الأحد 29 سبتمبر 2024

كنت ربة بيت في سويسرا

3-4-2017 | 14:51

بقلم : حليم

من ذكرياته الطريفة عن رحلته الأخيرة ذكري تلك الأيام التي قضاها في جنيف ناقها بعد أن ذهب إليها من لندن حيث كان يستشفي وكان ست بيت بعد «الطبخة» فتثير إعجابك

عندما حملتني الطائرة من القاهرة أنهمرت الدموع من عيني غزيرة صادقة فقد كان وداع الأحباب حارا من القلب وكنت في حياتي لم أصادف هذا الفيض من الحب بغدقه علي الذين يعرفونني والذين لا يعرفونني وأحسست وأنا في الطائرة أنني قريب من السماء قريب من الله ألا نرفع دعونا إلي أعلي لندعو؟ ودع وت الله بدموعي أن أعود سالما حتي يفرح الذين ودعوني وحتي أرد لهم بعضا من غمر حبهم وأسلمني حالي لاضطراب شامل فقد وجدت نفسي في لندن محاطا بالأطباء غارقا في الفكر وتوالت عمليات الفحص وأنا أري الوجوه وعليها الاهتمام بكل شيئ ونظام الطعام يمضي في دقة وأنام مع الثامنة وأصحو مع الخامسة وعطام غذائي في الظهيره وكنت كالتلميذ المطيع فقال لي الدكتور ثائر - طبيبي المعالج- أنه سيكفئني علي هذا الامتثال - فيسمح لي بالخروج من المستشفي في الضحي علي أن زعود في مواعيد الغذاء..

ولكك أن تعلم أن الضحي هو العاشرة مثلا فلابد أن أعود في الثانية عشرة وإذا سترحت بعد الغذاء وخرجت في الخامسة فلابد أن أعود قبل الثامنة لانها ميعاد العشاء ثم أنام علي أي حال كنت سعيداً بهذه المكافأة وكان الاصدقاء ينتظرنني لنتنزه اصدقاء من كل بلاد العروبة حتي من العراق جاءني طلبة كثيرون كانوا من قبل مترددين خشية أن أرفض مقابلتهم نظرا لما كانت عليها العلاقات بين حكومتينا من توتر ولجأوا إلي الدكتور زكي سويدان لكي يحدد موعدا لهم عندي وقابلتهم بترحات وقلت لهم أن شعب العرب الذي تجمعه قومية العرب لا تفرقه السياسة...

 

حادث حدث في تلك الاثناء هزني هزاً... كان الملك حسين علي وشك الوصول إلي لندن والتقليد في انجلترا أن يستقبل الملوك طلبة الكلية الحربية «سانت هاريس» الذين ينتمون إلي بلد الضيف والطاعة محتومة وجزاء مخالفتها الف صل الذي لا يعرف الرحمة وقد وجه قائد الكلية نداء إلي الطلبة العرب في سانت هاريس بأن يستعدوا لاستقبال الملك حسين وفوجئ القائد بشيء يعتبر الأول من نوعه في تاريخ ا لكلية العتيدة ذات التقاليد الصارمة فوجئ بالطلبة العرب يتقدمون إليه في خطواتهم العسكرية ويطلبون أن يسمح لهم بالحديث فلما سمح قالوا له أنهم مضطرون إلي رفض استقبال الملك حسين وأنهم يعرفون أن العقوبة هي الفصل ولكنهم لا تطاوعهم مشاعرهم علي استقباله... ويفضلون أن يفصلوا.

وكان عددهم كبيرا أن اعتبارات أخري قد تسئ إلي الموقف إذا فصل هؤلاء الطلبة وذاع الخبر علي العالم كله فما كان من القائد - الحكيم- إلا أن وافق!

أحسست وأنا اسمع هذه القصة أن القومية ا لعربية أعلنت عن وجودها باباء وكبرياء وعناد في لندن أيضا..

وبعد أن اجتزت مرحلة الفحص تأكدت حقيقة أنني مريض بشيء أسمه الحساسية ودرجتها عندي هي درجتها عند أي مخلوق حساس جدا مضروبة في مائة واختار لي الطبيب أن أغادر المستشفي علي أن أقيم بضعة أيام في لندن فاقمت في سقة صغيرة في عمارة تؤجر كلها بهذه الطريقة ومكثت بها وكنت أتردد علي المستشفي حتي اطمأن الطبيب إلي أنني سليم معافي فأذن لي بالسفر.

وعرجت علي سويسرا...

وقررت أن أبحث عن قرية علي قمة جبل حتي استمتع بالهدوء وسحر الطبيعة ولكن الدكتور سيد كريم التقي بقي في جنيف وقال أن البحث عن سكن قد يكلفني اسبوعاً كاملا وأنه يفضل لي أن أقيم مع ابنه الذي يدرس في الجامعة هناك وابنه يقيم في شقة في ضاحية راقية بعيدة عن ضجيج المدينة وصخبها..

وعاينت الشقة فأعجبتني وحملت إليها الحقائب!

ولم يكن معنا خادم، والخادم في سويسرا يتقاضي ما يتقاضاه موظف الدرجة الثانية عندنا ولهذا اخترنا أن نخدم أنفسنا أنا شخصيا مدرب علي هذا كله من أيام الغربة والتلمذة أيام كنت في معهد الموسيقي وكنت اشتري الخضار واللحم من السوق وأعود إلي البيت فاطهو الطعام لي ولأخي إسماعيل.

فعلت نفس الشيء في جنيف كنت أخرج في الصباح كأي ست بيت ممتازة وأحمل حقيبة فارغة وأعود بها بعد ساعة وهي ملأى بالخضروات واللحم والفاكهة واعكف علي البطاطس فأقشرها وعلي اللحم فأحمره وأعد السلطة وانتهي من الطبيخ قبل أن يعود مضيفي من الكلية.

ويسبق الطبيخ عملية الكنس وكنا نتعاون فيها أما ترتيب الفراش فقد كنت اتقنه أكثر مما يتقنه مضيفي وأحس صاحبنا بسعادة كبري وهو يجد خادما مطيعا ولهذا كان يصرفني عن مشروعات الرحيل كلما صممت علي الرحيل ويقول لي أن سويسرا أجمل مكان في الدنيا..

ولسان حاله يقول أن طبيخي أجمل طبيخ في سويسرا.

وكانت الحياة البسيطة تلك تروق لي كانت شيئا آخر غير الذى اعتدته في السنوات الأخيرة وكنت أجد شهية في التهام الطعام الذي أعده بنفسي وكثيرا ما كنت اتخاطف مع صديقي قطع اللحم.. أليست هذه كلها فاتحات الشهية!

........

وعرجت علي إيطاليا في طريق العودة إيطاليا بلد لا يمكن أن تشبع منه تري آثار تراها لأول مرة لأنك دائما تجد شيئا جديداً فاتك أن تتأمله في مرة سابقة.

والمسارح في إيطاليا رائعة خاصة تلك التي الغابر كم تمنيت لو طبقنا هذه الفكرة عندنا فأنها تطفو وتغوص عدة مرات كل عام!

وقضيت العيد في إيطاليا لأن الطائرة تأخرت عن موعدها وكنت في حزن لأنني قضيت العيد بعيداً عن أهلي وأحبابى وكرهت إيطاليا لأنها حرمتني من «التعييد» في القاهرة ولكني عدت بحصيلة طيبة من الذكريات... وعدت بأثمن ما أسعد اصدقائي وناسي... عدت بصحتي!

الكواكب عدد 417 - 28 يوليه 195