قال الإمام الأكبر
الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن المعجزة ليست مما يقع تحت قدرة النبي؛ وإنما هي
أمر يخلقه الله على يد النبي وتعبر عن قدرة الله عز وجل، موضحا أن المستحيلات على قسمين،
مستحيلات عادية تحيلها العادة فقط، أي أنها مستحيلة على مستوى العادة والواقع، لكن
على مستوى العقل والتصور يمكن حصولها ووقوعها، ومستحيلات عقلية يحيلها العقل على مستوى
التصور الذهني، وتحيلها العادة والواقع من باب أولى.
وأضاف فضيلته خلال
برنامج "الإمام الطيب"، أن المعجزات هي من قبيل المستحيل العادي، وإن كانت
مستحيلة وبعيدة على مستوى العادة، إلا أنها تدخل في قسم الممكنات التي لا يرى العقل
بأسا في تصور حدوثها، مشيرا إلى أن الذين ينكرون المعجزات ويقولون إنها مستحيلات عقلية؛
يغفلون عن طبيعة المعجزة، ويخلطون بين الاستحالة العادية التي يمكن أن تتخلف، والاستحالة
العقلية التي لا يمكن أن تتخلف بحال من الأحوال.
وأوضح فضيلة الإمام
الأكبر، أن جميع معجزات الأنبياء السابقين على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي معجزات
حسية؛ كالعصا والآيات التسع بالنسبة لموسى عليه السلام، وإحياء الموتى وإبراء الأكمه
بالنسبة لعيسى عليه السلام، حيث كانت معجزات محصورة في أماكن معينة وأزمان معينة أيضا؛
لأن رسالات الأنبياء السابقين لما كانت رسالات خاصة بشعب معين، ولها أجل محدود؛ جاءت
معجزاتهم حسية تتناسب مع محدودية الرسالات التي كلفوا بها.
وأشار فضيلته،
إلى أن رسالة النبي ﷺ لما كانت رسالة
عامة للناس جميعا، ورسالة خاتمة وباقية بقاء النوع الإنساني؛ كانت معجزته الأولى معجزة
عقلية؛ تتصف بصفتين أساسيتين هما، العموم لجميع الناس ولجميع الجن أيضا، والاستمرار
إلى آخر الزمن؛ وذلك حتى تظل برهانا مستمرا على رسالته ﷺ، وعلى عموم رسالته واستمرارها كذلك، وهذه المعجزة
العقلية هي القرآن الكريم.
وبين فضيلة الإمام
الأكبر، أن وجه الإعجاز في القرآن يكمن في ثلاثة أمور، أولها أنه بلغ في روعة الأسلوب
وجمال البيان ودقته مستوى سجد له أئمة الفصاحة والبلاغة من قريش، ومن غير المؤمنين
به والمتبعين له، وقد أحسوا هم أنفسهم بأن الكلام الذي يتلوه النبي ﷺ على مسامعهم لا يتشابه مع ما ألفوه من أساليب
البيان، لا في قليل ولا كثير، واعترفوا بأنه من مستوى آخر يعلو فوق مستوى كلام الإنس
والجن.
وتابع فضيلته، أن وجه الإعجاز الثاني هو أن القرآن
أخبر عن أمور غيبية لم تكن حدثت وقت إخبار النبي ﷺ بها، ثم حدثت بعد ذلك، وعلى الوجه الذي تلاه
عليهم القرآن، وكذلك أخبار السابقين التي لم يكن يعرفها أحد في المجتمع آنذاك، ولم
يكن النبي ﷺ يعرف عنها شيئا
قبل أن ينزل عليه الوحي بهذه الأخبار فقد كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، وكانت بيئته العربية
بيئة وثنية لا تعرف شيئا من كل ذلك، مبينا أن الإعجاز الثالث هو ما تضمنه القرآن من
تشريعات اجتماعية، ومن قيم ومفاهيم عن الإنسان والكون والعلاقات الاجتماعية، لم تعرف
البشرية حتى الآن مثيلا لها في دقتها وشمولها وعدلها وإنصافها.
واختتم فضيلة الإمام
الأكبر حديثه، بأن هناك نوعا آخر من الإعجاز القرآني، هو إعجاز اللغة القرآنية التي
صمدت وستصمد على وجه الزمان، وهذا إشكال يمثل شوكة في حلوق الذين يريدون أن يهدموا
اللغة العربية وما زالوا يخططون لذلك، مؤكدا أن اللغة العربية مستحيل أن تندثر، لكنها
تضعف بضعف أهلها والمتحدثين بها، وتقوى بهم فقد كانت في يوم من الأيام هي اللغة العالمية،
وهذا إعجاز يتحدى الزمن والحضارات.