كتب : طاهر البهى
التقيته وكان المرض قد تمكن منه والصراع بينهما على أشده، وكان من بين ما قاله إن التمثيل وأجواء التصوير لها مفعول سحرى في مواجهة المرض، وأنه لا يحتاج إلى مسكنات من أي نوع أثناء وجوده في البلاتوه، وذكر مشهدا له كان مطلوب منه أن يحرك فيه مقعدا تعبيرا عن غضبه، وعندما حان وقت تصوير المشهد اندمج أحمد كما حكى لي بنفسه وإذا به يرفع المقعد ويطيح به في الهواء لينتهي المشهد بتصفيق حاد من العاملين في الفيلم.. وأخذ نفسا عميقا وبدأ يهدأ من اندماجه، وكما يكمل حكايته فإنه اندهش لهذه القوة وسط ضعف وهوان المرض، وحاول إعادة المشهد دون كاميرا ولا توجيهات مخرج إلا أنه لم يستطع تحريك المقعد من مكانه!
هذه القصة تكشف عن شخص عشق الفن حتى توحد معه، وصار عقارا سحريا يشفيه من الألم مهما تكالب عليه المرض، إلا أنه في لحظات الفن ينتصر عليه..
أحمد زكي شحنة من الفن والألم والمعاناة، منها صنع نجوميته وغير مفاهيم سائدة عن الفتى الأول صاحب العينن الزرقاوين والشعر الأصفر والعضلات المفتولة وتربع على عرش النجومية بملامح البسطاء، استكمالا لمشواره مع المحن والآلام.
بدأت معاناة أحمد زكى عندما شهدت محافظة الزقازيق مولد طفل آخر يتيم أصبح امبراطور السينما المصرية وحاصد الإيرادات في ما بعد، عاش الفتى الأسمر طفولة قاسية فلم يعرف السعادة إلا لحظات نادرة مع زوجته وابنه الوحيد هيثم حتى أطل الفشل مرة أخرى في حياته الزوجية عندما تصور أن الحياة قد ابتسمت له، وإذا تذكرنا معا آخر أيامه سنتذكر معها أيضا معاناته الشديدة مع المرض الذى أنهى حياته، ليرحل النجم الأسمر عن عمر يناهز 55 عاما بعد أن استطاع أن يخلد ذكره بحروف من ذهب فى ذاكرة السينما المصرية.
طفولة معذبة
«الإبداع يولد من رحم المعاناة » انطبقت هذه المقولة بشكل كبير على الفنان أحمد زكى حيث عانى من مرارة اليتم منذ طفولته بعد أن توفي والده وهو لا يزال جنينا في رحم أمه دون أن يرى أحدهما الآخر، ثم الزواج السريع لأمه من شخص آخر، ليعيش مع جدته، وبعد وفاتها انتقل إلى منزل عمته، يعانى من نقص الحنان والدفء الأسرى ويكتم جراحه وآلامه، وقد تحدث أحمد زكى فى حوار قديم له عن مرحلة طفولته بمرارة شديدة قائلا «كبرت فى بيوت العائلة بلا أب ولا إخوة، ورأيت أمى للمرة الأولى وأنا فى السابعة، ذات يوم جاءت إلى البيت حزينة، ورأيتها تنظر إلى بعينين حزينتين، ثم قبلتنى دون أن تتكلم ورحلت، شعرت باحتواء غريب، وما زالت هذه النظرة تصاحبنى حتى الآن، فى السابعة من عمرى أدركت أننى لا أعرف كلمة أم ولا أب، وإلى اليوم عندما تمر فى حوار مسلسل أو فيلم كلمة بابا أو ماما أشعر بحرج ويستعصى على نطق الكلمة .» بعد انتهائه من المرحلة الإعدادية، التحق بمدرسة الزقازيق الثانوية الصناعية وعمل كحداد لكنه كان يعشق التمثيل والفن، إلى أن اكتشفه الفنان الكبير صلاح منصور وعدد من الفنانين كانوا يعرضون مسرحية في الشرقية، وشجعوا أحمد زكى على الالتحاق بالمعهد العالى للفنون المسرحية، وهنا واجه النجم الأسمر التحدى الأول فى حياته، فهل يترك عمله ودراسته حيث كان من المفترض أن يكمل دراسته بالمعهد العالى الصناعى، وبلده التى عاش فيها طوال سنوات عمره، ليستقر فى القاهرة؟ وكيف سيعيش فيها؟ وهل سيجد قوت يومه؟ لكنه قبل التحدى وقدم أوراقه لمعهد الفنون المسرحية ونجح فى الاختبارات وكان ترتيبه الأول طوال سنوات الدراسة، وعلى الرغم من تحمله الصعوبات التى واجهها طوال سنوات الدراسة بسبب ظروفه المادية الصعبة ظنا منه أنها انطلاقة لعالم جديد إلا أن الحظ العثر لا يزال يلاحقه حيث خسر أداء دور البطولة في فيلم الكرنك لأن شكله لا يصلح لتجسيد حبيب سعاد حسني.
ولكن الله كان يدخر له نجاحات أخرى، وإن كان عاش محروما من دفء الأسرة وحنانها حيث قضى أيامه مرتادا للفنادق.