الأربعاء 26 يونيو 2024

القاهرة حاضنة الإبداع تزدان بالملتقى الدولي لفنون الخط العربي

فن24-10-2018 | 09:43



تتجلى العلاقة الفريدة بين القاهرة المعزية والحرف العربي في "ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي" الذي بدأ أمس "الثلاثاء" ويستمر حتى الثالث من شهر نوفمبر القادم.

وكانت وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم قد افتتحت مساء أمس الدورة الرابعة لملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي التي يشارك فيها 56 فنانا من الخطاطين المصريين جنبا الى جنب مع 48 فنانا من الخطاطين في العالم العربي وشتى أنحاء العالم في تعبير ثقافي عن الأفاق العالمية لهالات الحروف العربية. 

وإذ اختيرت الصين لتكون ضيف الشرف في الدورة الرابعة لهذا الملتقى الدولي التي يشارك فيها عشرات الخطاطين والفنانين التشكيليين من 28 دولة ، فإنه من حسن الطالع ان يتزامن هذا العرس الثقافي في قاهرة المعز والذي ينظمه صندوق التنمية الثقافية بالتعاون مع الجمعية المصرية للخط العربي مع قرار اتخذته وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم باستئناف عقد دورات "بينالي القاهرة الدولي للفنون التشكيلية" والذي عقدت آخر دوراته في عام 2010.

ومن المقرر حسب بيان لوزارة الثقافة أن تعقد الدورة الجديدة لبينالي القاهرة الدولي للفنون التشكيلية والتي ستكون الدورة الثالثة عشرة في شهر أبريل القادم بعنوان "نحو الشرق" لتعزز من توهج الخارطة الثقافية المصرية المضاءة الآن بالدورة الرابعة لملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي المتصلة اتصالا وثيقا بالفنون التشكيلية والهوية البصرية وعلم الجمال. 

وفيما تتوهج هالات الحرف العربي في قاهرة المعز عبر حالة من الزخم الثقافي لفنون الخط العربي التي تعد من أهم مكونات الهوية العربية الإسلامية الأصيلة ، فالى جانب مصر تشارك 27 دولة في الدورة الرابعة لملتقى القاهرة الدولي لفن الخط العربي وهي المغرب والجزائر وتونس والامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت والعراق ولبنان وسوريا والأردن وفلسطين ونيجيريا وماليزيا وتركيا واندونيسيا والهند وباكستان وبنجلاديش وتايلاند وبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة وبولنداوسنغافورا وتايلاند وكمبوديا فضلا عن الصين وهي "ضيف الشرف".

ولئن أقيمت الدورة الحالية لملتقى القاهرة الدولي لفن الخط العربي في قصر الفنون بساحة الأوبرا فان "الندوات العلمية" لهذا الملتقى تعقد بعنوان "هوية أمة وابداع فنان" وتتضمن 35 بحثا اعتبارا من اليوم "الأربعاء" وحتى السادس والعشرين من شهر أكتوبر الجاري في سينما الهناجر القريبة للغاية من المقر الرئيس للفعاليات .

وإذ تحمل الدورة الحالية لملتقى القاهرة الدولي لفن الخط العربي اسم احد ابرز شيوخ فن الخط العربي وهو الخطاط والشاعر والروائي سيد إبراهيم فان هذا المبدع المصري الذي ولد في عام 1897 وقضى في عام 1994 انما يعبر بمواهبه المتعددة عن حقيقة التواشج الإبداعي بين فن الخط العربي وغيره من الفنون.

ومن هنا ليس من الغريب "في ظل هذا التواشج الإبداعي" ان تشهد مثلا مهرجانات الموسيقى العربية في مصر معارض للخط العربي وهو ماحدث في العام الماضي عندما تضمنت الدورة السادسة والعشرين لمهرجان الموسيقى العربية بالقاهرة معرضين للخط العربي فيما اعتبرت وزيرة الثقافة ايناس عبد الدايم والتي كانت حينئذ رئيسة دار الأوبرا المصرية أن هذا الحضور لفن الخط العربي الى جانب بساتين النغم منح المهرجان الكثير من التميز.

وهكذا شهد المهرجان الأخير للموسيقى العربية الذي عقد في اول أسبوعين من شهر نوفمبر الماضي بدار الأوبرا في القاهرة افتتاح معرضين لفنون الخط العربي كما شهد هذا المهرجان تكريم فنان الخط العربي احمد عبد الفتاح البشلي الذي يعد الآن احد المبدعين المصريين الكبار في هذا الفن العربي بمكانته العالية وموقعه الفريد في عالم الفن والابداع.

اما الخطاط والشاعر والروائي الراحل سيد إبراهيم الذي اطلق اسمه على الدورة الحالية لملتقى القاهرة الدولي لفن الخط العربي في "قصر الفنون بساحة الأوبرا" فهو صاحب العديد من المؤلفات في فنون الخط العربي فضلا عن الرواية والشعر وتتلمذ على يديه العديد من ابرز الخطاطين المصريين والعرب في القرن العشرين.

وفي سياق هذا الملتقى الدولي الحاشد لفنون الخط العربي بالقاهرة تعرض 53 لوحة من اعمال فنان الخط العربي سيد إبراهيم في معرض وصفه المنظمون بحق بأنه "اكبر معرض استعادي" لابداعات أحد أهم شيوخ الخط العربي في مصر العربية.

وكان "ملتقى القاهرة الدولي الثالث لفنون الخط العربي" قد عقد في شهر أغسطس من العام الماضي وحملت دورة ذاك الملتقى الذي شارك فيه فنانون اجانب الى جانب الفنانين المصريين والعرب اسم شيخ اخر من شيوخ الخطاطين المصريين وهو الفنان الراحل محمد عبد القادر الذي قضى عام 1997. 

وفيما يستعيد عشاق الخط العربي مع الملتقى الرابع بالقاهرة ابداعات شيوخ الخطاطين مثل سيد إبراهيم ومحمد عبد القادر تشهد الدورة الحالية أيضا تكريم الفنانين محمد رطيل وخليفة الشيمي من مصر مع المغربي محمد عبد الحفيظ خبطة والاماراتي عبد العزيز المسلم.

وفي تعبير ثقافي فني عن التمسك بالهوية والأصالة اتجه فنانون تشكيليون عرب "لاستخدام الحروفية التي تعتمد على تشكيل الخط العربي ومرونته" وهو ما يتجلى في أعمال للفنان التونسي نجا المهداوي والفنان السعودي محمد العجلان فضلا عن الفنان المغربي فريد بلكاهية الذي يستخدم الخامات الطبيعية في البيئة المغربية للتعبير الفني.

ولا يمكن أيضا تناسي أسماء فنانين عرب اسهموا بزخم ابداعي في اثراء فنون الخط العربي مثل السوري منير الشعراني والكويتي فريد عبد الرحيم العلي والتونسي عامر بن الهادي بن جدو والمغربي حميد الخربوشي. 

وفيما يوضح فنانون في الخط مثل خضير البورسعيدي رئيس الجمعية المصرية للخط العربي والدكتور محمد التابعي الجريتلي وهو أستاذ جامعي متخصص في جراحة العظام ان الكتابة العربية بحروفها المتصلة تجعلها قابلة لاكتساب أشكال هندسية مختلفة من خلال "المد والرجع والاستدارة والتزوية والتشابك والتداخل والتركيب" ، فإن فناني الخط العربي في مصر يقدمون ابداعات مبهرة وبعضها ينتمي "للحالة التجريبية الحروفية".

وإذ أشادت بالأعمال المشاركة وتنوع مدارسها وتعدد أجيالها ، رأت وزيرة الثقافة ايناس عبد الدايم لدى افتتاحها الدورة الرابعة لملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي ان تلك الكوكبة من الفنانين المشاركين بأعمالهم في الملتقى انما تؤكد بابداعاتها على قوة الفنون التراثية وقدرتها على الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في تطوير قدراتها الفنية. 

ويمضي الجيل الحالي من فناني الخط العربي في مصر قدما مطورين بتعبيرات ابتكارية عطاء الآباء في هذا الفن ومستندين لمخزون ثقافي حاشد بالذاكرة الحروفية ليقدموا للعالم الخط العربي كفن يجمع بين الأصالة والمعاصرة دون أدنى تناقض او افتعال.

والمدرسة المصرية في الخط العربي بأسماء شيوخها الكبار والأجيال اللاحقة بأسماء مثل الفنان احمد عبد الفتاح البشلي تبرز جماليات الخط العربي بين التراث والمعاصرة فيما لمدرستي الخطوط في "الجيزة وباب اللوق" تقديم المزيد من الموهوبين في الأجيال الصاعدة 

وإذا كانت الثقافة العربية "من الثقافات الأم في تاريخ الحضارة الإنسانية" فلاريب ان فنون الخط

العربي تشكل أحد أهم ملامح الفضاء الجمالي للثقافة العربية على مستوى الشكل والمضمون كما أنها علامة دالة في "قراءة الذات الحضارية العربية".

والحرف العربي وشيجة من أقوى الوشائج بين بلدان الأمة العربية الواحدة وهو ايضا جسر من الجسور المهمة التي تربط الأمة العربية بشعوب شقيقة وصديقة كما تظهر دراسة للباحث المغربي سعيد عبيد تناول فيها حضور الحرف العربي في لغة سكان جزيرة مدغشقر التي تقع قبالة الساحل الجنوبي الشرقي لافريقيا.

ويوضح سعيد عبيد ان الحرف العربي ظاهر في لغة "سواربيي" بمدغشقر او "الكتابة الجليلة" . مشيرا الى أن الأمر يتصل بآيات القرآن الكريم والتفاعل الحضاري التاريخي بين العرب وأبناء تلك الجزيرة الذين يحفظون ارثهم العربي الإسلامي وفي القلب منه "الحرف العربي القرآني". 

فالخط العربي من الفنون الراسخة في التعبير عن الهوية العربية والاسلامية بقدر ما يعبر عن حالة نادرة من حالات الفن البصري المعاصر بعد أن اتجه مبدعوه للتجريد واقامة علاقات تشكيلية متفردة بين سمو الحرف العربي وشموخه وقدرته على المد والبسط والاستدارة والاستطالة والتضاغط والتخلخل.

كما تتجلى هذه العلاقات التشكيلية بين كتلة الحرف العربية المصمتة والمشحونة بالحركة احيانا وبين الفراغ المحيط بها ناهيك عن قدرة الحرف العربي على اقامة علاقات متفردة ومدهشة بين الظل والنور والخط واللون في تناغم موسيقي صوفي حالم.

ويبرهن الخط العربي كفن على مدى جاذبيته بمشاركة العديد من الفنانين الأجانب معارضه وملتقياته وفي طليعتها ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي كما ان بعض الكيانات الثقافية الهامة في أوروبا مثل معهد العالم العربي في باريس تحرص في أنشطتها الثقافية المتصلة باللغة العربية على إقامة معارض لفنون الخط العربي وكذلك تحرص بعض المتاحف الكبرى في العالم كالمتحف البريطاني على اقتناء مجموعات من لوحات فن الخط العربي ومايعرف "بالتشكيليين الحروفيين".

وفي ملتقى القاهرة الحالي لفن الخط العربي الذي يشارك فيه بعض الفنانين الخطاطين من دول غير عربية تتجسد معاني الحوار التفاعلي بين الثقافة العربية والثقافات الآخرى والتطلع المشترك لاستشراف المستقبل بزخمه العلمي والتقني كما يستمتع الزائر بالهامات الحرف العربي للفنانين بلوحات تمزج مابين الأصالة والمعاصرة. 

وفيما يمضي الجيل الحالي من فناني الخط العربي في مصر قدما مطورين بتعبيرات ابتكارية عطاء الآباء في هذا الفن ومستندين لمخزون ثقافي حاشد بالذاكرة الحروفية ليقدموا للعالم الخط العربي كفن يجمع بين الأصالة والمعاصرة دون ادنى تناقض او افتعال تؤكد الدكتورة ايناس عبد الدايم حقيقة ان" سحر الحرف العربي تجاوز الحدود الإقليمية منطلقا لفضاء الابداع العالمي".

واذا كان السؤال هو محفز الابداع فان ملتقى القاهرة الدولي الحالي لفن الخط العربي يشهد إجابات ثقافية فنية عبر ابداعات فناني الخط العربي في مئات اللوحات لآيات وأحاديث ومأثورات تنسج خيوط بناء بصري انساني منفتح على تجارب الآخرين مع تمسكه بالهوية..هذا ماتراه في قصر الفنون بالقاهرة حاضنة الابداع والمبدعين.

    الاكثر قراءة