لم يكن حرص الرئيس على تكريم المرأة خلال احتفالية الأم المثالية، أمس، من خلال إصدار عدد من القرارات الهامة يأتي على رأسها زيادة الأجور والمعاشات، هو الأول من نوعه بل حرص السيسي طوال مسيرته الماضية على تكريم المرأة وتعزيز مكانتها في المجتمع لإدراكه دورها الحيوي على مدار التاريخ المصري وعلى رأسه المشاركة في الاستحقاقات الدستورية.
قد سجلت المرأة المصرية على مر التاريخ مواقف تحسب لها، فلم تتوقف أو تتواني عندما شعرت أن بلدها على وشك الضياع بل انتفضت وشاركت، فمنذ أربع سنوات كانت الانتخابات الرئاسية، والتى أثارت الدهشة بسبب المشاركة الكبيرة للمرأة، وإصرارها على إثبات دورها فى تقرير مصير الدولة المصرية بعد أن استشعرت الخطر، فتوافدت بكثرة أمام اللجان الانتخابية لتصبح بحق القوة التصويتية الضاربة.
وبحسب ما نشرته الهيئة العامة للاستعلامات في أواخر عام 2018، فقد عكست السنوات الماضية وما شهدته من أحداث ما تتمتع به المرأة المصرية من إدراك ووعي عميق بالمخاطر التي تحدق بالوطن، وهو ما جعلها منتبهة لمساعي النيل من وحدة وتماسك الشعب المصري وفي صدارة المدافعين عن الوطن، فمنذ ثورة 25 يناير وحتى الأن لم تغب المرأة عن أي استحقاق انتخابي( ثمانية استحقاقات) ودائما كانت السباقة في الانتخابات، سواء البرلمانية أو الرئاسية ووضح هذا في انتخابات 2014التى تفوقت فيها نسبة مشاركة النساء مقارنة بالرجال، تلك المشاركة القوية لها العديد من الأسباب والدوافع منها طبيعة المرأة .. تشارك في كل الانتخابات، والاستفتاءات الشعبية، بدافع شعورها الدائم بالخطر، وحاجة الوطن إليها، والمرأة دومًا ما تهتم بأن يكون لها صوت كى تساعد أبنائها على أن يحققوا أحلامهم، فالمرأة لاتفضل الوقوف مكتوفة الأيدي، أو أخذ مكان المتفرج، بسبب شعورها أن لديها دور وعليها تأديته على أكمل وجه، بالإضافة إلى حرصها على أن تتمتع بلادها بالأمن والاستقرار السياسي، ولتعطي أيضًا أبناءها مثالًا على ضرورة السعي إلى التغيير الإيجابي، واختيار من يرسم لهم خطوط مستقبلهم.
المرأة تتصدر طوابير الانتخابات
شهدت كل الأحداث السياسية من انتخابات واستفتاء منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن مشاركة كبيرة للمرأة بكل الفئات العمرية والثقافية والاجتماعية، فكان المشهد المتكرر هو الطوابير الطويلة التى لم تكل المرأة المصرية من الوقوف فيها رغم تعبها أو كبر سنها ولكنها أصرت أن تحدد مصير بلدها بيديها، وفقا للهيئة الوطنية للاستعلامات.
مشهد تكرر فى الانتخابات منذ عام 2011، حيث شاهدنا مشاركة للنساء كبار السن والقعيدات على كرسى متحرك، ولم يمنعهن مرضهن أو آلامهن من المشاركة فى أى حدث سياسى يؤثر فى مصير مصر .
وأصرت المرأة على النزول والمشاركة فى الانتخابات، واصطحبت أطفالها معها لتعلمهم المشاركة منذ صغرهم، ولأنها مسئولة عن منزلها وأطفالها قررت أن تأخذهم معها فى طوابير الانتخابات .
وتعد المشاركة السياسية للمرأة في الحياة العامة وصنع القرار، واحدة من القضايا الأساسية خاصة وأن الدستور المصري والقوانين المنظمة للعمل السياسي يؤكدان حق المرأة في التصويت والترشح، كما يؤكد الدستور على مساواة المرأة بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية، وعدم وجود أي تمييز بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين.
وتعد المشاركة الانتخابية، إحدى صور المشاركة السياسية، وهي تأخذ أشكالاً ومستويات مختلفة، فالتصويت في الانتخابات، والمشاركة في الحملات الانتخابية والالتحاق بالتجمعات الانتخابية، والعمل من أجل مرشح أو حزب سياسي، كلها مستويات مختلفة من أشكال المشاركة الانتخابية، وتعرف المشاركة الانتخابية بأنها عملية يقوم من خلالها الفرد أو الجماعة بالإسهام الحر والواعي والمنظم في صياغة نمط الحياة السياسية من خلال صندوق الانتخابات.
وتقاس درجة المشاركة السياسية في الانتخابات العامة وفق العديد من الإحصاءات، التي ترصد عدد المرشحين، وعدد الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في الانتخابات، وعدد الناخبين المقيدين بالجداول الانتخابية، وإجمالي الأصوات، ونسبة الإدلاء بالأصوات، والأصوات الباطلة، والأصوات الصحيحة.. إلخ. ويشكل مجموع الناخبين الذين لهم حق التصويت ما يطلق عليه الهيئة الناخبة، وتمثل مشاركتهم إحدى مستويات أو مظاهر المشاركة السياسية، كما يمثل الناخبون فئات وطبقات متنوعة.
أهمية المشاركة
صارت الدول تعتمد فكرة الانتخابات كأساس من أساسات دستورها، وتشريعٍ من تشريعاتها القانونية، لتضمن تطبيق الفكر الديمقراطي الذي يدعو إلى اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب بناءً على رأي أفراد الشعب، أو المجلس النيابي، أو الهيئة المختصة بذلك، وهذا ما أدى إلى اعتبار الانتخابات حقاً من حقوق الناس، وواجباً عليهم تطبيقه لضمان تفعيل دورهم الإيجابي في الحياة السياسية في مجتمعهم، ودولتهم، فصوت المواطن أمانة وحق شرعى له، فالصوت الانتخابي يستطيع أن يقلب الموازين السياسية، وللمشاركة الإنتخابية أهمية كبرى في تعزيز الديمقراطية، والنهوض بالأوطان ولإدراك الناخب أهمية صوته في تغيير مصير البلد، ووضع الوطن في الإتجاه الصحيح، والمشاركة السياسية لا تنبع من مجرد رغبة الناخب في ممارسة حقه الانتخابي، وإنما تنبع من وجود وعي سياسي واجتماعي يتشكل تدريجيا داخل المجتمع.
وتتميز الانتخابات بأنها: عامة- أي يحق لكل مواطن ضمن السن القانوني للانتخاب أن يدلي بصوتهِ في الانتخابات، مباشرة- أي أن كل مواطن يقوم بالانتخاب بصفتهِ الشخصية دون وجود شخص غيره في غرفة الانتخاب إلا إذا كان يعاني من عارض صحي، أو حاجة خاصة تمنعه من القيام بالعملية الانتخابية، سريّة- أي أنه لا يحق لأي شخص أن يطلع على كيفية قيام كل ناخب بالانتخاب.
المشاركة في الحياة السياسية
تعود مشاركة المرأة المصرية في العمل السياسي في العصر الحديث إلى عام 1881، عندما شاركت في الثورة العرابية، من خلال جمعية حلوان وجمعية مصر الفتاة حيث ساهمت في توزيع المنشورات، ونقل الأخبار، كما ساهمت المرأة في ثورة 1919، في المظاهرات ضد الاحتلال، وسقطت أول شهيدتين في المواجهة مع القوات البريطانية، مما أدى إلى امتداد الثورة في كافة أنحاء البلاد، وفي 16 مارس عام 1923، دعت هدى شعراوي لتأسيس أول اتحاد نسائي في مصر والذى تقدم عام 1925 بعريضة إلي رئيسي مجلس الشيوخ والنواب مطالباً بتعديل قانون الانتخاب بما يضمن مشاركة النساء في الحقوق الانتخابية، وكانت النساء قد قمن في حفل افتتاح البرلمان في مارس 1924 بتقديم طلب لحضور هذا الحفل، وحملن لافتات كتب عليها:”احترموا حقوق نسائكم“، تطلب منح النساء حق الانتخاب، ولما أصرت النساء على مطلبهن لحضور جلسات البرلمان، تم تخصيص مقصورة لهن عام 1925 ثم مقصورتين، ثم تبع ذلك إعلان البرلمان بأنه سيناقش بالفعل حق المرأة في التصويت أثناء انعقاد جلساته، وتوالت الأحداث التي طالما طالبت فيها النساء بضرورة أخذ حقوقهن السياسية وحقهن في الانتخاب وترشيح أنفسهن كعضوات داخل البرلمان، وقد أثبتت التجربة المصرية نجاح المرأة في مجال العمل البرلماني، حيث مثلت المواطنين خير تمثيل، وكان لها بصماتها الواضحة في مسيرة الحياة النيابية، سواء في مجالس الرقابة أو التشريع.
وشهدت الأربعينات من القرن العشرين ارتفاعاً في مستوي الوعي بين النساء وتمثل ذلك في زيادة التوجه السياسي للحركة النسائية، وتكونت العديد من الجماعات النسائية التي تدافع وتطالب بمشاركة المرأة في الحياة السياسية.
وعندما تأسست الأحزاب أصبح للمرأة حق في المشاركة في النشاط الحزبي والتمثيل في اللجان الحزبية، وقد شاركت المرأة في العمل السياسي، وفي عضوية اللجان النقابية العمالية منذ عام 1945، وكان أول تنظيم نقابي خاص بالعاملات المصريات عام 1946 هو”رابطة عاملات القطر المصري“، للدفاع عن حقوق المرأة العاملة، والمطالبة بتحسين ظروف العمل للمرأة، لمساعدتها على تحقيق التوازن بين دورها الأسري ودورها في العمل والإنتاج، وفي 12مارس 1953اعتصمت مجموعة من سيدات حزب “بنت النيل” في مبني نقابة الصحفيين واضربن عن الطعام مطالبات بحقوق المرأة السياسية كاملة، وإنطلاقاً من هذه الجهود بدأت النخبة السياسية تلتفت إلي مطالب المرأة، وفى 16 مارس عام 1956، حصلت المرأة المصرية على حق الانتخاب والترشيح وهو أحد المطالب التي ناضلت من أجلها و التي تحققت بفعل دستور 1956.
وبدأت الحياة البرلمانية للمرأة المصرية عام 1957حيث رشحت ست نساء أنفسهن للبرلمان فازت منهن اثنتان،وفي 17نوفمبر 1962صدرت القرارات الإشتراكية والتي نصت علي تمثيل المرأة بنسبة 5% من إجمالي أعضاء المؤتمر القومي للقوي الشعبية البالغ عددهم 1500عضو .
ومع إعلان الإتحاد الإشتراكي في 4 يوليه 1964حرصت الدولة علي إشراك المرأة في العديد من هيئاته لاسيما في اللجان السكانية والجماهيرية، إلي جانب تشكيل لجان نسائية بمحافظة القاهرة والتي إقيم فيها لجان للنشاط النسائي، و حصلت 1309سيدة في مايو 1971علي عضوية الوحدات الأساسية للاتحاد الاشتراكي، وتقرر تكوين التنظيم النسائي للإتحاد الإشتراكي في 7سبتمبر 1975الأمر الذي خلق النواة الأساسية لمشاركة المرأة في المنابر الثلاثة التي قرر الرئيس الراحل محمد أنور السادات إنشائها عام 1976والتي تحولت إلي أحزاب سياسية وفقاً لقانون الأحزاب السياسية رقم(40) عام (1977).
كما شكلت البنية التشريعية والقانونية في هذه المرحلة أطراً جوهرية في مسيرة العمل السياسي للمرأة المصرية، حيث جاء تعديل قانون الانتخابات رقم 38لسنة 1972بالقانون رقم 21لسنة 1979بتخصيص ثلاثين مقعداً للنساء كحد أدني وبواقع مقعد علي الأقل لكل محافظة ولم يسمح هذا القانون للرجال بالتنافس علي هذه المقاعد في الوقت الذي سمح فيه للنساء بالتنافس مع الرجال علي باقي المقاعد الأخري، الأمر الذي دفع نحو 200سيدة للترشيح في انتخابات 1979وقد فازت ثلاثون منهن بالمقاعد المخصصة للنساء وبثلاث مقاعد أخري من المقاعد غير المخصصة لهن بالإضافة إلي ذلك، عين رئيس الجمهورية سيدتين ضمن قائمة العشرة أعضاء التي يحق لرئيس الجمهورية تعيينهم حسب الدستور، وبهذا أصبح إجمالي النائبات خمسة وثلاثين بنسبة 8 %من إجمالي الأعضاء .
وظهرت فرصة جديدة للمشاركة السياسية للمرأة مع تعديل الدستور في عام 1980لإنشاء مجلس الشوري، ودخل هذا المجلس سبع عضوات بنسبة 3.3% من إجمالي عدد مقاعده. إلا أن هذه المرحلة انتهت بصدور حكم من المحكمة الدستورية العليا في عام 1986بعدم دستورية القانون رقم 21لسنة 1979لما ينطوي عليه من تمييز علي أساس الجنس، وعلي الرغم من إلغاء تخصيص المقاعد للمرأة في مجلس الشعب، إلا أن نسبة تمثيلها ظلت بعدها مرتفعة نسبياً، والتي بلغت نحو 3.9% حيث ارتفع عدد النائبات في البرلمان إلي 18نائبة من إجمالي 456عضواً في مجلس1987 وذلك بسبب الأخذ بنظام القوائم الحزبية النسبية، حيث كانت الأحزاب في ظل هذا النظام تضمن قوائمها الحزبية بعض النساء.
وقد انتهي هذا الوضع بالعودة لتطبيق نظام الانتخاب الفردي، مما ترتب عليه تراجع نسبة تمثيل المرأة في المجالس المتعاقبة .. كما شهدت تلك الفترة تضاعف نسب قيد المرأة في جداول الانتخاب من 18% عام 1986إلي 40% عام 2007، إلا أن ناقوس الخطر بدأ في مسيرة الكفاح السياسي للمرأة عندما وصل نسبة تمثيلها في آخر دورة لمجلس الشعب إلي 1.8% من إجمالي الأعضاء .
ثم صدور القانون رقم 149لسنة 2009الخاص بزيادة عدد الدوائر البرلمانية وتخصيص مقاعدها للمرأة، وهو ما أسفر عن تخصيص 64 مقعداً للمرأة ومع الإبقاء علي إمكانية ترشحها للمقاعد العامة، وقد حدث تهميش لدور المرأة خلال فترة حكم الأخوان وتدنى لنسب تمثيلها فى البرلمان. فكانت الانتخابات البرلمانية لعام 2012 ، ليست الأكثر تمثيلاً للسيدات، رغم ما كان ينتظره الكثيرون من تحسّن وضع تمثيل المرأة في عضوية المجلس، عند الأخذ بنظام الانتخاب في القوائم الحزبية، فإن عدد النائبات انحصر في 11 يمثلن (2.2%) فقط من أعضاء المجلس.
ثورة 30 يونيو
تخوض مصر اليوم معركة مصيرية لإعادة البناء على أسس جديدة من أجل حياة أفضل لكافة المصريين ومستقبل يليق بالمكانة الحضارية لمصر وبطموحات بناتها وأبنائها ما يستدعي شحذ همم المصريين جميعهم رجالاً ونساء، وحشد طاقاتهم الكاملة لتحقيق التنمية الشاملة على كافة الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسة، والتي لا غنى عنها لتتبوأ مصر مكانة تستحقها بجدارة في مصاف الدول المتقدمة.
أصبحت المرأة المصرية وبعد ثورتين قوة كبيرة في الشارع المصري لا يمكن اغفالها أو الاستهانة بها ويمكن الجزم بأن المرأة المصرية وفي عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي لاقت وللمرة الأولي في تاريخها أهتماما كبيرا من قبل رئيس الجمهورية وتجلي ذلك الاهتمام مع أول خطاب للرئيس بعد فوزة بالانتخابات، حيث وعد بالعمل الجاد على أن يكون للمرأة دور فى الحياة السياسية، أن يكون لها نصيب عادل فى مجلس النواب، والمناصب التنفيذية فى الدولة، وتذليل العقبات أمامها فى الوظائف النيابية وجاء ذلك الوعد كدافع قوي أمام المرأة المصرية للاستمرار في صراعها مع قضية التمكين حيث كان الوعد بمثابة الباعث لآمال المرأة المصرية.
وقد امتلأت ميادين مصر بالنساء فى 30 يونيو، وكذلك في 3 يوليو 2013، وبلغت نسبة تصويتهن 55% فى الاستفتاء على دستور 2014، كما بلغت نسبة 54% من إجمالي أصوات الناخبين فى الانتخابات الرئاسية لعام 2014.
وشكل عام 2014 رقما هاما للمرأة المصرية حيث صدر دستور مصر الجديد الذى أولى إهتماماً خاصاً سواء في الديباجه أو في المواد الخاصة بالمرأة؛ حيث أكد على أن المرأة ليست فئة من فئات المجتمع فقط، بل هي نصف المجتمع وأساس الأسرة، مشيراً إلى دورها الفعال ومشاركتها القوية بثورتي 25 يناير و30 يونية، ومن هذا المنطلق فقد منحها الدستور الحماية والرعاية وذلك بتخصيص أكثر من 20 مادة تعد تطوراً مهماً للتأكيد على أهمية دور المرأة في الدولة والمجتمع دون تمييز أو إقصاء، ومن جهة أخرى فإن المرأة تستفيد أيضاً من كافة مواد الدستور باعتبارها مواطناً كامل المواطنة مثل التزام الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين رجالاً ونساءً كما حرص الدستور على أن يضمن تلك الحقوق للمرأة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.