الخميس 30 مايو 2024

في ذكراها الـ67.. عوامل وأسباب دفعت لقيام ثورة 23 يوليو.. الفساد وهزيمة حرب فلسطين يؤججان الغضب.. وحريق القاهرة يعجل بالتحرك

تحقيقات15-7-2019 | 15:47

سبعة وستون عاما مرت على قيام ثورة 23 يوليو، والتي ستظل واحدة من أهم العلامات في التاريخ المصري الحديث والتي استطاعت تغيير وجه الحياة في مصر وإسقاط نظام الملكية وإعلان مصر دولة جمهورية، والتي قامت من أجل القضاء على الفساد والاستبداد وتأسيس حياة ديمقراطية.

ولم يكن تحرك تنظيم الضباط الأحرار ضد نظام الملك فاروق في ثورة 23 يوليو عام 1952 وليد اللحظة، بل جاء نتيجة تراكمات من الأحداث والأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية عاشتها مصر تحت وطأة الاحتلال الإنجليزي وفساد نظام الملك، وكان آخرها مذبحة الإسماعيلية وحريق القاهرة في يناير من العام نفسه، والتي كانت قوة دافعة للثورة.

 

 

هزيمة حرب فلسطين

بعد إعلان بريطانيا إنهاء انتدابها على فلسطين وقيام دولة إسرائيل في 15 مايو عام 1948، هبت الحركات الوطنية في الوطن العربي للمقاومة، وأصدر الملك قرارها منفردا بدخول الحرب وكذلك اشتركت الجيوش العربية في الحرب دون الاستعداد القتالي الكافي لها، حيث أمدت بريطانيا العصابات الصهيونية بالأسلحة ورفضت مد الجيوش العربية بها.

وخلال الحرب اتضحت حقيقة الأسلحة الفاسدة التي وردت للجيش، ولقيت الجيوش العربية هزيمة كبيرة، وعاد أبناء الجيش المصري بنفوس غاضبة وبدأت تتشكل النواة الأولى لتنظيم الضباط الأحرار الذي قاد الثورة فيما بعد، حيث أيقنوا ضرورة إقامة جيش وطني قوي عبر التحرر من الملك والاحتلال.

 

الفساد وعدم الاستقرار

ومن أبرز عوامل تأجيج الثورة والغضب ضد نظام الملك كانت تجاوزات القصر الملكي وفساد حاشيته، فضلا عن عدم استقرار الحياة السياسية والتي عانت من الفرقة والانقسام ومحاولات الأحزاب الوصول للحكم حتى عبر التقرب من الاحتلال الإنجليزي، وهو ما ظهر جليا خلال حادث 4 فبراير 1942 إذا أحاطت دبابات الاحتلال الإنجليزي قصر عابدين وأجبر الاحتلال الملك فاروق على تأليف وزارة يرأسها مصطفى النحاس أو أن يتنازل عن العرش، وبالفعل تولى النحاس رئاسة الحكومة حينها.

ومن أبرز الدلائل على الاضطراب السياسي في مصر آنذاك هو تولي أربع وزارات المسئولية خلال فترة ما بعد حادث حريق القاهرة من 27 يناير 1952 و22 يوليو 1952 وهي وزارة علي ماهر باشا من (28 يناير حتى أول مارس 1952)، ووزارة أحمد نجيب الهلالى الأول من (أول مارس حتى 28 يونيو)، ووزارة حسين سري ( من 2 يوليو حتى 20 يوليو)، وأخيراً وزارة الهلالي باشا (22 يوليو).

 

صمود مدن القناة

كانت مدن القناة هي وقود العمل الفدائي ضد الاحتلال، لذلك عمل الاحتلال على السيطرة عليها بالكامل وعزلها عن بقية البلاد وإخضاعها لحاكم بريطاني، ما أدى لتشكيل كتائب من الشباب الفدائيين الذين تولوا زمام المقاومة ووقعت العديد من المعارك خلال الفترة بين عامي 1951 و1952.

ومن أبرز هذه المعارك معركة السويس الأولى فى 3 ديسمبر عام 1951، والتي رد الإنجليز فيها على خسائرهم في الأرواح بإزالة حي بأكمله من أحياء مدينة السويس هو حي "كفر أحمد عبده"، ثم معركة السويس الثانية في 3 يناير 1952 ومعركة أبي صوير في 4 يناير1952، ومعركة التل الكبير في 12 يناير1952، والتي شهدت استشهاد 7 فدائيين.

ولعل هذه المقاومة هي التي زادت من وحشية الاحتلال، إذا ارتكب مذبحة في محافظة الإسماعيلية، ففي 25 يناير 1952، حاصر الإنجليز مبنى المحافظة وطلبوا من جنود البوليس الجلاء عن الدار، إلا أن وزير الداخلية فؤاد سراج الدين أمر هذه القوات بالمقاومة وعدم الاستسلام.

وقد ظل جنود البوليس وعددهم 800 يقاومون سبعة آلاف جندي بريطاني، رغم أن المعركة لم تكن متكافئة فأفراد الشرطة المصرية يقاومون بأسلحة قديمة وكمية محدودة من الرصاص في حين أن جنود الاحتلال مسلحون بأحدث أنواع الأسلحة، استمرت المعركة دون أن يستسلم أفراد الشرطة المصرية، ما أدى لاستشهاد ما لا يقل عن ثمانين جندياً دون أن يقبلوا الاستسلام، ليسجل هذا اليوم فيما بعد عيدا للشرطة.

وأدت هذه المذبحة إلى إبلاغ وزارة الخارجية المصرية ممثلي دول العالم المجتمعين وقتها في الجمعية العمومية للأمم المتحدة بمذكرة عن هذه الفظائع ، واستدعت مصر سفيرها في بريطانيا احتجاجاً على تصرفات السلطات البريطانية الوحشية.

 

حريق القاهرة

في اليوم التالي لمذبحة الإسماعيلية وتحديدا في 26 يناير لعام 1952 سادت البلاد موجة من الغضب وقامت قوات بلوك النظام الموجودة بمنطقة القاهرة بالتجمع لإظهار سخطهم على مذبحة الاسماعيلية، وتحركت هذه القوات في شبه مظاهرة واتجهت إلى جامعة القاهرة والتي عرفت حينها باسم "الملك فؤاد".

وشهدت محلات القاهرة في هذا اليوم حريقا ضخما طال المحلات التجارية الكبرى والفنادق الراقية والعمارات والفنادق الراقية والنوادي وانتشرت الحرائق حتى وصلت إلى شارع الهرم وحتى ساعة متأخرة من الليل، حيث كانت النيران قد التهمت نحو 700 محلا ومكتب وأماكن متفرقة في شوارع وميادين العاصمة.

انتهى الأمر بإعلان الأحكام العرفية وحظر التجول، وقد وجهت أصابع الاتهام حينها إلى القصر الملكي وجماعة الإخوان وللاحتلال البريطاني.

 

تردي الأوضاع

على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، عاش المجتمع المصري أوضاعا سيئة في الفترة ما قبل الثورة، بسبب الإقطاع وانصراف حكام البلاد عن الإصلاح، حيث وأقام الأجانب شركات الزراعة والرهون العقارية والبناء والنقل، بحيث صارت الحياة الاقتصادية في قبضتهم، وشهد المجتمع فجوة كبيرة بين الطبقات فانعدمت العدالة الاجتماعية بسبب الإقطاع، وقضى العمال والفلاحين حياتهم لا يملكون شيئا ومحرومون من كل الخدمات.

وتشير الإحصاءات عن تلك الفترة إلى مدى سوء توزيع ملكية الأراضي الزراعية، حيث أنه من مجموع مساحة الأراضي المزروعة البالغة ستة ملايين فدان تقريباً كان هناك 280 مالكاً فقط يمتلكون 583,400 فدان في حين كان مليون ونصف مليون مالك لا تزيد ملكية الواحد منهم على نصف فدان، بل إن الغالبية العظمى من الملاك الزراعيين كانت لا تزيد ملكية الواحد منهم على ربع فدان.

ونتيجة لكل العوامل السابقة اجتمع تنظيم الضباط الأحرار على فكرة واحدة وهي التخلص من فساد الملك بالثورة ضده، وبدءوا يحددوا موعدا لهذا التحرك، وساهم حريق القاهرة بدور كبير في التعجيل بموعد التحرك ليكون في 23 يوليو، ورفعت الثورة وقت قيامها مبادئا ستة لتقضي على كل تلك السلبيات، وهي القضاء على الإقطاع والقضاء على الاستعمار، والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، وإقامة جيش وطني قوي، وإقامة عدالة اجتماعية، وإقامة حياة ديمقراطية سليمة.