السبت 23 نوفمبر 2024

٦٣ عاماً على ثورة المليون شهيد الجزائر تاريخ بدم الشهيد

  • 21-3-2017 | 10:52

طباعة

الجزائر بلد كبير، هو أكبر الدول الإفريقية مساحة، ومن أكبر الدول العربية قدرة على الفعل الدولى، وأداء للدور العربى فى القارة الإفريقية، والجزائر بلد ثائر قدم فى سبيل الوطن مليونا ونصف المليون من الشهداء، وهو بلد خاض معركة الدفاع عن الهوية واستعاد لغته على نحو لم يحدث فى الغالبية العظمى من الدول التى استعمرتها فرنسا، وهو لم يكن بلداً كبيراً بسبب هذا فقط، بل إنه منذ التاريخ القديم عرف حضارة نوميديا كما عرف امتداد النفوذ الرومانى على أرضه، وقاومه مقاومة شديدة، فضلاً عن أنه لم يدخل فى الإسلام إلا بعد تفاعل خلاق مع العرب الوافدين.

كانت للجزائر شخصيته الحضارية التى دافعت عن الإسلام فى عصر الحروب الصليبية المتأخرة. وفى العصر العثمانى كان الجزائر من البلاد التى طلبت معونة الدولة العثمانية فحلت قوات هذه الدولة البحرية فى موانيها، وأخذت منها تنطلق للتوسع فى اتجاه المغرب، وأيضا لمجابهة عمليات القرصنة الأوربية وفى غرب ووسط البحر المتوسط، وقد كان من قدر الجزائر أن حمل لواء الجهاد ضد الأوربيين من ناحية، كما حمل عبء استضافة أبناء الأندلس بعد طردهم من شبه الجزيرة الأيبريية. وقد شكل كل ذلك شكل الجزائر فى العصر العثمانى حيث كانت من حيث الوزن والقيمة الولاية الثالثة من حيث الأهمية بعد ولايتى الدولة الكبيرتين وهما الأناضول والروم، وقد كان ذلك من أسباب تنامى مساحة الدولة باعتبارها تحتل المكانة الأولى بين الولايات التابعة للدولة العثمانية قاطبة لاسيما الولايات العربية منها.

وقد واجهت الجزائر اعتداءات أسبانية وفرنسية، كما كان من أوائل الدول تعرضا للاستعمار الأوربى الحديث حيث احتلته فرنسا فى العام ١٨٣٠، وهى الحملة التى نتجت عن خلافات بين الدولتين بشأن أسعار السلع والمنتجات التى تشتريها فرنسا من الجزائر، وقد قاوم الجزائريون بقيادة الأمير عبد القادر مقاومة شديدة واستمروا من بعده يواجهون الفرنسيين بالرفض بيد أن إجراءاتهم كانت من الحدة والعنف بحيث أصابت مشاعر المواطنين الجزائريين بقدر هائل من الإحباط.

وقد اتسمت إدارة الاستعمار الفرنسى فى الجزائر وفى غير الجزائر بممارسات تقوم على القسر والعنف والاضطهاد باعتبار أن للفرنسيين رسالة حضارية فى مجابهة «البرابرة العرب والأمازيغ»، كما أن فرنسا لم تقم وزناً للتاريخ الحضارى الطويل الممتد لكل دول المغرب العربى قبل أن تنشأ الدولة القومية الفرنسية، وهو تاريخ لا يمكن أن ينسب الأداء الفرنسى المعاصر إلى شىء وجيز منه بأية نسبة.

وكان من أسس السياسة الفرنسية اعتبارا من تعلم الفرنسية وغير ملته الإسلامية مواطنا من الدرجة الثانية، بينما يحل من أبى ذلك مواطنا من الدرجة الثالثة، أما هم فتربعوا على قمة الإدارة فى البلاد معتبرين أن من تفرنس من عرب وأمازيغ ويهود هم أداة السيطرة المباشرة التى تحتك يوميا بالجزائريين، وقد جرى تجنيد هؤلاء واستخدامهم ضد مواطنيهم على نحو أوقع أضرارا بالغة بحياة البشر كما أدى إلى حالة من الإحباط المستمر لكل جيل جزائرى يولد تحت الاحتلال.

ومع ذلك لم يخل الجزائر من مواطنين مكافحين فقبل أن تحل الذكرى المئوية الأولى للاحتلال كان الشعب الجزائرى يتململ لاسيما وقد اقتيد مرتين إلى جبهات القتال الأوربية فى الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقد أنتج هذا التململ تكوين جمعية العلماء المسلمين بقيادة الشيخ عبد الحميد بن باديس والذى امتلك الجرأة لكى يصرخ: القرآن دستورنا، والإسلام ديننا، والعروبة لساننا. فجسد هوية الجزائر فى مقابل المستعمرين الفرنسيين وشكل تحديا جسيما لمحاولاتهم طمس هذه الهوية واتباع أسلوب القسر فى الفرنسة بغرض استيعاب الجزائر فى الثقافة الفرنسية وتنميط المواطنين على غير ما نشأوا عليه ومن هذه الجمعية بدأت روافد عدة تتجمع حتى نشأ منها مكتب المغرب العربى بالقاهرة فور تأسيس جامعة الدول العربية، والتى بدأت العمل من أجل إعادة إبراز الهوية العربية لبلاد المغرب كلها من غرب مصر إلى موريتانيا، وهو الأمر الذى أدى إلى حد كبير إلى وحدة النضال المغاربى انطلاقا من القاهرة، ثم كانت ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ التى فعلت دور القاهرة عبر نداءات الزعيم جمال عبد الناصر والتى التقطت سواء من المجاهدين الجزائريين أم من البيت الحاكم فى المغرب، أم من الحبيب بورقيبة فى تونس، والذى أدى إلى تطورات عاصفة ليس فقط نشأة حركة التحرر فى هذه الدول، لكن أيضا فى وحدتها الفكرية ووحدتها الحركية.

يأتى هذا العدد التذكارى من «المصور» احتراماً لمناضلى الجزائر وللصلة المغاربية وللدور المصرى فى خدمة الثورة الجزائرية وللتفاعل الخلاق بين الجزائر والقاهرة، والذى كان جزءا من كل عربى يتحرك فى مرحلة الثورة وزخمها الناصرى وغير الناصرى الذى نجح فى طرد المستعمرين جميعا من الأرض العربية، ولما لم يكن من المستطاع أن يكون التحرر أمراً سهلا ميسوراً يمضى بلا ثمن فقد دفعت جموع المواطنين الجزائريين ثمنا فادحا بسقوط الشهداء على نحو غير مسبوق فى المنطقة العربية بل وفى العالم ما عدا تجربة فيتنام المريرة مع الفرنسيين ثم الأمريكان. كما لم تمر القاهرة بدون عقاب وإنما تعرضت للعدوان الثلاثى على نحو أدى إلى تدمير كامل لمدينة بورسعيد الباسلة، والتى صارت مثلها مثل الجزائر بلادا مخربة تحتاج إلى سنوات طوال من أجل النهوض من جديد.

يتناول هذا العدد الخاص مجموعة من المقالات كتبها أكاديميون يراجعون فيها خلفية تاريخية لكل من الاستعمار الفرنسى والأمير عبد القادر الجزائرى، وجمعية العلماء المسلمين، وتكوين جبهة التحرير، ونشأة وتطور جبهة التحرير من حيث (الهيكل- صلاتها العربية والدولية- عبد الناصر وجبهة التحرير- انطلاق الكفاح المسلح)، وجبهة التحرير بين الكفاح المسلح والتفاوض، والجزائر وعبد الناصر (الدعم المتبادل)، ودور الجزائر فى إفريقيا والعالم العربى.

ونسترجع فى هذا العدد سيرة وصور المناضلين وقادة العمل الوطنى الجزائرى بالداخل ورصد نشاط قادة الحركة الوطنية الجزائرية بالخارج ومتابعة تطورات المفاوضات ويجسدون مطامع فرنسا فى تقسيم الجزائر بين مناطق أمازيغية ومناطق عربية ومناطق صحراوية، ويشكلون حركة الرفض الثورى للشعب الجزائرى، كما يجسدون الثمن الفادح الذى دفعه الجزائريون من أجل الاستقلال، وتحرير بلادهم والخلاص التام سواء من المستعمر الفرنسى المحتل أو من المستوطنين الذين يسيطرون على مقدرات البلاد.

ونرصد بالكاميرا كيف كان العنف الثورى ردا حاسما على العنف الاستعمارى، وكيف أن فرنسا حاولت عن طريق الالتفاف وطرح دستور ديجول وحكومته الفرنسية الرابعة، الالتفاف على الحركة النضالية إلى أن أنجز الجزائريون مطالبهم وحققوا خلاصهم.

وكذا نلقى الضوء على مراحل تطور العلاقات المصرية الجزائرية وصولاً للرئيسين عبد الفتاح السيسى وعبد العزيز بوتفليقة

 

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة