الجمعة 27 سبتمبر 2024

«المالية»: موعد المراجعة الأولى للإجراءات الإصلاحية قيد التفاوض سيناريو «التجميد» يُخيِّم على الدفعة الثانية من قرض الصندوق!

8-3-2017 | 13:51

تقرير: أميرة جاد

تأجيل زيارة وفد صندوق النقد الدولى لمصر لمُراجعة إجراءات برنامج الإصلاح الاقتصادى إلى أجل غير مُعلن بعد، تكشف بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك ما يشوب برنامج الإصلاح الاقتصادي، والذى كان من المقرر أن تحصل مصر بموجبه على الشريحة الثانية من القرض البالغ ١٢ مليار دولار، والتى تُقدر بـ ١.٢٥ مليار دولار فى ١٥ مارس الجاري، بعد إجراء أول مُراجعة بناء على ما تم فى برنامج الإصلاح الاقتصادى حتى ديسمبر ٢٠١٦.

خبراء اقتصاد أكدوا أن مؤشرات الاقتصاد الكلى هى الإشكالية حالياً وهو ما يجعل منح الشريحة الثانية محل تفاوض لحين إثبات حسن النوايا من قبل الحكومة، لافتين إلى أنه من المُستبعد أن يجمد الصندوق الدفعة الثانية وإن كان من المحتمل تأجيلها.

الخبراء قالوا إن الصندوق يسعى للضغط على الحكومة لتنفيذ باقى بنود البرنامج الإصلاحى.

وكانت بعثة فنية من صندوق النقد الدولى زارت مصر، والتقت بمسئولى وزارة المالية تمهيدًا للبعثة المُختصة بالمراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادي. ويشار إلى أن مراجعات صندوق النقد الدولى المقررة خلال الفترة القادمة والتى تم ترحيلها من مارس إلى أبريل – وفقًا لتصريحات صحفية - للبرنامج الإصلاحى تشتمل عدة بنود أفصحت عنها وثائق قرض صندوق النقد الدولي، التى أزيح عنها الستار منتصف يناير الماضى فى نحو ٨٤ صفحة، تلك البنود تمثل معركة مصر القادمة مع الصندوق للحصول على الشريحة الثانية، وتعد مؤشرات الاقتصاد الكلى وعلى رأسها التضخم والبطالة وعجز الموازنة العامة للدولة، وكذلك الدين العام ومُعدلات النمو من أهم المحاور التى تشملها المراجعات، والتى لم تُحرز فيها مصر تقدمًا يُذكر، وهو ما دفع نحو تأجيل المراجعات، وبالتالى تأجيل استلام الدفعة الثانية من القرض والبالغة ١.٢٥ مليار دولار.

المقارنة بين شروط صندوق النقد الدولى التى ستشملها المراجعة الأولى للبرنامج والمؤشرات الفعلية للاقتصاد الكلى لمصر حتى ديسمبر عام ٢٠١٦، تؤكد عدم توافق ما تحقق على أرض الواقع، وما تضمنه البرنامج الإصلاحى الذى تقدمت به الحكومة للحصول على القرض.

حيث اشتمل البرنامج على خفض معدلات التضخم لنحو ١٠٪ خلال سنتين من أول دفعة من الحصول على القرض، بشكل تدريجى وهو ما لم يحدث على أرض الواقع، حيث أكدت البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع مُعدلات التضخم الشهري، وكذلك السنوى حتى ديسمبر ٢٠١٦، حيث سجلت مُعدلات التضخم فى ديسمبر ٢٠١٦ ارتفاعا شهريا بلغ ٤.٤٪ خلال ديسمبر ٢٠١٦، كما واصلت معدلات التضخم ارتفاعها فى يناير ٢٠١٧ بنحو ٥.٥٪ على الصعيد الشهرى أيضا، بينما ارتفعت معدلات التضخم السنوية لـ٢٤.٣٪ بنهاية ديسمبر، بينما سجلت معدلات التضخم على أساس سنوى نحو ٣٠٪ بنهاية يناير ٢٠١٧.

ولم يكن التضخم هو المؤشر الوحيد الذى تعهدت مصر بالعمل على تحسينه ضمن برنامجها للإصلاح الاقتصادي، والذى ستراجعه بالتبعية بعثة الصندوق ضمن المراجعة الأولى، بل اشتملت المؤشرات كذلك عجز الموازنة العامة للدولة، حيث تعهدت مصر بخفض العجز العام للموازنة العامة للدولة لما يقرب من ٩٪ من الناتج الإجمالى المحلى فى برنامجها الإصلاحى، فى المقابل أكدت المؤشرات المالية العامة والمُعلنة فى بيانات وزارة المالية أن العجز الكلى للموازنة العامة بلغ نحو ١٧٥ مليار جنيه بنهاية ديسمبر ٢٠١٦ أى خلال النصف الأول من العام المالى الجاري، بما يوازى نحو ٥.٤٪، وهو ما يشير إلى أن استمرار أداء الموازنة العامة للدولة على هذا النحو حتى انتهاء العام المالى الجارى فى يونيو المقبل من العام الجاري، سوف يحقق العجز الكلى على أقل تقدير نحو ١٠.٨٪ من إجمالى الناتج المحلي.

وعجز الموازنة يقود بالطبع إلى الاستدانة، وبالتالى ارتفاع الدين العام وهو ما تؤكده بيانات للبنك المركزي، والتى تشير إلى أن إجمالى الدين العام المحلى سجل ٢٧٥٨ مليار جنيه أى نحو ٢.٨ تريليون جنيه - فى نهاية سبتمبر ٢٠١٦. فى مقابل ٢.٦ تريليون جنيه نهاية العام المالى الماضى (يونيو ٢٠١٦) وبضم الدين المحلى إلى الدين الخارجى يصل إجمالى الدين العام المحلى إلى ٣.٩ تريليون جنيه، وهو الإجمالى الذى يساوى نحو ١٢١.٨٪ من الناتج الإجمالى المحلى بالأسعار الجارية، والذى رصده «المركزي» فى تقريره الإحصائى الأخير بواقع ٣.٢ تريليون جنيه.

ولم تكن مؤشرات البطالة وهى واحدة من المؤشرات التى تشملها المراجعات بأحسن حالا من العجز الكلى للموازنة ومُعدلات التضخم، فبالرغم من تعهدات مصر فى برنامج الإصلاح الاقتصادى بتبنى سياسات تخفض معدلات البطالة؛ إلا أن المؤشرات لم تُحرز التقدم المطلوب، حيث انخفضت معدلات البطالة بنحو ٠.٢٪ فقط خلال الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر ٢٠١٦، مقارنة بالربع السابق على هذه الفترة من يوليو إلى سبتمبر مُسجلة ١٢.٤٪ من إجمالى قوة العمل بنهاية ديسمبر الماضي، وهو ما يخالف تعهدات الحكومة لصندوق النقد الدولي.

ومن هنا تظهر إشكالية المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، فبالرغم من أن مصر نفذت عدداً من التعهدات الإصلاحية وعلى رأسها تحرير سعر الصرف والعمل بالضريبة على القيمة المضافة بديلا عن ضريبة المبيعات؛ إلا أن عددا من التعهدات لم يتحقق بعد على أرض الواقع، وهو ما يثير مخاوف من احتمالية أن تمر مصر بنفس سيناريو تونس مع قرض صندوق النقد، حيث جمد الصندوق مؤخرا الشريحة الثانية من قرضه لتونس بسبب تباطؤ إجراءات الإصلاح الاقتصادي.

وحول هذه المخاوف، يقول الدكتور عمرو عادلى أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، إنه من المُستبعد أن يجمد صندوق النقد الدولى الشريحة الثانية من القرض، وإن كان من المحتمل تأجيلها، وهو احتمال شبه أكيد، لأن ميعاد استحقاق الشريحة الثانية من القرض يحل فى ١٥ مارس الجاري، وكان يجب أن يسبقها المراجعة الأولى، وباعتبار أن مارس قد حل، ولم تتم المراجعات بعد.

مضيفا: من المؤكد أن الشريحة الثانية من القرض قد تم تأجيلها، وأنه لا يوجد بيانات معلنة لا من الصندوق ولا من الحكومة عن ميعاد المراجعة الأولى، وبالتالى ميعاد الشريحة الثانية، لافتاً إلى أن الحالة المصرية مختلفة تماما عن الحالة التونسية، لذا فمن المستبعد أن يجمد الصندوق القرض لمصر كما فعل مع تونس، نظرا لأن مصر اتخذت عددا من الإجراءات المالية والنقدية من أجل موافقة الصندوق على القرض، وهو ما يُغاير الحالة التونسية التى تحكمها حكومة وحدة وطنية، تخشى ردة الفعل الشعبية من الإجراءات الإصلاحية التى يطلبها الصندوق، لذا فهى تتباطأ فى الإجراءات ولا تقوى على إثبات الالتزام ببرنامجها الإصلاحي.

وقال «عادلي» إن مصر قد حررت سعر الصرف، وفعلت ضريبة القيمة المضافة، وخفضت دعم المواد البترولية والكهرباء، وهو ما يجعل سجل مصر لدى الصندوق أفضل بكثير من سجل تونس.

ورجح «عادلي» أن تكون إشكالية مصر حاليا مع صندوق النقد مُتركزة حول مؤشرات الاقتصاد الكلي، وهو ما يجعل منح الشريحة الثانية محل تفاوض بين الطرفين لحين إثبات حسن النوايا فى استكمال البرنامج الإصلاحي، ومن بين هذه المؤشرات محل التفاوض ملف دعم الطاقة، والذى تعهدت الحكومة فى برنامجها بخفض دعم الطاقة من ٦.٥٪ من الناتج المحلى اﻹجمالى فى ٢٠١٢-٢٠١٣ إلى ١.٧٥٪ هذا العام، مع خفضها لاحقًا إلى ٠.٥٪ من الناتج المحلي.

وأضاف أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية أن ملف الأجور ربما يكون من الملفات الخلافية حاليا فى تفاوض مصر على الشريحة الثانية من القرض كوسيلة لخفض العجز العام للموازنة الأخذ فى الصعود، وتأتى احتمالية تأجيل الشريحة الثانية لا تجميدها، نظرا لإدراك صندوق النقد الدولى ما تحملته الحكومة من مخاطر سياسية جراء الإصلاحات الاقتصادية التى تمت بالفعل.

من جانبها، قالت الدكتورة ضحى عبدالحميد أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية إنه وفقًا للوثائق التى أفصح عنها صندوق النقد الدولى فيما يتعلق بقرض الـ١٢ مليار، فإن الحكومة تلتزم بفرض ضريبة على نشاط البورصة، إما فى صورة ضريبة دمغة أو على الأرباح الرأسمالية، بحلول آخر مايو المقبل، وهو ما يتعارض مع ما أعلنه المجلس اﻷعلى للاستثمار فى نوفمبر الماضى عن تأجيل العمل بالضريبة على أرباح النشاط فى البورصة لمدة ثلاث سنوات، لتظل ضريبة البورصة أيا كان شكلها محل تخوف من قبل الصندوق، وهو ما قد يكون محل تفاوض من بعثة المراجعة الأولى للإجراءات الإصلاحية، وقد يكون سببا كذلك إلى تأجيل المراجعات.

وتضيف «عبد الحميد» أن تأخر إصدار قانون جديد للتراخيص الصناعية من بين أوجه القصور الحكومى فى تنفيذ بنود البرنامج الإصلاحي، موضحا أن الصندوق لن يحرج مصر بتجميد الشريحة الثانية، وإنما سيسعى للضغط على الحكومة لتنفيذ باقى بنود البرنامج الإصلاحى والذى يشمل تخصيص نحو ٢٥ مليار جنيه، لبنود الحماية الاجتماعية للفقراء ومحدودى الدخل.