السبت 4 مايو 2024

لا أستطيع أن أكتب

30-4-2019 | 17:19

 منذ اكثر من خمسة وثلاثين عاما وأنا أكتب دون انقطاع , لا أظن أننى توقفت لحظة عن الكتابة , أكتب بالقلم وعلى لوحة مفاتيح الكومبيوتر وعلى جهاز المحمول , وأكتب أيضا دون كل هذه الوسائط , نعم أنا أكتب شفهيا أو أكتب خياليا , وكثير من الموضوعات الصحفية كتبتها كاملة تقريبا فى رأسى قبل أن يخطها قلمى , أكتب ماشيا أو واقفا أو راكبا أو راقدا , أكتب فى يقظتى وأحلامى , فى صحوى ومنامى , بل أنى أكاد أجزم أننى كنت أكتب أيضا فى المرات الثلاث التى خضعت فيها للتخدير تحت يد حكيم العيون المعروف د . حازم ياسين .

أصبحت الكتابة أسلوب حياة , أكاد أتنفسها شهيقا وزفيرا , أو استنشقها هواء وغبارا .. قال لى البعض أننى أتحدث مثلما أكتب , وهم لا يعرفون أننى أكتب وأنا أتحدث , لا أكفر – معاذ الله - بنعمة الكتابة , ولا أنكر فضلها أو متعتها بالنسبة لى , أو شعورى فى أحيان كثيرة بالنشوة وأنا أمارسها , لكننى فى أحيان أخرى أجدنى مللت شكل الأحرف والكلمات , غير قادر على تحملها أو راغب فيها , أو قل أنه الوصول إلى حد التشبع والامتلاء , ومع ذلك أستمر مرغما أو مكرها أو مدفوعا بما هو أقوى من رفاهية الرفض والاعتراض .

قد تكون مسئوليات المهنة أو دواعى لقمة العيش أو التزاما تجاه شخص ما , أو حتى الرد على الحبيب برسالة , فقط المهم أننى أكتب , مرتاحا أو مضغوطا , مهموما أو مبسوطا , فى الوعى أو فى اللا وعى , فى أى مكان وتحت أى ظرف , المهم أننى أكتب صادقا مخلصا لم أتنازل أبدا عن إيمانى بما أكتب مهما كان الهدف من وراء ذلك , المهم أننى أكتب  لأننى إذا لم أفعل تسلط على – ربما – من لا يرحم , أو على الأقل أصبحت متهما بالتقصير .

أقول الآن قولى هذا لأننى فى المرة الوحيدة التى احتجت فيها الكتابة طواعية لم يسعفنى قلمى أو تطاوعنى حروفى وكلماتى , هلك عنى سلطاني , ضاع منى بأس مهنتى وقوة حيلتى , وخذلتنى كل سنون الخبرة والحرفة والصنعة , ويا للدهشة .. عند هذه الرغبة بالذات دون غيرها يتجلى عجزى , ويتحلى عوزى , وأصبح كالطفل الصغير الذى لم يتعلم النطق بعد , أو قل كالكهل الكبير الذى غاب عنه كل ما تعلمه فى هذه الحياة .

تخيلوا .. غابت عنى أمى فى مثل هذا الشهر منذ ثمانى سنوات كاملة وأنا غير مستطيع أو قادر على تسجيل إحساس لحظة الفراق , وكلما حاولت فى مناسبات عدة صغر أمامى كل ما أكتبه , وشخصت عيناى بعيدا عن حروف وكلمات وعبارات لا تليق بجلال اللحظة , ولا تصمد حيال إحساس الفقد , ولا تعبر عن ذلك الحنين إليها الذى لم يفارقنى طوال كل هذه السنوات , ولا تكفى لكفكفة تلك الدمعة التى تغلبنى فى كل مرة أحاول فيها .

     هل ترونها الآن فى عينى  ؟

     إننى لا أستطيع الآن أيضا أن أكتب , وأظننى لن أستطيع أبدا .   

    Dr.Randa
    Dr.Radwa