دعا وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني رياض المالكي،الدول العربية لتنفيذ قرارات مجلس الجامعة العربية على مختلف مستوياته، وآخرها قرار قمة بيروت التنموية الرابعة، لاتخاذ جميع الإجراءات العملية اللازمة لمواجهة أي قرار من أي دولة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، قوة الاحتلال، أو تنقل سفارتها إليها.
ونوه "المالكي"، في كلمته التي ألقاها اليوم الأربعاء أمام مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية في دورته 151 ، إلى أن ما يجري حاليا في القدس وتحديداً في المسجد الأقصى المبارك، حيث يدافع آلاف المصلين الفلسطينيين عن قبلة المسلمين الأولى، ضد المحاولات الإسرائيلية المسعورة للسيطرة على أجزاء من الحرم القدسي الشريف، مشيرا إلى أن هذه المعركة تدور في آخر حلقاتها على مصلى باب الرحمة "الذي تمكن أهلنا المرابطون في القدس من فتحه رغم أنف الاحتلال، وذلك بعد 16 سنة من الإغلاق".
ونبه "المالكي" إلى أنه بعد أيام من الآن، ستحاول قوات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيها المتطرفين، إغلاق المصلى مرة أخرى وبقرار من محكمة الاحتلال.
وتساءل "المالكي": لماذا مصلى باب الرحمة الآن؟ ، مشيرا إلى أن حكومة الاحتلال تعتقد أن ظرف الزمان وظرف المكان، مهيئان لتقسيم المسجد الأقصى المبارك، تقسيماً مكانياً، أي الاستيلاء على هذا المصلى وتحويله لكنيس يهودي في قلب المسجد الأقصى المبارك.
وقال "المالكي" إن في القدس يقاتل الناس دفاعاً عن أرضهم ومقدساتهم ودينهم وحقوقهم، يقاتلون بقليل من المدد وبكثير من الإيمان، يقاتلون بجباه وصدور عارية، خطة وسياسة إسرائيلية لتقسيم المسجد الأقصى والنيل منه.
وتابع "المالكي" :"إننا نجتمع في جامعة الدول العربية اليوم مرة أخرى لننقل للعالم،هذه المعركة المؤلمة بين أصحاب الحق وأدعياء الباطل، بين أهل المسجد المكفول والمحمي بقرارات اليونسكو، وبين قوة تهدد أمن واستقرار العالم، وتُصر على أنها أعلى من القوانين والقرارات الدولية"، مشيرا إلى أن هناك ممتلكات ثمينة جداً، لا تتحمل الأمم الكريمة خسارتها، لأنها تمثل الهوية والوجود والثقافة، والقدس هي منبع كبير للموروث الحضاري والتاريخي والديني للأمة العربية، الإسلامية والمسيحية، فكيف يمكن أن نخسرها لمعتدٍ يستهتر بهذه الأمة العظيمة في كل مرة.
وقال "المالكي:" كنا مليونا و400 ألف فلسطيني عام 1948، وأصبحنا اليوم 13 مليونا، منهم 6.4 مليون في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، ولن نترك أرضنا ولن نغادرها، وسنبقى ندافع عن حقوقنا حتى نحققها، لكن صمود الشعب الفلسطيني لن يكتمل، ولن يصل إلى أهدافه إلا بدعم أشقائنا العرب، إننا بحاجة دائماً لدعمكم القوي، الدعم السياسي الذي يتجاوز قاعات جامعة الدول العربية ويصل صداه إلى القاصي والداني".
وأضاف "المالكي" إننا بحاجة لنرد على رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي، الذي مازال في كل يوم، يردد روايته الواهمة، بأن السلام مع فلسطين ليس شرطاً للسلام مع العرب، وأنه انتقل بصورة إسرائيل، من قوة احتلال إلى واحة حلول وابتكار"، مشيرا إلى أنه في قمة بيروت عام 2002، تبنت جامعة الدول العربية مبادرة السلام العربية التي أظهرت رغبة العرب بالسلام الإستراتيجي، والتي تقول بأن شرط الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات طبيعية معها، هو انسحابها من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، وإقامة دولة فلسطين المستقلة، وإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين. وبذلك عبّرت الدول العربية عن التنازل الأقصى الذي يمكن أن تقدمه ثمناً للسلام العادل والشامل.
وتساءل"المالكي":" الآن وبعد مرور 17 عاماً على مبادرة السلام العربية، ما الذي أظهرته إسرائيل من رغبة متبادلة معنا بالسلام، ما الذي وعدت إسرائيل بتقديمه لتحصل على ثمار السلام والعلاقات الطبيعية مع الدول العربية؟، مؤكدا أنه تضاعف عدد المستوطنين الإسرائيليين، واشتدت حملات التهويد ووالحصار والسيطرة على مدينة القدس الشرقية، ومحاولات تقسيم المسجد الأقصى المبارك، وتضاعفت حالات القتل والاعتقال وسرقة الأرض والموارد وهدم المنازل وتضييق الحياة على الشعب الفلسطيني.
وشدد على أن إسرائيل "قوة الاحتلال" قدمت عشرات القوانين العنصرية، تحدياً لمبادرة السلام العربية، وقد كان من آخر هذه القوانين العنصرية قانون القومية اليهودية، الذي يمنح اليهود دون العرب حق تقرير المصير، وينزل مكانة اللغة العربية، ويؤسس لنظام فصل عنصري بامتياز، بالاضافة الى إنها أسست لعملية القرصنة الممنهجة لأموال الشعب الفلسطيني، من خلال بدء تطبيق القانون العنصري الإسرائيلي الذي يسمح لحكومة الاحتلال بسرقة مخصصات ذوي الشهداء والأسرى الفلسطينيين، من عائدات الضرائب الفلسطينية التي تسيطر عليها حكومة الاحتلال.
وقال"المالكي" إنه عندما لم نقابل قرار الرئيس الأمريكي ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بالوسائل الحازمة اللازمة، تجرأ آخرون على القدس، فتبعته جواتيمالا، وبعدها اتخذت حكومة أستراليا موقفاً ينتهك المكانة القانونية لمدينة القدس، وها هي المجر توشك على فتح مكتب تجاري على مستوى دبلوماسي في مدينة القدس، وسينجر آخرون لمثل هذه الخطوات غير القانونية إذا لم يجدوا موقفاً صارماً من الدول العربية والإسلامية".
ودعا "المالكي" باسم الدول العربية جميعاً الرئيس البرازيلي للحفاظ على أواصر الصداقة مع الدول العربية، وعلى مواقف البرازيل التاريخية الداعمة للحقوق الفلسطينية، إلى الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، والامتناع عن أي خطوة تجحف بالمكانة القانونية الراسخة لمدينة القدس.
وقال "المالكي" إن الدبلوماسية العربية نجحت في الدفاع عن المصالح العربية كلما أثبتت جديتها، ورافقت الأقوال بالأفعال ، وقد حدث هذا عندما أفشلنا ملف ترشيح إسرائيل، قوة الاحتلال، لعضوية مجلس الأمن عام 2019-2020، كما حدث عندما تأجل عقد قمة توجو الإسرائيلية الأفريقية، وعندما عدلت جمهورية البراجواي عن قرارها بنقل سفارتها إلى القدس، مشددا على "أننا بحاجة لاستخدام قدراتنا الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية لحماية مصالحنا الإستراتيجية".
وأضاف إن إسرائيل، التي ارتكبت أنواع وأصناف الجرائم الممنهجة واسعة النطاق بحق الشعب الفلسطيني، والتي مارست الاضطهاد والفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني، ظنت أنها ستنجو بجرائمها تحت الحماية والحصانة التي شكلتها لها بعض الإدارات الأمريكية، وخاصة الإدارة الأمريكية الحالية.
وشدد "المالكي" على أنه آن الأوان لمحاسبة إسرائيل وقادتها ووزرائها على كل تلك الجرائم، مضيفا "إننا نعمل كل ما في وسعنا لحث المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، على التعامل السريع مع الإحالة التي قدمتها دولة فلسطين لها في 22 مايو 2018 عن الحالة في فلسطين، بما يشمل الانتهاء من الدراسة الأولية، التي بدأت قبل أكثر من أربع سنوات، خلال فترة زمنية معقولة، وفتح تحقيق جنائي في جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، ومساءلة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وتحقيق العدالة".
وأضاف "المالكي":" لقد شهدنا قبل أيام، وتحديد في 28 فبراير الماضي، تقديم تقرير اللجنة الدولية المستقلة، المشكلة بقرار مجلس حقوق الإنسان للتحقيق في أحداث مسيرات العودة في غزة، والذي خلص إلى تحميل إسرائيل، قوة الاحتلال، المسؤولية عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، ضد المتظاهرين المدنيين الفلسطينيين المحميين بالقانون الدولي، وأوصى بتظافر الجهود الدولية لوقف هذه الجرائم ورفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم".
ودعا وزير الخارجية الفلسطيني إلى تبني هذا التقرير وتوصياته، كوثيقة قانونية هامة يمكن الاعتداد بها أمام المحاكم الدولية، لإثبات الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وضمان إنفاذ آلية واضحة لمساءلة ومحاكمة المسؤولين الإسرائيليين عن هذه الجرائم، وعدم إفلاتهم من العقاب العادل، وإنصاف الضحايا.
وأكد "المالكي" رفضه للمحاولات الإسرائيلية والأمريكية المحمومة لتجفيف قضية اللاجئين من خلال وقف الالتزامات المالية تجاه موازنة وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بهدف تقويض تفويضها الدولي وقدرتها على أداء مهامها في إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
وطالب "المالكي" باسم الجامعة العربية جميع الدول بالالتزام بدعم موازنة "الأونروا "وتجديد تفويضها كلما اقتضى الأمر، حتى يتم حل قضية اللاجئين الفلسطينيين بشكل عادل وفق القانون الدولي وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948.
وأكد"المالكي" وقوف دولة فلسطين الثابت مع جميع الدول العربية التي تمر بأزمات تهدد استقرارها وأمن وسلامة شعوبها، معبرا عن استعداد بلاده لتقديم كل ما في وسعنا للحفاظ على أمن واستقرار ووحدة أراضي الدول العربية، ضد الاستهداف الإسرائيلي للأمن القومي العربي، وضد الإرهاب وجماعاته الظلامية والتكفيرية، معربا عن شكره وتقديره لكل الدول العربية التي ساهمت في المؤازرة والدعم المالي لدولة فلسطين.