استطاعت الناقدة الأدبية المصرية فاطمة موسى، التي تحل اليوم 13 أكتوبر ذكرى وفاتها، أن تشق طريقها وتفرض حضورها الثقافي في عالم الأدب، حتى أصبحت واحدة من أبرز الأصوات الأدبية المهمة في مجالات متنوعة كالنقد الأدبي، والترجمة، والدراسات الأكاديمية في الوطن العربي، حيث أدخلت فاطمة موسى إلى العربية روائع الأدب الإنجليزي بروح منفتحة ووعي ثقافي حاد، ومن مدرجات كلية الآداب بجامعة القاهرة إلى صفحات أمهات الكتب النقدية، ومن نصوص شكسبير وبرنارد شو إلى القارئ العربي، نسجت فاطمة موسى مسيرة فكرية وأكاديمية لا مثيل لها، جمعت فيها الذائقة الأدبية الرفيعة، والانفتاح على العالم.
ميلادها ونشأتها
وُلدت فاطمة موسى في القاهرة عام 1927، لأسرة تهتم بالعلم والثقافة، ما أسهم في بلورة رغبتها وحبها المبكر للأدب واللغات، والتحقت بكلية الآداب في جامعة القاهرة، حيث درست اللغة الإنجليزية وآدابها، وتفوّقت في دراستها، ما مهد الطريق أمامها للانخراط في العمل الأكاديمي.
وحصلت فاطمة موسى على الليسانس في اللغة الإنجليزية وآدابها من الدرجة الأولى مع مرتبة الشرف في جامعة القاهرة عام 1948، ثم درجة الماجسيتر في اللغة الإنجليزية وآدابها من جامعة القاهرة سنة 1954، ثم دكتوراه الفلسفة في اللغة الإنجليزية وآدابها من كلية وستفيلد بجامعة لندن عام 1957.
حياتها الأكاديمية
بدأت فاطمة موسى عملها الأكاديمي عن أثر 'الرواية الشرقية' في الأدب الأوروبي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ويكثر الاقتباس منها فيما يتعلق بتاريخ ألف ليلة وليلة وأثرها في الأدب الغربي. ثم انتقلت بعد ذلك إلى مجال آخر من البحث الأكاديمي هو أثر الرواية الأوربية في نهضة الرواية المصرية.
وعكفت فاطمة موسى في أعمالها على بناء جسور بين 'أدب الغرب' و'أدب الشرق' فكتبت دراسات تتناول أدب من جانبي العالم في الجانب الآخر=، كما أنها درست وساعدت أجيالا من الدارسين والأكاديمين والأدباء العرب على العمل في هذا المجال، واستمرت تدرس فصولا للدراسات العليا في جامعة القاهرة وتشرف على رسائل الدكتوراه وتدير لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة.
ناقدة بفكر حداثي
كناقدة أدبية في الصحافة العربية كتبت فاطمة موسى بتوسع عن كل من الأدب العربي والأوربي، وقال عنها نجيب محفوظ في وقت ما أنها أفضل من تناول أعماله بالنقد، ومن أبرز مؤلفات فاطمة موسى «قاموس المسرح».
ومن خلال مقالاتها ومحاضراتها، ساهمت فاطمة موسى في تعميق وعي القارئ العربي بالأدب العالمي، وكانت تؤمن بأن الأدب لا ينفصل عن الواقع، بل هو مرآة للثقافة والمجتمع والسياسة. ولذلك، تميز نقدها بالجمع بين التحليل الجمالي والبعد الفكري، رافضة الانغلاق أو التقليد.
مترجمة الأدب العالمي
وكان الجانب الأبرز في مسيرتها دورها الرائد في الترجمة الأدبية، فنقلت إلى العربية أعمالًا لكتاب عالميين مثل ويليام شكسبير، وبرنارد شو، وتوماس هاردي، كما ترجمت روايات وأعمالًا مسرحية تعدّ من كلاسيكيات الأدب الإنجليزي.
ويُعد عملها في ترجمة مسرحية "عطيل" لشكسبير من أبرز إنجازاتها، حيث نجحت في الحفاظ على الشاعرية الأصلية للنص، مع تبسيط اللغة لتلائم القارئ العربي دون أن تفقد عمق النص.
ريادة نسوية من نوع مختلف.
الجوائز والتكريم
حصلت فاطمة موسى خلال حياتها وبعد وفاتها على عدة جوائز وتكريمات تقديرًا لعطائها الثقافي والفكري، من بينها:
جائزة الدولة التقديرية في الآداب.
تكريم من المجلس الأعلى للثقافة.
عضوية في عدة لجان ثقافية وأكاديمية على مستوى الوطن العربي.
وفاتها
رحلت الدكتورة فاطمة موسى عن عالمنا عام 2007، لكنها تركت إرثًا ضخمًا في ميادين الفكر والترجمة والنقد الأدبي. كتبت، درّست، ترجمت، وغيّرت وجه المشهد الثقافي بعمق وهدوء، لم تكن فقط أستاذة جامعية، بل منارة فكرية حقيقية.