السبت 8 يونيو 2024

السيسى - ترامب يد واحدة فى مواجهة الإرهاب .. ومرحلة جديدة من العلاقات الاستراتيجية بيــن القــــــاهـــــرة وواشنـــطــــن

5-4-2017 | 13:48

زيارة تاريخية؟.. نعم.

زيارة تغير فى أركان الإستراتيجية العالمية الراهنة؟.. نعم.

زيارة تكشف صحة رهان مصر - السيسى على خيار ثورة ٣٠ يونيو؟ .. نعم.

زيارة لها نتائجها بالغة الأهمية سواء لمصر أو أمريكا؟.. بكل تأكيد.

وإذا طرحت المزيد من الأسئلة، والمزيد من الأجوبة بـ«نعم»، فلن يكون فى الأمر مبالغة، فالزيارة التى قام بها الرئيس السيسى للولايات المتحدة خلال الأيام الماضية يقول البعض إن وراء نجاحها- نجاحاً كبيراً - تغيراً هائلاً فى أفكار وأشخاص الإدارة الأمريكية، وهذا صحيح.. لكنه لا يعبر عن المشهد الكامل، فلولا ما قام به السيسى لمصر وللعالم العربى كله منذ نجاح ثورة ٣٠ يونيو المجيدة قبل ما يقرب من ٤ سنوات، لما كان ترامب سيحتفى به كل هذا الاحتفاء. السيسى مختلف، السيسى يمثل - دون مبالغة - مرحلة تاريخية جديدة فى الشرق الأوسط، وهذا مربط الفرس كما يقولون، وراء النجاح المدوى لزيارة الرئيس السيسى للولايات المتحدة.

 

من أين نبدأ؟

من المشاهد اللافتة لاستقبال ترامب للرئيس السيسى استقبالاً يمتلئ بالحفاوة والترحاب والود؟

«هناك تعاطف شخصى بين الرئيس المصرى ونظيره الأمريكي».. هكذا ذكرت وكالة (ريجنوم) الروسية للأنباء، فى معرض تعليقها على زيارة الرئيس السيسى للولايات المتحدة.. تحت عنوان جذاب ودال: «زمن الفراعنة يعود فى الشرق الأوسط». ومصطلح (زمن الفراعنة) هذا حين يستخدمه كاتب أو صحفى روسى - أو غربى عموماً - فإنه لا يعنى المعنى السلبى لدى الإنسان العربي، الذى اعتاد أن يصف الملوك والسلاطين المستبدين بصفة الفرعون، إنه يعنى - هنا - «الملك العظيم» أو صاحب المقام الرفيع، لقد وصفت الوكالة الروسية الزمن المصرى الحالى بزمن الفراعنة، فهناك فى مصر رجل قوى يقود الدولة، رجل ناجح، وأمين، ومخلص.. ووطنى اسمه: عبدالفتاح السيسي.

الأمريكان - وعلى رأسهم دونالد ترامب - ينظرون إلى الرئيس السيسى النظرة ذاتها، فهم يرون أن الرئيس السيسى اتخذ خطوات جريئة وفاعلة فى الحرب ضد الإرهاب، وأنه يخوضها معتمداً على الله ثم على جيشه وشرطته وشعبه، دون انتظار معاونة خارجية من أحد، بالإضافة لخطواته الشجاعة فى ملف الإصلاح الاقتصادي، وفى ملف تنمية البلاد بصورة شاملة منذ أصبح رئيساً لمصر فى يونيو ٢٠١٤.

من هنا.. لم يكن مستغرباً هذا الدفء الإنسانى الذى لمسناه جميعاً فى اللقاء بين السيسى وترامب.. بدا ترامب كأنه يلتقى صديقاً عزيزاً قديماً له، على الرغم من أن السيسى وترامب التقيا مرة واحدة من قبل - حين كان ترامب لايزال مرشحاً رئاسياً عن الحزب الجمهورى - وانعقدت بينهما على ما يبدو صلة إنسانية نادرة من هذا النوع الذى نادراً ما ينعقد بين الناس إذا تعرفوا إلى بعضهم البعض لأول مرة، الحقيقة أن هذا حدث.. السيسى قائد من طراز خاص سيتوقف أمامه التاريخ طويلاً، وترامب أيضاً رجل له خصوصيته فى السياسة الأمريكية، وله طرازه الفريد كرئيس لأمريكا.

«ترامب يبسط السجادة الحمراء للرئيس المصري».. بهذا علقت «التليجراف» البريطانية على حفاوة استقبال ترامب للسيسى أول أمس الإثنين، وأضافت: (على عكس باراك أوباما.. أعرب ترامب عن إعجابه بالرئيس المصرى ووصفه بأنه رجل رائع استطاع إعادة السيطرة على مصر)، و«إعادة السيطرة» تعنى بها (التلجراف) ما نسميه نحن (الاستقرار) الذى أبعد مصر عن دائرة الجنون المشتعل فى الشرق الأوسط.

ولم تنس (التليجراف) أن تلفت إلى أن السيسى حذر أوباما من قبل قائلاً: (أنت تخليت عن المصريين وأدرت لهم ظهرك وهم لن ينسوا ذلك)! كما لم تنس أن تذكر أن الرئيس كان بين أول قادة العالم الذين هنأوا دونالد ترامب بفوزه فى الانتخابات وتسلمه الحكم بعد حفل التنصيب!.

ونعود لمشهد الاستقبال الحار.. لا نعود إليه تمسكاً بـ(الشكليات)، بل لأنه مشهد دال بشدة، يتخطى الصورة أو الشكل إلى مضمون أبعد غوراً.

وصل موكب الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى البيت الأبيض - الاثنين الماضى - وتحرك سيراً على الأقدام مع نظيره الأمريكى ترامب لعقد قمة مصرية أمريكية.. تحرك الرئيسان إلى قاعة (روزفلت)، ثم اصطحب ترامب السيسى إلى (المكتب البيضاوي) لعقد لقاء ثنائي.

استقبل ترامب السيسى بود وحرارة وبسمة واسعة وحفاوة ظاهرة، كانت الصور تقول هذا.. الوجوه كانت تقول هذا أيضاً.. ابتسامة الرضا فى عينى السيسى كانت أوضح من أى كلمات، السيسى وجهه لا تعلوه ابتسامة كاذبة.. هكذا عرفناه، وحين يبتسم للمجاملة أو اللياقة شيء، وحين يبتسم (من قلبه) شيء آخر.. هذه الابتسامة الأخيرة هى التى علت وجهه فى لقائه بترامب، الذى بدا سعيداً حقاً بلقاء السيسي، محتفياً به، معتذراً عن افتتاح دورى (البيسبول) فى الولايات المتحدة، مع أنه من تقاليد الرئاسة الأمريكية حضور الرئيس الأمريكى - أى رئيس – لافتتاح هذا الدورى لهذه اللعبة الأكثر شعبية فى الولايات المتحدة، ولا يعتذر الرؤساء الأمريكيون عن عدم حضوره إلا لطوارئ شديدة الأهمية!.

ترامب- لدى استقباله الرئيس السيسى بحفاوة وترحيب ظاهرين- وصف مصر بأنها الصديق المقرب والحليف منذ أمد طويل، وقام ترامب بمصافحة السيسى مرتين أمام وسائل الإعلام، بينما تقاليد الرؤساء الأمريكيين تقضى بمصافحة واحدة وحسب، وبينما- أيضاً، وهو أمر أخطر فى تقديرنا- أشارت عدة وسائل إعلام أمريكية وعالمية على مدار عدة أيام تلت لقاء ترامب بالمستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل»، إلى تجاهل ترامب مصافحتها بالأساس حين التقى بها مؤخراً، على الرغم من أن ميركل وجهت لترامب السؤال مرتين إن كان يرغب فى مصافحتها لكنه لم يلتفت إليها.. بينما بادر ترامب إلى مصافحة السيسى مرتين لم يطلب السيسى أيه مصافحة منهما.. ماذا يعنى ذلك؟

لابد- إذن- من الاعتراف بأن ثمة كيمياء خاصة تجمع السيسى وترامب.

بعد مشاهد الترحيب الدالة من ترامب بالرئيس السيسى، التى بدأت قبيل الثانية عشرة ظهراً بتوقيت أمريكا والسابعة مساء بتوقيت القاهرة، وبعد استعراض حرس الشرف الأمريكى الذى اصطف نحو ٢٠٠ متر إلى المدخل الرئيسى للبيت الأبيض اجتمعا فى المكتب البيضاوى، حيث تصنع السياسية الأمريكية. «شون سبايسر» المتحدث باسم البيت الأبيض قال إن الرئيس الأمريكى ترامب أكد للرئيس السيسى قوة ومتانة العلاقات بين البلدين وناقش معه سبل تعزيز العلاقات بين القاهرة وواشنطن وعدداً من الملفات الإقليمية والدولية المهمة.

ليس غريبا - إذن - أن تصف صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) الأمريكية ذائعة الصيت هذا اللقاء كالتالى: (عقد دونالد ترامب مباحثات مهمة مع أحد أهم شركاء الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط) مشيرة إلى الرئيس السيسى، ولا غريباً أن تمضى الصحيفة فى قولها ( .. تعكس الزيارة هذا التناقض الواضح بين إدارة ترامب وإدارة سلفه باراك أوباما فيما يتعلق بالعلاقات مع مصر..)!

ويبقى السؤال الجوهرى: ترى .. ما هى الملفات التى تناولها السيسى وترامب على وجه التحديد خلال القمة التاريخية بينهما أمس الأول؟

فى السياسة - مثلما فى النظريات الأمنية، والإعلامية أيضا - «ليس كل ما يعرف يقال» .. من المستحيل أن يزعم إنسان - أياً تكن درجة قدرته على الوصول للمعلومات - أنه ملم بكل ما تكلم السيسى وترامب فيه أو اتفقا بشأنه .. لكن ليس صعباً أن نستنتج هذا الأمر.. الملفات كانت بالضرورة: الموقف فى سوريا، الموقف فى ليبيا، القضية الفلسطينية.. التعاون العسكرى لاسيما فى التسليح، التعاون الاقتصادى والاستثمارى .. وقبل كل هذا الحرب على الإرهاب التى تخوضها مصر.

نستطيع أن نعرف أيضاً أن الرئيس السيسى لم يغير ولن يغير مواقفه وثوابته، ولن يزحزح تصوراته القومية ولن يتخلى عنها.. وبالتالى فإنه - بالضرورة - تمسك بالحل السياسى فى سوريا (.. الولايات المتحدة أعلنت قبل لقاء الرئيس السيسى بترامب بأيام معدودات أنها لا تتمسك بإرزاحة بشار الأسد من الحكم فى دمشق، فهل هذا التحول بالمصادفة؟) ، وبالضرورة تمسك السيسى بحل سياسى شامل للملف الليبى .. وتمسك كذلك بحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة وفق القرار ٢٤٢ على كامل ترابهم الوطنى المحتل فى ١٩٦٧ ، وأن السيسى نصح - وشدد فى النصيحة - لترامب بألا ينقل سفارة واشنطن إلى القدس وألا ينصاع للمشروع الإسرائيلى فى هذا السياق.. وأن الرئيسين السيسى وترامب، تبادلا وجهات النظر فيما يتعلق بالتعاون العسكرى والأمني والاقتصادى وأن هذا التعاون سيعود للانطلاق - بقوة - مجدداً بعد أن كاد يتوقف فى (زمن أوباما) الذى أوشكت فيه العلاقات المصرية - الأمريكية على الوفاة الإكلينيكية ! ولابد أن الحرب على الإرهاب فى مصر قد شهدت اتفاقاً بين السيسى وترامب فى عدة نقاط: استئناف التسليح بموجب (كامب دافيد)، والمساندة السياسية الأمريكية للحرب المصرية على الإرهاب. والتعاون الأمنى والعسكرى بصورة شاملة، لاسيما فى الحرب ضد الإرهاب سواء إرهاب (داعش) أو (الإخوان) أو كل التنظيمات الإرهابية.

مواقف مشتركة، وأرضية مشتركة، وتعاطف متبادل وثيق.. هى أبرز الثمار لهذه الزيارة التاريخية للسيسى لأمريكا.

اللغة المتشابهة بين الرئيسين التى لفتت نظر محرر «الأسوشيتدبرس» وراء النجاح لهذه القمة، فاللغة ليست كلمات وحسب، بل وجهات نظر، وخلاصة تفكير، وقدرة على اتخاذ قرار، كل هذا يخرج فى النهاية فى صورة لغة، تلك اللغة المتشابهة فى مفرداتها بمعناها الأعمق هى التى تقف وراء نجاح القمة التاريخية بين السيسى وترامب.. هذا النجاح الذى يقف وراءه احترام متبادل.. وتعاطف متبادل.. وأيضاً قضية يأخذها الطرفان كقضية مصير : الحرب على الإرهاب.

وقبل لقاء الرئيس السيسى بترامب أول أمس.. كانت بشائر النجاح الضخم لهذه الزيارة قد اتضحت.. سواء فى لقاء الرئيس السيسى برئيس البنك الدولى (جيم يونج كيم)، أو لقائه برئيس شركة (جنرال إلكتريك) أو رئيس شركة (لوكهيد مارتن)، فضلا عن لقائه شديد الدفء بالجالية المصرية فى أمريكا.. الذين قال لهم ضمن ماقال : «محتاجينكم لأنكم أهلنا .. نحن نبنى مصر الجديدة»، ولقد حقق القائد المنتصر الذى يبنى مصر الجديدة نصراً جديداً وكبيراً ومتعدد المستويات -فى السياسة الخارجية والأمن والاقتصاد والتسليح- بزيارته التاريخية هذه إلى الولايات المتحدة التى صار يرأسها رجل يحب مصر ويحترم قائدها، اسمه ترامب.. وهذه المستويات المتعددة ستكون فى حاجة إلى أقلام كبار المحللين، كل فى تخصصه، لشرحها وتقديمها إلى الرأى العام، ساعتئذ سيعرف المصريون حجم النصر الدبلوماسى الذى حققته زيارة الرئيس السيسى لأمريكا.