يعتبر الروائي العراقي أحمد سعداوي، الحاصل على الجائزة العالمية للرواية العربية عام 2013م، أن أمه هي المصدر الأول في تشكيل ثقافته، ووعيه، ويقول:"أمّي، كما هي أمهات الكثيرين، هي المصدر الثقافي الأول بالنسبة لي، لا أستطيع نسبة أشياء كثيرة في ذاكرتي إلى والدي، ولكن أول القصص الشعبية والأمثال والحكم والمواويل والأغاني والطرائف والنكات، وسرديات الأسلاف، جاءت من أمّي".
ويتابع صاحب رواية "فرانكشتاين في بغداد، على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مستعيدا ذكرياته وطفولته مع أمه: "أتذكر القصص الخيالية المرعبة بتفاصيلها التي كانت تحكيها لي وأنا في عمر الرابعة والخامسة. فيما بعد كنت أبحث عن جذور هذه الحكايات في ألف ليلة أو أي مصدر شعبي ولا أعثر على شيء، حتى انتهيت إلى يقين أنها كانت تؤلفها بنفسها، استجابة لحاجات اللحظة المرتبطة بي".
ويستكمل "سعداوي":"من دون أن أشعر، وبسبب أمي، كنت أجلس على كرسي افتراضي مصنوع من طابوقتين موضوعتين فوق بعضهما البعض الآخر، عند سياج ساحة مدرسة "الظفر الابتدائية" واروي على مسامع تلاميذ يتجمعون أمامي كيفما اتفق خلال "الفرصة"، ما تختزنه ذاكرتي من قصص أمي المرعبة الغريبة. كان المشهد يتكرر كل يوم، معززاً سلطتي كـ"قصّخون" صغير".
ويضيف:"المشهد ذاته، تكرر بعدها بسنوات، وأنا في زنزانة طويلة مع 500 معتقل أو أكثر في الانضباط العسكري للفيلق الثاني في ديالى، وخلال المساءات الثقيلة بروائح التعرق والجوع والشعور بالإنهاك والإذلال، كنت أحوّل روايات شهيرة الى "سوالف" على مسامع الجنود. وفي الليلة الأخيرة التي سبقت نقلنا صباحاً الى أماكن أخرى، انتبهت أن كل من كان قريباً من زاويتنا كان منشداً إلى هذا القصّخون الذي حلّ محل الراديو والتلفزيون في معتقلهم البائس".
ويختتم:"وضعي المعتاد أنني غالباً لدي أكثر من مشروع رواية أو كتاب، وأتخيل هذه المشاريع دائماً مثل قدور مفتوحة، بين حين وآخر أعثر على شيء مفيد فأرميه بأحد هذه القدور، حتى "يدق الجرس" عند قدر ما معلناً لي أن عناصر الطبخة اكتملت، وأتشجع للتفرغ لهذا المشروع حتى يبلغ صورته النهائية التي يراها بها القارئ...لدي مشروع رواية باسم أولي: كراهية. أنجزت مسوّدته الأولى في صيف 2011. ولكني في كل مرة أراجع بها هذه المسوّدة أخفق في العثور على خيط يدخلني إلى المعالجة النهائية".
يوم أمس كنت مع أمي، وكانت تروي لي يوميات معتادة تمرّ بها، كانت تتحدث وتعطي التفاصيل البصرية والسمعية للحوادث التي ترويها، وأتأكد معها أنني ورثت كل ما لدي اليوم منها تحديداً، إنها تشبهني، أو أنا أشبهها، وأثناء حديثها، ومن دون أن تدري، منحتني مفتاحاً مهماً للرواية. انفتق شيء أمامي، وتنفست الصعداء.
عثرت بسببك على مفتاح المعالجة النهائية أيتها القصخّون الأول، فشكراً لك يا أمي.