الإثنين 10 يونيو 2024

فلسطينيات شاركن في صنع التاريخ

30-3-2017 | 10:57

بيسان عدوان - كاتبة فلسطينية

 تتربع المرأة الفلسطينية على عرش التكريم في العالم العربي لمساهمتها في النضال السياسي طيلة سنوات النكبة منذ عام 1948 كمناضلة تارة وحارسة للهوية الفلسطينية تارة أخرى.

  قد لا يضيف مقالي شيئا يذكر في الحديث عن نساء فلسطين مقارنة بفلسطينيات اهتممن بهذا الحقل في الكتابة عن مسيرة المرأة الفلسطينية ونضالها والتوثيق لروايتهن عن التاريخ الفلسطيني خاصة في أحداث النكبة وما تلاها خلال الانتفاضة الأولى والثانية حتى الآن. لكن هناك قليلات أولين اهتماما بالتاريخ الفلسطيني قبل نكبة 1948 والتأريخ للرائدات الفلسطينيات في الحقلين السياسي والاجتماعي منهن على سبيل المثال د. فيحاء عبد الهادي الباحثة والسياسية الفلسطينية التي اهتمت من التسعينيات بالتأريخ الشفاهي الفلسطيني من خلال النساء في مشروعها "الرواة" الذي أماط اللثام عن دور المرأة الفلسطينية منذ عشرينيات القرن العشرين ومساهمتها في النضال الاجتماعي والسياسي بل والمقاومة ضد الاحتلال البريطاني والهجرة اليهودية منذ ذلك الوقت.

    شاركت المرأة الفلسطينية بفاعلية في النضال الوطني عبر التاريخ الفلسطيني، وتكلل إنتاجها عام 1921 بتشكيل أول اتحاد نسائي فلسطيني شرعي أسسته أميليا السكاكيني وزليخة الشهابي، حيث استطاعت المرأة من خلال الانطلاق والمساهمة في بناء المجتمع الفلسطيني من جهة والمشاركة في الدبلوماسية الفلسطينية ومناهضة الانتداب البريطاني والوقوف أمام الاستيطان الصهيوني في تلك الحقبة الحرجة حتى لو كانت أدوارهن صغيرة واقتضت جمع التبرعات وتضميد الجروح والأعمال اليدوية وبيعها لضمان توزيع ريعها للمؤسسات الخيرية والأيتام والفقراء.

   لا شك أن الكثير من النسوة الفلسطينيات شاركن في صنع التاريخ الاجتماعي والسياسي في فلسطين وهناك أسماء فلسطينيات صرن علما حين تذكر المقاومة الفلسطينية وشكلت المرأة الفلسطينية المناضلة أيقونة في النضال الفلسطيني بل تشكلت صورة نمطية عن فلسطينيات مناضلات ومجاهدات خاصة عندما كشفت الباحثات في التاريخ النسائي الفلسطيني عن أول تنظيم سري عسكري نسائي في فلسطين "زهرة الإقحوان" الذي ساهم في القتال ضد البريطانيين واليهود الصهاينة قبيل عام 1948 وخلال الحرب.

   كشفت الباحثات أيضا أسماء النساء اللاتي انخرطن في العمل المسلح في ثورة 1936 وبعدها وصولا لقتالهن جنبا إلى جنب مع المقاومة الفلسطينية والعربية ومشاركتهن في "جيش القدس" بقيادة الحاج أمين الحسيني. وناضلت رائدات العمل النسائي الفلسطيني عبر اتحادات النساء في فلسطين والوطن العربي خاصة مع المناضلة هدى شعراوي في الدفاع عن المسألة الفلسطينية في كافة المحافل الدولية والعربية منهن "صبا الفاهوم" رائدة العمل النسائي الفلسطيني في ثلاثينيات القرن العشرين، وغيرها كثيرات.

   هناك وجه آخر في فلسطين ظل لسنوات مستورا ولم يلفت الأنظار إلا بالآونة الأخيرة، هو مشاركة المرأة الفلسطينية في الحقل الثقافي والاجتماعي على نحو يعكس التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في فلسطين قبل عام 1948. ورسم أولئك النساء تاريخا حقيقيا للتطور الحضاري لفلسطين ليس منبت الصلة عن التطورات التي شهدتها البلاد منذ بدايات القرن العشرين في فلسطين والمنطقة. ذلك التطور الذي توقف وبتر عام 1948 لتشهد فلسطين والمنطقة سنوات طويلة من القطيعة الحضارية حتى الآن.

   برزت الفتاة الفلسطينية في الإذاعة والصحافة وقطاع التربية والفن والموسيقى والأدب والعلوم والتصوير الفوتوغرافي. وكان مجرد التفكير في انخراط المرأة في تلك المهنة محظورا. وأول امرأة فلسطينية انخرطت في مهنة التصوير الفوتوغرافي في عام 1913 هي كريمة عبود المولودة في الناصرة والتي احترفت المهنة في فترة مبكرة لتدخل التاريخ لافتقار النساء في تلك الفترة الحرية التي تتيح لهن الانخراط في كثير من المهن التي تحتاج إلى قدر من الحريات.

   كريمة عبود (18 نوفمبر 1896 ـ 1940)، أول مصورة فلسطينية. والدها هو القس سعيد عبود، وهي تنحدر من عائلة ذات جذور لبنانية تعود إلى بلدة الخيام الجنوبية. وقد نزحت العائلة إلى الناصرة في أواسط القرن التاسع عشر، ونشط بعض أفرادها في التبشير الإنجيلي. والتحقت في الناصرة بمراحل التعليم الأولى، والتحقت في القدس بالمرحلة الثانوية، وتلقت تعليمها الأكاديمي في بيت لحم مهد المسيح. وتعلمت حرفة التصوير على يد مصور أرمني في القدس، وشرعت في ممارسة المهنة منذ عام 1913. وكان والدها أهداها آلة تصوير فتعلقت بها وراحت تلتقط الصور للمدن والأماكن الطبيعية والمعالم التاريخية، ولأبناء عائلتها والأصدقاء. ثم افتتحت استوديو لتصوير النساء في بيت لحم، وكان من شأن هذا الاستوديو أن أتاح للعائلات المحافظة تصوير النساء بلا حرج. ثم افتتحت مشغلا لتلوين الصور وصقلها. وفي تلك الأثناء كانت تلتقط الصور المختلفة للمدن الفلسطينية الخمس: بيت لحم وطبرية والناصرة وحيفا وقيصرية. وانتشرت صورها بالتدريج في منازل العائلات المترفة في دمشق والسلط وبيروت والشويفات. وأمكن العثور على مجموعة ثانية لها تعود إلى سنة 1913، وهي تتألف من صور التقطت داخل الاستوديو لنساء بأزيائهن الجميلة.

   كان لكريمة عبود دور كبير في تلك المهنة التي كانت دخيلة على المجتمع العربي الشرقي، خاصة أن الكثير من العائلات المحافظة لم تكن تقبل بأن تظهر على عدسات هذا الاختراع الغريب باستثناء بعض العائلات العريقة التي كانت تتبناها بالتصوير الجماعي وهو ما تثبته الصور القديمة لبعض عائلات القدس ويافا وحيفا وحتى غزة في أيام الانتداب البريطاني.

   مي زيادة (1886 ـ 1941) أديبة وكاتبة فلسطينية - لبنانية، وُلدت في الناصرة عام 1886، وهي ابنة وحيدة لأب لبناني وأم فلسطينية أرثوذكسية. تلقت دراستها الابتدائية في الناصرة، والثانوية في عينطورة بلبنان. انتقلت مع أسرتها للإقامة في القاهرة عام 1907. ودرست في كلية الآداب وأتقنت تسع لغات منها الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألمانية ولكن معرفتها بالفرنسية كانت عميقة جدا وكتبت بها شعرا. في القاهرة، عملت بتدريس اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وتابعت دراستها للألمانية والإسبانية والإيطالية. وفي الوقت ذاته، عكفت على إتقان اللغة العربية وتجويد التعبير بها. فيما بعد، تابعت دراسات في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة في جامعة القاهرة.

   كان للمرأة الفلسطينية حضورها البارز في إذاعة "هنا القدس" ليس من خلال مضمون البرامج فقط، وإنما من خلال الإعداد والتقديم والغناء والتمثيل أيضا، فقد برزت المطربة ماري عكاوي، ومقدمة برامج الأطفال هنرييت سكسك فراج المعروفة باسم الآنسة سعاد، والأستاذة ماري صروف شحادة، والكاتبة الروائية نجوى عارف قعوار، والسيدة قدسية خورشيد، والكاتبة والمترجمة أسمى طوبي، إضافة إلى الرائدة في الإعلام النسائي والمذيعة المتألقة فاطمة البديري، والتي عملت مع زوجها الشاعر والإذاعي القدير عصام حماد في إذاعة القدس حتى لحظة إغلاقها، لينتقلا بعد ذلك إلى مرحلة الإسهام في إنشاء إذاعات عربية أخرى كالإذاعة الأردنية ثم السورية فاللبنانية ثم الإذاعة العربية من برلين الشرقية.

   تعدّ المذيعة المقدسية فاطمة موسى البديري (1923 ـ 2006) من أوائل الإعلاميات في الوطن العربي، بعد أن قبلت في إذاعة فلسطين الأولى «هنا القدس» التي افتتحت في مارس 1936، لتكون ثاني إذاعة عربية ولتصبح قبلة لكل الفنانين العرب ومنارة لنشر الثقافة ومعملا لصنع الكفاءات الإعلامية التي ساهمت فيما بعد في صناعة الإعلام الإذاعي والتلفزيوني في العديد من الأقطار العربية كالأردن وسوريا ولبنان ومصر والعراق. وهي أول مذيعة عربية ينقل الأثير صوتها وأول سيدة تجلس وراء الميكروفون لتقدم نشرة الأخبار، بعد أن ظلت حتى ذلك الوقت حكرا على الأصوات الذكورية، وجدت نفسها وحيدة في مواجهة عاصفة لم تهدأ، إلا عند وقوع النكبة التي ضاع فيها نصف الوطن.

    برزت فاطمة موسى البديري في أواخر الأربعينيات كمذيعة للأخبار السياسية لتكون الرائدة بين النساء، وفي هذا العمل ولتعمل مع الرجال في عمل غير تقليدي إلى جانب عصام حمّاد الذي سيصبح زوجها وليعملا معا في هذه المهنة بعد النكبة في دمشق، حيث أسس إذاعة الشام ثم في ألمانيا. وظل اسمها مرتبطا بصدى صوتها وهي تقول: «هنا القدس» في مدينتها التي حملتها في قلبها في الشتات والغربة. وكانت فاطمة البديري قد اشتركت أيضا في برنامج المرأة والبرامج الأدبية وبرنامج الأطفال.

   فاطمة موسى البديري (أم مهدي) المولود في مدينة القدس، هي ابنة الشيخ الأزهري موسى البديري ويعود نسبها إلى عائلة مقدسية عريقة. وأكملت دراستها في دار المعلمات في القدس، وتخرجت عام 1941، لتدخل ميدان الوظيفة مبكرا، فدرّست في مدينة بيت لحم ثم في دار المعلمات الريفية برام الله، لتلتحق بعدها بإذاعة «هنا القدس» في أوائل عام 1946 بصفة مذيعة ومنتجة. وعند انتقال الإذاعة إلى رام الله، واصلت الإذاعية الفلسطينية الأولى رسالتها، وهي التي أتقنت اللغة العربية، وامتلكت جمال الصوت وقدرة على الإقناع.

   لم تكن وظيفة فاطمة قراءة نشرة الأخبار فقط، على أهمية ذلك، بل تعدتها إلى أعداد البرامج والترجمة والتمثيل، فقد مثلت مع زوجها عددا من المسرحيات والتمثيليات الإذاعية، وهي خطوة لم تلق القبول في أوساط العائلة.

   كانت الإذاعة الفلسطينية حاضنة الفنون فبرز قليل من المطربات والموسيقيات الفلسطينيات في الإذاعة منهن ماري عكاوي وليديا عكاوي في ثلاثينيات القرن العشرين. ومن اللافت أنه لم يتم التأريخ لهؤلاء النساء بشكل جيد خاصة في مجال الفنون قبل 1948.

   ولا شك أن المرأة الفلسطينية قد تأثرت بنكبة 1948 وتفتيت البنية الاقتصادية والاجتماعية واقتلاع الآلاف من الفلسطينيين من بيوتهم، وعاشت هول النكبة وعمق المأساة، الأمر الذي عزز لديها الشعور بالانتماء للوطن كأي رجل، مما دفع لتطور مستوى مشاركتها في العمل السياسي والكفاحي وتوارى مشاركة النساء في الحقل الثقافي والإبداعي والفني الفلسطيني في سنوات النضال السياسي حتى أوائل التسعينيات لتبدأ حركة التاريخ الجديد لتعيد كتابة وذاكرة فلسطين وتاريخ النساء اللاتي شاركن في النهضة الفلسطينية منذ بداية القرن العشرين. ذلك التاريخ الذي لا ينفصل التأريخ للفلسطينيين وفلسطين باعتبارها كانت تشكل مع مصر وبلاد الشام والعراق نهضة حقيقية توقفت قسريا بفعل النكبة.

    الاكثر قراءة