بهواتف الجمهور التى شكلت لوحة ضوئية ساحرة.. كما أضاف لمسة حماسية بأغنية “أدرينالين”، مصحوبة بمؤثرات نارية على جانبى المسرح، جعلت الإيقاع يتزامن مع الألعاب النارية الصغيرة.
المميز في حفله أنه لم يكتف بالغناء، بل تفاعل بالكلمات، فكان يضحك ويمازح الجمهور، ويذكر مواقف طريفة من حفلاته السابقة فى الأردن، مؤكداً أن جمهور جرش «من أدفأ الجماهير التى يغنى أمامها».
أصالة نصرى.. مسك الختام
جاءت ليلة الختام لتكون ختاماً يليق بمهرجان جرش 2025، حيث أطلت أصالة نصرى على المسرح الجنوبى فى إطلالة ملكية؛ بفستان طويل بلون أزرق ملكى مرصع بأحجار براقة، مع تسريحة شعر كلاسيكية زادت من حضورها الطاغى..
سبق دخولها فقرة موسيقية للفرقة بقيادة المايسترو هانى فرحات، الذى أعدّ مقدمة موسيقية حالمة تهيئ الأجواء للطرب الأصيل.
بدأت أصالة الحفل بأغنية «أكثر من إللى أنا بحلم بيه»، بصوت ثابت وقوى، ما جعل الجمهور يصفق بحرارة من اللحظات الأولى.. انتقلت بعدها إلى «يمين الله» التى أظهرت فيها قدراتها الصوتية فى الانتقال بين المقامات، قبل أن تهدى أغنية خاصة للأردن بعنوان «بالعلالى يا الأردن» وسط تفاعل وطنى مؤثر.
تميز حفل أصالة ليس فقط بغنائها، بل بقدرتها على صنع حالة وجدانية، فكانت تروى قصصاً قصيرة قبل بعض الأغنيات، تتحدث عن الحب، وعن التجارب التى مرت بها، مما جعل الجمهور يشعر بقربها الإنسانى والفنى فى آن واحد.
واختتمت الحفل بأغنية «شامخ»، فى إشارة إلى الكبرياء والصمود، تاركة المدرج الجنوبى واقفاً يصفق لها بحرارة، وكأنهم يودعون دورة المهرجان على وعد باللقاء مجدداً.