ناشد الأزهر الشريف الدول الكبرى، أن تثبت بأفعالها أنها "أداة" لإطفاء نيران الإرهاب، والاقتتال والخراب والدمار، وخاصة في المنطقة العربية المنكوبة، وأنها ليست داعمة - ولو بصمتها وتجاهلها على الأقل - لما يمكنها القضاء عليه على وجه السرعة، إن شاءت.
ودعا - خلال كلمة ألقاها عباس شومان، وكيل الأزهر، اليوم الثلاثاء أمام مؤتمر "حوار السلام" المنعقد حاليا في العاصمة النمساوية (فيينا ) بدعوة من مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار"كايسيد"، وبمشاركة قيادات دينية رفيعة المستوى من مختلف دول العالم - المجتمع الدولي إلى الإيمان بالتعددية الفكرية، والبعد عن سياسة "إقصاء الآخر" أو التضييق عليه، لافتا إلى أن "وثيقة" الأزهر الشريف للحريات العامة الصادرة عام 2012، ومنها حرية المعتقد، تكون نموذجًا يحتذى به في هذا الإطار.
ونبه شومان في كلمته التي جاءت تحت عنوان "تعزيز التعايش السلمي والمواطنة المشتركة"، إلى ضرورة توقف القوى الساعية للهيمنة والسيطرة عن استغلال التنوع الديني والمذهبي والعرقي كسلاح فكري داعم، بل موازٍ لأسلحتها العسكرية المدمرة، مؤكدا أن القهر والظلم وفرض الوصاية على الدول والشعوب لا يولد سلامًا ولا استقرارًا، وأن القوى "المتغطرسة" في العالم ستكوى بنيران ما صنعت يومًا.
وشدد على أهمية أن يطلع الباحثون عن تعزيز السلم ودعم "العيش المشترك" على تجربة "بيت العائلة المصرية"، والاستفادة من أنشطته وبرامجه، ولاسيما في الدول متعددة الديانات والثقافات.
وأكد أننا كمسلمين نؤمن بأن التعدد الديني والاختلاف المذهبي إرادة آلهية وسنة كونية؛ مدللا على قول الله تعالى في كتابه الحكيم "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ" .
وجدد التأكيد على أن الاختلاف الديني لا ينبغي أن يكون سببًا للعداء أو الصراع بين أتباع الأديان، كما أن التعدد المذهبي بين أتباع الدين الواحد هو باب للتيسير على الناس وليس لإيقاع الشقاق والعداء، أو مدخلًا للنزاع والاقتتال في محاولة لفرض مذهب بعينه على الناس فرضًا.
وأعرب شومان في سياق كلمته، عن إيمان الأزهر الشريف بأحقية كافة البشر في العيش بسلام وأمان مهما اختلفت دياناتهم وتعددت أعراقهم، منوها إلى أن الأزهر على يقين بإمكانية العمل المشترك في ظل اختلاف العقائد وتنوع الثقافات، انطلاقًا من القيم الإنسانية المشتركة التي لا تختلف بين أتباع الديانات والثقافات.
ونوه إلى مشروع "بيت العائلة المصرية" الذي يجمع الكنائس المصرية والأزهر الشريف في كيان وطني واحد يقع مقره في قلب مشيخة الأزهر، ويتناوب على رئاسته شيخ الأزهر، وبابا الكنيسة الأرثوذكسية، وتتفرع عنه لجان للتعليم والإعلام والمرأة والشباب وغيرها.
وقال: إنه نظرًا للنجاح الكبير الذي حققه "بيت العائلة المصرية" تم إنشاء عدد من الفروع في كثير من المحافظات، كما تجري دراسة إنشاء فروع أخرى في عدة دول ترغب في الاستفادة من تجربة "بيت العائلة المصرية" وذلك في الوقت الراهن، حيث تجاوزت إنجازاته المجتمع المصري؛ إذ شارك في عدة أنشطة مهمة خارج الحدود المصرية، كان من أبرزها إرسال وفد إلى أفريقيا الوسطى تلبية لطلب من رئيستها السابقة، وتحقيق "مصالحة تاريخية" بين الفرقاء هناك.
وأضاف، أنه إيمانًا من الأزهر الشريف بإمكانية العمل المشترك بين أتباع الديانات المختلفة، بل أتباع الحضارات الإنسانية جميعًا، يقود شيخ الأزهر الشريف بنفسه حوارات فكرية "راقية" مع الكنائس الغربية والشرقية على السواء، ويقوم بجولات خارجية تاريخية، مشيرا إلى زياراته لكنيسة "كانتربري" و"مجلس الكنائس العالمي" و"الفاتيكان" وغيرها من الجولات والزيارات المثمرة.
ولفت إلى استقبال الأزهر الشريف وفودً تمثل مختلف الديانات والثقافات، وتنطيم ملتقيات وورش عمل دعا لها مركز الأزهر لحوار الأديان.. موضحا أن أبرز هذه الزيارات هي زيارة البابا "فرانسيس" بابا الفاتيكان واستقبال شيخ الأزهر له في قلب مشيخة الأزهر، ومشاركته بكلمة مهمة في مؤتمر الأزهر للسلام الذي نظمه الأزهر الشريف العام الماضي، وذلك انطلاقا من حرص الأزهر الشريف على إرساء مبادئ العيش المشترك وقبول الآخر، وتعزيز ثقافة الحوار، وترسيخ قيم المواطنة والتعايش السلمي والتعددية الفكرية، ولعل المتابع لمؤتمرات الأزهر الشريف المحلية والعالمية يلحظ حضورًا مكثفًا للإخوة المسيحيين من مختلف الكنائس الشرقية والغربية.
وحذر وكيل الأزهر من أن ما أنفق وينفق على شراء السلاح، وإعداد الخطط الممنهجة للخراب والدمار في المنطقة العربية فقط - وليس في كافة أرجاء المعمورة - كفيل بحل مشاكل الجوع والفقر والمرض والجهل، التي يعاني منها ما لا يحصى من البشر، فضلًا عن الحاجة إلى أضعاف ما ينفق على التدمير والخراب لإعادة البناء والإعمار إن هي توقفت آلات التدمير تلك.
واختتم: "نحن أتباع الديانات الإبراهيمية نتفق جميعًا على أهمية السلام بين البشر، ونجرم كل صور الاعتداء على الإنسان مهما كان دينه أو موطنه، فما من جرم أعظم من قتل النفس البشرية التي هي بنيان الرب وصنعته، مشيرا إلى أن الدين الإسلامي الحنيف يجعل قتل نفس واحدة كقتل الناس جميعًا، مستشهدا بآيات من القرآن الكريم".