الإثنين 17 يونيو 2024

الطلاق‭ ‬فعلا‭ ‬أزمة‭ ‬تحتاج‭ ‬حلا

10-3-2017 | 14:41

بقلم : د. عبد الله النجار

 ما من شك في أن الطلاق أصبح يمثل أزمة كبرى، ربما لا ترقى هذه الأزمة إلى ظاهرة، ولكنها فعلا أزمة تحتاج إلى يقظة، بل تحتاج إلى حل، ومن المعلوم أن حل أي أزمة يبدأ من المدخل الصحيح للحل وهو تصور سبب الأزمة، وأعتقد أن من أهم أسباب تلك الأزمة، أن الإقبال على الزواج يبدأ في ظل مشاعر إنسانية جميلة يظللها الحب ويكتنفها الحنان ويشعر كل واحد من الطرفين فيها أن تلك المشاعر الجميلة سوف تستمر بنفس توهجها وبريقها طوال رحلة الحياة، مع أن المشاعر الإنسانية من طبيعتها التقلب والتغير، شأنها شأن كل عمل يتعلق بالقلب، ويقولون: إن قلب الإنسان ما سمي (قلبا) إلا لتقلبه مع الهوى حبا أو كرها، فإذا مال القلب جهة الآخر تمنى أن لا يفارقه إلى الأبد، وإذا مال ضده سخط عليه وتمنى أن يتخلص منه فورا، وصبر الإنسان في الحب أكثر من صبره في البغض، فالحبيب يعطي لمن يحبه مهلة في كل موقف يغضبه، ويصفح عنه في كل إساءة يقوم بها ضده، ويلتمس له الأعذار، وقد يدافع عنه إذا ما سمع اتهاما له بأنه ليس مخلصا في حبه، أو أنه يحتال بتلك الإساءات حتى يجد لنفسه مسوغا يهجر به من يحبه، أو يقطع صلته به، ولهذا كان الحب مبنيا على الصفح والمسامحة، وقالوا عنه بحق: "حبيبك يبلع لك الزلط، وعدوك  يتلمس لك الغلط"، والغلط هنا بمعنى الخطأ، أي الإساءة التي تؤلم، وليس غلط الإرادة الذي يجرح رضا الإنسان ويعذر به فيما يبرمه من العقود أو يتلفظ به من العبارات، أما الكره فإنه يجعل صاحبه متوثبا لتصيد أي غلطة من الطرف الآخر، ولهذا جاء في المثل المترجم عن الإنجليزية: من يفتش عن الخطأ لابد أن يجده.

وكما هو معلوم فإن الزواج يبدأ بالحب وسماع أغاني السيدة أم كلثوم والسيد عبد الحليم حافظ ثم يتطور إلى الخطوبة، ثم الزواج، ثم ينتهي إلى ساحات المحاكم في عابدين أو زنانيري، أو محكمة زينهم، وإذا ما لخصنا هذه الرحلة فإننا نقول: إن الحب يبدأ بسماع أغاني عبد الحليم حافظ وينتهي بمحكمة الأحوال الشخصية. والسبب في الانحراف بالحب والزواج عن مساره الصحيح أن بعض المتزوجين، وقبل عقد الزواج وفى فترة الخطوبة يظنون أن الحياة سوف تستمر عسلا ورومانسية إلى آخر نفس ولا يرد على خاطرهم أن الدهر ذو غير، وأن ظروف الحياة متقلبة، فقد تبدو جميلة فى وقت، ثم تتحول إلى عكسها فى وقت آخر، والأمر كذلك بالنسبة للزوج والزوجة حيث يعتري كل منهما أحوال وظروف تؤدى إلى تغيير فى تصرفاتهما بسبب تأثير تلك الظروف، ولا شك أن عدم تقدير المواقف ومحاسبة كل من الزوجين للآخر على أنه يمر بظروف عادية وليس تغييرا استثنائيا يعد من الأمور التى يتحامل كل طرف فيها على الآخر ويقسو عليه ثم يقرر فى النهاية أن يبتعد عنه.

كما أن بعض الأزواج والزوجات يعتقدون أن كلا منهما سيجد عند الآخر من الرفاهية ومتع الحياة ومظاهرها ما لم يجده في حياته أو عند أسرته، ويظن أن الزواج سوف يحقق له الغنى الذى ينشره أو يجلب له السيارة الفارهة التى يحلم بها، أو الشاليه الجميل على الشاطئ الذى يحبه، أو أن تكون الزوجة غنية وسعيدة ومرفهة مثل قريبتها أو صديقتها أو جارتها، مع أن أحوال الناس مختلفة، وظروفهم متغيرة ولا يتصور أن تكون ظروف كل زوجين متشابهة مع ظروف الآخرين، وذلك ضرب من الخيال. كما أن الغاية من الزواج هي تحقيق مقصود الله من خلق الإنسان، وهو خلافة الإنسان للإنسان عن طريق التعاقب ومجيء الخلق بعد السلف لتنطلى مسيرة الإعمار والعطاء وحمل المبادئ والرسالات مستمرة إلى يوم الدين، كما يستمر حمل أمانة العلم والقيم والحضارة على عنق الخلف نقلا عن السلف.. وبواسطة الوالدين اللذين يكنان الحب لولدهما ويحرصان على سعادته وعلو مكانته أكثر مما يحرصان على ذلك لنفسيهما, ولهذا جعل الله كل واجب في العلاقة الأسرية عبادة يجازى عليها بالمثوبة والعطاء مع ما يحصله الزوجان فيها من المتعة المطلوبة لكل منهما، ولهذا كان إنفاق الزوج على زوجته صدقة، مع أن النفقة واجبة، وكانت العلاقة الخاصة بين الزوج والزوجة صدقة يكافئ الله بها كلا منهما، مع أنهما يحصلان من ورائها متعة مطلوبة، وقد يشكو الآخر إذا حرمه منها، وقل مثل ذلك في العشرة بالمعروف واحترام كل من الزوجين للآخر وفى جميع الواجبات المترتبة على العلاقة الزوجية.

ومن مقتضى أن آثار عقد الزواج تعتبر عبادات يثات على القيام بها كل من الزوجين أن يتحمل كل منهما الآخر، وأن يصبر عليه طالما أن الصبر عليه عبادة، وأنه إذا آلمته إساءاته فليتذكر ما فيه من حسنات، والله تعالى يقول: "فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا", ويقول النبى - صلى الله عليه وسلم -: "لا يفرك مؤمن مؤمنة"، إن كره منها خلقا فقد رضى منها آخر، أى لا يكره زوج زوجته إن ساءه منها جانب فليتذكر ما فيها من محاسن المعاشرة وما تؤديه للزوج وللبيت وللأولاد من خدمات لا يمكن أن تستمر الحياة دونها. وعلى الزوجين أن يتذكرا مآلات فشلهما فى استمرار الحياة الزوجية، إنه تدمير الأولاد وتشريدهم، ولا شك أن تشريد الأولاد يفسر منظومة الحياة، ويخالف مقصود الله من خلافة الأجيال بالنشء الصالح الذى يقدر مهمته ويجد الطريق ممهدا لأداء واجبه كما يريد ربه، إن الذين لا يحافظون على أزواجهم (أزواجا وزوجات) ويتسرعون في تدمير الأسرة وخراب البيت يخالفون مقصود الله، ويسيئون استعمال حقوق الزوجية ويتعجلون الثأر لأنفسهم دون تبصر للمآلات أو اعتبار للعواقب، ودون مراعاة لمقصود ربهم، أو الخشية منه، وهذا لا يصح ولا يليلق.