الأحد 23 يونيو 2024

القارة السمراء تشهد حدثا تاريخيا بإقامة منطقة التجارة الحرة الأفريقية

تحقيقات8-7-2019 | 11:36

يعد إقامة "منطقة التجارة الحرة الإفريقية القارية" التي أعلن إطلاقها الرئيس عبد الفتاح السيسي - رئيس الاتحاد - خلال القمة الاستثنائية التي استضافتها نيامي عاصمة النيجر بعد توقيع ٢٧ دولة من دول الاتحاد من بين ٥٥ دولة، حدثا تاريخيا يشهده الاتحاد الأفريقي ويمثل خطوة في الاتجاه الصحيح على طريق التكامل والتعاون الاقتصادي والتجاري الأفريقي .


ويضاهى إقامة "منطقة التجارة الحرة الإفريقية القارية" في أهميتها تحول منظمة الوحدة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقى ، مستهدفا العمل على تشبيك التكتلات الاقتصادية في القارة، التي تتسم بالقوة، وأهمها التكتلات الثلاثة وهى الكوميسا (السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا)، والسادك ( تجمع تنمية الجنوب الإفريقى )، واتحاد شرق أفريقيا، ويبلغ تعداد سكان الدول الأعضاء في التجمعات الثلاثة ما نسبته نصف سكان قارة أفريقيا، ويبلغ ناتجها القومي نحو 4 تريليونات دولار سنويا، مما يجعلها واحدا من أكبر أسواق العالم.


وستسهم منطقة التجارة الحرة التى طال انتظارها فى بناء إفريقيا موحدة ومزدهرة، وستفتح آفاقا كبيرة لعمليات التبادل التجاري بين الدول الموقعة على اتفاقيتها، وستساعد في بناء أفريقيا بالطريقة التي يريدها الأفارقة، وتحولها من قارة طاردة إلى جاذبة للسكان والاستثمار، ولذلك فإنها تعد طوق النجاة لتنمية القارة السمراء التي تعاني من صراعات داخلية ونزاعات حدودية بين الدول ترتبت على الخرائط التقسيمية الاستعمارية القديمة .


وتنظم اتفاقية المنطقة الحرة حركة تبادل السلع بين الدول الأعضاء ، وتعزيز التجارة البينية، وإزالة الحواجز الجمركية بين دولها، وتسهيل عملية انتقال السلع والبضائع والاستثمارات، وصولا للسوق الأفريقية المشتركة، مما يسهم في خفض الأسعار وهو ما يصب في مصلحة المواطن الأفريقي.


وتنص الاتفاقية على تطبيق مبدأ المعاملة الوطنية بمنح كل دولة عضو معاملة لا تقل تفضيلا عن تلك الممنوحة لمثيلاتها من المنتجات المحلية، فضلا عن إلغاء رسوم الواردات وإلغاء القيود غير الجمركية، وأى رسوم ذات أثر مماثل من شأنها التأثير سلبا على تدفق التجارة البينية، مع التزام الدول الموقعة على الاتفاقية بعدم فرض أي قيود كمية على الصادرات أو الواردات، وكذلك اتخاذ كل التدابير اللازمة للتعاون الجمركي والتدابير الخاصة بمكافحة الإغراق والرسوم التعويضية. 


ويهدف الاتفاق أيضا إلى تقديم المعونات الفنية لبعض الدول الإفريقية لمساعدتها في التنمية، وتعزيز التواجد المصري في أسواق الدول الأفريقية من خلال التواجد السلعي للمنتج المصري في أسواق تلك الدول مع استيراد المواد الخام المتاحة والسلع الأخرى التي تحتاج إليها لزيادة اعتماد دول حوض النيل على السوق المصري كمستورد رئيسي لسلعهم.


ووضعت مصر استراتيجية لتنمية العلاقات التجارية المصرية الأفريقية انطلاقاً من رئاستها للاتحاد الإفريقي في دورته الحالية، ودعمها للمساعي الإقليمية نحو التكامل والتي يتبناها الاتحاد بالتعاون مع التكتلات الاقتصادية المقامة في القارة الإفريقية، لتحقيق مجموعة من الأهداف على رأسها تشكيل مصالح ومنافع مشتركة وتكامل وثيق مع دول القارة للعمل على الخروج بمصر في علاقاتها مع الدول الإفريقية من دائرة كونها مشتركة في منطقة جغرافية إلى مفهوم أشمل يعتمد على دفع عجلة التنمية الاقتصادية في إطار متوازن بين دول القارة والعمل على زيادة حجم التجارة البينية. 


وحرصت مصر في هذا الصدد على تقديم تقرير حول "منطقة التجارة الحرة القارية "، خلال مشاركتها في أعمال القمم السابقة للاتحاد، والتي عقدت قبل توليها رئاسته، وأكدت فيه دعمها الكامل لعملية التفاوض وتمسكها بالحفاظ على الزخم القائم في هذا الشأن للمضي قدما على جناح السرعة من أجل اختتام المفاوضات في الوقت المحدد وفقا لخارطة الطريق ذات الصلة.


ويستند الدافع إلى النجاح في إنشاء منطقة تجارة حرة قارية في إفريقيا إلى الرؤية المتكاملة لضرورة خلق فرص اقتصادية حقيقية لرواد الأعمال والمستثمرين داخل القارة، و ضرورة أن يتم تحرير تجارة السلع بصورة مرضية لطموحات الشعوب الإفريقية ومجتمعات رجال الأعمال الأفارقة، مع مراعاة خصوصية الصناعات الوليدة وذات الأهمية الاستراتيجية، بما يسمح بمواجهة التحديات الراهنة في مجال المنافسة على الأسواق العالمية.


وساهمت مصر في تمهيد الطريق نحو توقيع هذا الاتفاق، باعتبار أن لها رؤية استراتيجية اقتصادية في القارة الأفريقية، إذ بدأ التشاور حول الاتفاق منذ عام 2008 حيث تم عقد القمة الأولى بأوغندا والتي شهدت توافقا وتأكيدا من الدول المشاركة على وضع حجر أساس نحو تحقيق الجماعة الاقتصادية الإقليمية، وبعد 3 سنوات انعقدت القمة الثانية بجنوب أفريقيا والتي شهدت بدء المفاوضات ووضع خطوط عريضة لخارطة الطريق لإنشاء منطقة التجارة الحرة، كما تم وضع الإطار المؤسسي ومبادئ ومراحل التفاوض، وشهدت قمة شرم الشيخ التي انعقدت في عام 2015 اطلاق منطقة التجارة الحرة للتكتلات الثلاثة الاقتصادية (الكوميسا – السادك – جماعة شرق إفريقيا) وصدر إعلان ختامى للقمة .


وتم اعتماد المرحلة الأولى من المفاوضات وخارطة طريق لما بعد التوقيع، الأمر الذي ساهم فى حسم المفاوضات في كيجالي ، وتم توقيع اتفاق إطلاق منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية تحت اسم "اتفاق التكتلات القارية في أفريقيا"، بعد مفاوضات استمرت قرابة الـ 10 سنوات، حيث وقعت مصر وعدد من الدولة الأفريقية على الاتفاق، الأمر الذي يعتبره المهتمون بشأن التجارة في العالم الاتفاق الأكبر من حيث الدول المشاركة فيه منذ إنشاء منظمة التجارة العالمية.


وتزامن هذا التوقيع مع جهد جاد من الاتحاد الأفريقي لفض المنازعات واقرار السلام، مما سيسهم في إنعاش التجارة وأن تصبح تلك المنطقة الحرة إنجازا كبيرا ، فقارة أفريقيا تمتلك من الثروات الطبيعية ما لا يتوفر في أي مكان آخر في العالم"، ويعمل الاتحاد الأفريقي بقوة منذ سنوات تأسيسه على تنشيط حركة الاستثمار وفتح مجالات للعمل وتبادل السلع فيما بين دوله . 


وانطلقت فكرة التكامل الإقليمي الاقتصادي الأفريقي من خطة عمل لاجوس لعام 1980 ، ومعاهدة أبوجا لعام 1991 حيث تم تعزيز فكرة إنشاء الجماعة الاقتصادية الإفريقية للوصول إلى التكامل الإفريقي ، وفي إطار عملية التكامل في القارة الإفريقية جاء قرار التجمعات الثلاث (الكوميسا و السادك وجماعة شرق إفريقيا) البدء في إجراء مفاوضات فيما بينهم لإبرام اتفاق التكتلات.


ويمكن لهذا الاتفاق أن يكون وسيلة لزيادة حجم التجارة بين مصر ودول التكتلات الثلاث في القارة مع تذليل العوائق الجمركية بين البلدان الموقعة على الاتفاق، كونه يضم سوقا يبلغ عدد سكانه 1.2 مليار نسمة ، وناتجا محليا إجماليا قدره 2.5 تريليون دولار، وكذلك يشجع التجارة الأفريقية على التنويع بعيداً عن صادراتها التقليدية من السلع الأساسية خارج القارة، كما أن حجم التجارة الداخلية فى أفريقيا 20 % فقط ، ويعطى الاتفاق فرصة ذهبية للتواجد المصري بقوة في عدد دول أكبر وبتسهيلات أفضل تتيح نفاذ بضائع مصنعة بمصر لكافة الدول الأفريقية بخلاف الاتفاقات الإقليمية الأخرى ، ويتيح تحقيق قيمة مضافة للسلع المصنعة، داخل مصر ورفع القدرة التنافسية، لتلك السلع وزيادة حركة التجارة البينية والاستفادة من المواد الخام والثروات الطبيعية، وكذلك دخول مصِر في شراكات واستثمارات كبيرة مع دول التكتل واتاحة مساحة كبيرة لحرية حركة رؤوس الأموال والأفراد ورجال الأعمال، بما ينعكس إيجابيا على توفير المزيد من فرص العمل أمام شباب مصر والدول الأفريقية.