يفتتح الكاتب الكبير محمد سلماوي، في السابعة من مساء غد الأحد، بجاليري ضي الزمالك، ثلاثة معارض تشكيلية.
المعارض الثلاثة هي "فك ارتباط حسن محمد حسن"، ومعرض اسكتشات الفنان الكبير الدكتور حامد ندا نجم الفن المصري المعاصر، و معرض كاريكاتير بهجوري في مرحلة الستينيات، وتستمر فعالياتها لمدة شهر.
وقال الناقد التشكيلي هشام قنديل رئيس مجلس إدارة أتيليه العرب للثقافة والفنون إن هذه المعارض تعتبر استهلالا رائعا لأنشطة جاليري ضي الزمالك التي ينظمها هذا الموسم، مؤكدا اهتمام أتيليه العرب باستفادة شباب التشكيليين ومحبي الفنون بكافة فعالياته ومسابقاته.
وعن معرض "فك ارتباط حسن محمد حسن" يقول الناقد والفنان مجدي عثمان مدير مركز سعد زغلول الثقافي: فكرت مع صديقي الناقد الفنان الراحل عزالدين نجيب في إقامة معرض يطرح بصرياً مفهوم كتابي "بين الفنان والمجتمع ودور الفن" والذي جاء كفكرة من خلال ما كان يُعرض عليً من أعمال للفنانين الثلاثة؛ سواء مُنتج حق لهم أو مُقلد، فبدأ البحث عن قاعة للعرض، إلا أن الأمر ارتطم بأعتاب "تجار الفن" أو عدد من أصحاب القاعات، بعضهم لا يعلم عن الفنانين شيئاً، حتى التقت رغبتي مع الصديق المثقف فنياً هشام قنديل، وتم الاتفاق على إقامة هذا المعرض ليتضح الفارق بين المُنتج الفني للفنانين الثلاثة وإبراز دورهم الرائد في تاريخ الحركة التشكيلية المصرية.
وتابع: قد يلتبس في أذهان البعض اسم حسن محمد حسن (١٩٠٦ - ١٩٩٠) باسم الفنان الرائد محمد بك حسن (۱۸۹۲- ١٩٦١ ) أحد أبناء جيل الرواد الأوائل من الدفعة الأولى بمدرسة الفنون الجميلة بدرب الجماميز أوائل القرن الماضي، لكن حسن محمد حسن واحد من جيل المنسيين أو ممن تم تجاهلهم في مسار حركتنا الفنية الممتدة منذ أكثر من قرن، بالرغم من أنه كان الفنان الأقرب إلى نبض الجماهير وقضايا الوطن الإجتماعية والتحررية والنهضوية طوال عقد الستينيات والسبعينيات.
وفي هذا المعرض يفض الاشتباك بين الأسماء الثلاثة، المخلوط بينهم في أذهان البعض من الفنانين أوالمؤرخين والنقاد، أو على الأقل بين أعمالهم، والفصل بين أداء كلً منهم.
وعن معرض كاريكاتير بهجوري يقول الفنان والناقد الكبير رضا عبدالسلام: اكتسب الخط عند (البهجورى) طوال سنى عمله بالصحافة فى مجلة (صباح الخير) أو غيرها من الصحف والمجلات فى مصر وباريس والدول العربية وعيا حادا بالأحداث اليومية المحلية والعالمية، جعله يعبر ببساطة وسخرية وبلاغة عن جملة كاريكاتورية طريفة تثير الفكاهة والضحك فى نفوسنا، أو جملة تشكيلية تعبيرية جميلة تمس مشاعرنا من الداخل وترسم الابتسامة على الشفاه وتمتعنا. إن موهبة (جورج) كرسام لا تتجلى فقط كونه رساما (رأى ساخر) يعبر برسومه عن القفشة والنكتة والموقف التهكمى من الحياة السياسية والاجتماعية وغيرها، وهى الصفة التى يصفه بها الكثير ممن يشاهدون أعماله الفنية. إنما فى كونه رساما محترفا يتخطى بأدائه المهارى الواعى ذلك الفاصل الدقيق بين الهزلى والجاد، بين المجهول والمعلوم، المقروء والمعبر، ويمزج بينهما فى اقتدار لتصبح سمة من سمات الفن المعاصر، كما هى عند (رووه) الفرنسى و (أوتودكس) الألماني والتعبيريين الجدد، وقبل ذلك بكثير جدا، فى الرسوم التعبيرية الساخرة المسجلة على الشقفات الفخارية (أو ستراكا) فى مصر الفرعونية وفى وجوه الفيوم، إن نزوع (البهجورى) المبكر نحو السخرية والتهكم نزوع فطرى لديه، نما معه منذ كان طالبا فى كلية الفنون الجميلة، وظل يلازمه فى كل نتاجه الفنى الذى أنجزه طوال سنوات عمره، ومن ثم أصبح ميله الدائم إلى الابتعاد عن المظهر الحقيقى للأشياء واللجوء إلى التحريف والمبالغة فى النسب التشريحية والأبعاد المنظورية خاصية من خصائص التعبير المهمة لديه - تحسب له، لا عليه كما يرى البعض- لأن قضية (الفن والحياة) كانت وما زالت تنازع الفنان، ولذا كان عليه أن يختار بينهما، وفى كل محاولة يشعر بالألم والتمزق لأنه يقع بين ضرورة تنفيذ عمله الفنى الذى يحبه، وضرورة أن يعيش من خلال عمله كرسام صحفى وأيضا ككاتب ساخر، وهذه مشكلة عامة يعانى منها الكثير من الفنانين فى أنحاء مختلفة من العالم، غير أن (جورج) فى مثل هذه الأحوال كثيرا ما يكون قادرا فى اللحظة المواتية أن يقف إزاء حياته العملية (كرسام صحفى) على بعد كبير، وأن يبتعد عنها قدر المستطاع حين يشرع فى إبداع رسومه أو لوحاته التصويرية التى تعبر عن كيانه الخاص. لهذا يمكن القول إنه بفضل هذا الازدواج يستطيع أن يصبح بالنسبة لنفسه موضوع استغلالا جماليا. وبفضل هذا الازدواج أيضا يتم التحول الذى يغير من سمات الشكل الكاريكاتورى (الهزلي) لتصبح قيمة تعبيرية خالصة فى إطار الصياغة الخاصة بها. انظر إلى لوحاته التى أنجزها فى الخمسينات والستينات وأيضا لوحة (القاهرة 1973) التى رسمها كأول لوحة عندما عاد من باريس إلى مصر. إن (جورج) كرسام فى هذا الإطار مثله مثل الرواة الشعبيين أو عازفى الربابة والمسحراتية.
وعن معرض اسكتشات حامد ندا يقول الناقد هشام قنديل إن المعرض يضم أكثر من ٤٢ اسكتشا نادرا للفنان حامد ندا، منها تخطيطات لأعمال كبيرة أنجزها خلال السنوات الأخيرة.
وأضاف أن حامد ندا علامة بارزة وعرّابًا لما يمكن أن نطلق عليه "السريالية الشعبية المصرية"؛ تلك التي استمدت روحها من الأزقة الشعبية والخيال الجمعي والأساطير الشعبية التي صاغها بفرشاته لتصبح جزءًا من وعينا البصري والوجداني.
وأضاف قنديل، تجربة ندا الفنية لم تكن عابرة، بل مثّلت مسارًا خاصًا جمع بين الموهبة الفطرية والثقافة العميقة، بين انفتاحه على تيارات الفن العالمي وتمسكه بجذور الواقع الشعبي المصري. فكان أن قدّم لنا عالمًا مدهشًا يختلط فيه الواقع بالأسطورة، والمأساة بالملهاة، والحياة بالموت، لتبقى لوحاته قادرة على الدهشة مهما مرّ الزمن.
وتابع قنديل: أنا شخصيًا، كان لي مع حامد ندا تجربة لا أنساها. فقد اقتنيت ذات يوم لوحتين له دون أن أعرف أنهما خرجت من دار الأوبرا المصرية بطريقة غير شرعية، وحين اكتشفت الحقيقة، لم يهنأ لي بال، وشعرت أن وجودها عندي خيانة للأمانة، فما كان منّي إلا أن ارجعتهما بيدي لوزير الثقافة وقتها الفنان الكبير فاروق حسني، الذي كرمني وقتها هو ومحسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية أجمل تكريم، وعادت اللوحتان إلى مكانهما الطبيعي، وكانت تلك اللحظة بالنسبة لي أشبه بعودة الابن الغائب إلى أهله، وأيقنت يومها أن للفن قدسية لا يجوز أن تُمس، وأن دورنا جميعًا هو أن نصونه ونحفظه.
واختتم قنديل: من منطلق هذا الوفاء، لم يكن كافيًا أن نستعيد اللوحة فقط، بل كان لا بد أن نستعيد حضور الفنان نفسه في حياتنا الثقافية. لذلك، كان قرارنا في عام 2023 أن نُنشئ قاعة مستقلة تحمل اسم قاعة حامد ندا في جاليري ضي بالزمالك، لتصبح منارة دائمة تعرض أعماله وتُعيد تقديم تجربته للأجيال الجديدة، وتؤكد أن ذاكرة الفن المصري ستبقى حية متجددة ما دمنا نحتفي بها ونؤمن بها، فتكريم حامد ندا اليوم ليس مجرد احتفاء بماضٍ عظيم، بل هو رسالة للمستقبل أن الفن الأصيل يظل حيًّا، وأن المبدعين الذين صدقوا في رسالتهم لا يغيبون، ففي ضي، حيث يتقاطع التاريخ مع الحاضر، والوفاء مع الريادة، نمد أيدينا دومًا نحو القادم.