الجمعة 27 سبتمبر 2024

تطور صورة المرأة فى عيون التشكيليين .. كانت رمزا للخصوبة والحب وأصبحت معبرا عن تناقضات وقضايا المجتمع

27-3-2017 | 09:33

كتبت : شيماء محمود

عبر المراحل التاريخية المهمة التى شهدتها مصر التى وثقتها ريشة الفنان وتمثال النحات المصرى على مر العصور .. رصدت بالطبع رؤية المجتمع للمرأة باعتبارها جزءاً منه وما يعكسه ذلك من تطور فكري بدأ منذ العصر الذي كانت فيه المرأة رمز الخصب للفنان البدائى وتطور واختلاف هذه الصورة حتى عصرنا الحالى.

رمزا للخصوبة

عندما أراد فنان ما قبل الأسرات أن يعبرعنها كرمز الخصب في تلك الحقبة صورت بمبالغات جسدية ضخمت الأعضاء الجنسية ليعزز بذلك فكرة الخصب لديها.

المرأة الآلهة

ومع ظهور المجتمعات الكبرى.. ذات الهياكل التنظيمية للأسرات الحاكمة.. وظهور المهن والتخصصات المتنوعة .. صاغ من دور المرأة طابعا مختلفا متخليا عن فكرة الخصب بمفرداته الجنسية ومبالغاته الجسدية الفطرية .. ومعبرا عن فكرة كمال الإلهة وسموها.. حيث بين أن الأنثى آلهة ملهمة الفنون والإبداع، شعرا أو نثرا أم نحتا أم تصويرا، الأنثى الكاملة دون مبالغات جسدية، بل اتسمت بالاختزال والتناسق والمثالية، ارتفعت بالجمال الجسدي إلى أسمى من القيمة المادية والدنيوية..كالآلهة إيزيس وحتحور ونفتيس..وتوجت ملكة على عرش مصر ليسجل معبد حتشبسوت ذلك وينفذ أبدع التماثيل لنفرتيتى وأبهى التصاوير لكليوباترا.

المستشرقون

وبعد أن يختفى شكل العمل الفنى تعود صورة المرأة العربية بالظهور جلياً في الفنون التشكيلية مع ازدهار الفن الاستشراقي في القرن التاسع عشر عبر العمل الفنى المؤطر ..ليعبر عن مرحلة الانبهار الكبير بالشرق وحضارته وألوانه

وكانت المرأة الموضوع الفني المفضّل، وتجلت في صور متعددة حفلت بها لوحات

المستشرقين وكان أبرزها حضوراً وأقواها وقعاً،للفنانين رمبرانت وأوجست رينوار وديلاكروا وهنري ماتيس.

وكانت لهذه الصورة التأثير الكبير على الذهن الغربي الذي اعتمدها كصورة أيقونية ثابتة لامرأة الشرق، كما كان لها بالتالي التأثير على الذهن العربي أيضاً في إضفاء ملامح أسطورية إغوائية على هذه المرأة.

العصر الحديث

حملت الأعمال فى البداية النكهة الكلاسيكية نظرا لتعلم الفنانين المصريين على يد الأساتذة الأجانب أو لسفر بعضهم لتعلم الفن فى أوروبا فتتلمذوا على لوحة الغرب وفي أكاديمياته وخاصـةً الأكاديميات الفرنسية والإيطالية.. ثم ليختار كل فنان أسلوبه للتعبير عن الهوية المصرية ويعد النحات محمود مختار، أول من عبر عن المرأة من خلال فنه و قدمها بشكل مميز وجديد غلب عليه الحس الوطني في أعماله .. فقد رمز لها بطباع بالطموح والصلابة والتحدى..ونراها أيضا رمزا لمصر ونهضتها في تمثاله "نهضة مصر".. ووصفها أيضا بالمرأة التي تحارب المجهول وتصارعه بقوة وصمود في تمثاله"الخماسين".

ومن أوائل الفنانين المشهورين المصريين في العصر الحديث هو الفنان محمود سعيد الذى صوَر الوجهاء من أصحاب النفوذ السياسى وزوجاتهم ذوات النظرة الفوتوغرافية الثابتـة لتأكيـد السلطة والجدية والجاه...لكن غلبت علي اعماله من جهة أخرى روح الجرأة والغموض،فقد قدم لأول مرة المرأة عارية تماما متجردة من جميع ملابسها ،وقد كانت بالتأكيد صدمة قوية للمجتمع المصري حينها ..حيث مثل المرأة ذات البشرة الناعمة ..المثيرة للانتباه ..ذات العيون الجريئة والأنوثة المكتملة..المضطجعة فوق السرير.

واحتلت المرأة حيزاً كبيراً من تاريخ الحياة التشكيلية، عنـدما وثق فنانو الرعيل الأول والثانى صورة المرأة الريفية في مهماتها المتنوعة والتي كانت تحمل إلى الناظر اطمئناناً لتعبيرها عن مفاهيم التراث، والثوب التقليدي الريفـي، والطبيعية القرويـة، ومحبة الأرض والحفاظ على التقاليد.

ومع بروز قضايا التحرر في العالم العربي، تحولت صورة المرأة الى رمـز لقضـايا الاستقلال والتحرر وأضحت صورة وطنية تحمل كل المعاني التي يكتنزها المجتمـع في مسيرته الوطنية ..كأعمال الفنان عبد الهادى الجزار الذى تميز بحس سياسي اجتماعي امتزج مع حس أسطوري شعبي ليخلق انثى من إبداعه الخاص وقد ساهم هو وفنانو جيله للنهوض من الاتجاهات الأكاديمية القديمة إلى الاتجاهات الحديثة وتوسيع خيال الفنانين في أعمالهم

ومع تنوع الاساليب والتيارات الفنية، يكاد كل فنان يخرج بمدرسة أو اسلوب خاص، ومع الميل اكثر فأكثر إلى الفكر المستند إلى تفتيت الموجودات الطبيعية ومنها الجسد الإنساني ..فما عاد يحمل نفس الصفة أو الدلالة الطبيعية مع انهيار صفة القداسة التي كانت تعطى إلى الجسد، وصلت إلى ظهور فنون توظف الجسد بطريقة وحشية.. كان الهدف منها نقل صورة الدمار وتحطم القيم الذى يجتاح المجتمع .

ومن هنا نجد أن اهتمام الفن التشكيلي با لمرأة لم يقتصر على ناحية واحدة فقط سواء فى الفن المصري القديم أو على امتداد الفن المصري الحديث بأكمله.. فكل عصر وكل مرحلة قدمها الفنان بشكل مميز ومختلف عن الآخر.