تحتفل منظمة الصحة العالمية وشركاؤها في 21 مارس من كل عام باليوم العالمي لمتلازمة دوان، وفي احتفالية العام الجاري المقررة السبت المقبل، سوف تركز مؤسسة "داون سيندروم إنترناشيونال" على موضوع (نحن من يقرر) دعوة منها ليتمتع جميع المصابين بالمشاركة الكاملة في اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهم أو التي تؤثر عليها، حيث أن المشاركة الفاعلة والهادفة هي مبدأ أساسي من مبادئ حقوق الإنسان، وفق ما تدعمه اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعامة.
فالواقع اليوم هو أن المواقف السلبية والتوقعات المنخفضة والتمييز والاستبعاد يؤكدون ترك الأشخاص من ذوي متلازمة داون في الخلف وعدم إتاحة الفرصة لهم للمشاركة الكاملة في اتخاذ القرارات بشأن الأمور التي تتعلق بحياتهم أو تؤثر عليها على جميع المستويات، وفي إطار هذا التمييز والاستبعاد، هناك عدم فهم للتحديات التي يواجهها الأفراد طوال حياتهم بجميع مجالات الحياة: مثل التنمية الشخصية مدى الحياة والعلاقات الشخصية والتعليم والرعاية الصحية والعمل وسبل العيش والترفيه والمشاركة في الحياة العامة، لذلك يجب على جميع الأشخاص من ذوي متلازمة داون المشاركة في صنع القرار على قدم المساواة مع الآخرين.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت في ديسمبر 2011 قرارها 149/66، والذي ينص على إعلان يوم 21 مارس يومًا عالميًا لمتلازمة داون ويحتفل به سنويًا، وجاء اختيار يوم 21 مارس من أجل لفت الانتباه إلى كروموسوم 21 الذي يولد به الطفل مريض متلازمة داون ولا يوجد لدى الأطفال العاديين، وذلك من أجل مزيد من التوعية بالمرض.
ومتلازمة داون تحدث في الشخص عندما يكون لديه نسخة إضافية (كاملة أو جزئية) من الكروموسوم 21، والتي تؤثر على تطور الفرد وتؤدي إلى الخصائص التي نعرف أنها مرتبطة بمتلازمة داون، حيث أن الكروموسومات عبارة عن "حزم" صغيرة من الجينات فى الجسم تحدد كيف يتشكل جسم الطفل أثناء الحمل وكيف يعمل جسمه أثناء نموه في الرحم وبعد الولادة، وعادة يولد أي طفل مع 46 كروموسومات لكن الأطفال الذين يعانون من متلازمة داون لديهم نسخة إضافية من أحد هذه الكروموسومات وهو كروموسوم 21 والذي يسمى بـ"التثلث الصبغي".
وسميت المتلازمة بهذا الإسم نسبة إلى الطبيب الإنجليزي "جون لانجدون داون" الذي كان أول من وصفها في عام 1862، قبل أن يصنفها كإحدى حالات الإعاقة العقلية في تقرير موسع نشره عام 1866، ولم يتم توصيفها كاضطراب جيني حتى عام 1959، بواسطة عالم الوراثة الفرنسي "جيروم لوجين".
ويصاحب المتلازمة غالبًا ضعف في العقل والنمو البدني، فنسبة ذكاء هؤلاء الأطفال أقل من المعدل أو المتوسط الطبيعي، ويتميز المصاب بملامح خاصة عن الأشخاص الطبيعيين إلا أنه قد يحظى ببعض التميز، وقد يظهر هذا التميز من خلال تمتعهم ببعض مصادر للقوة تتفوق على الفئات الأخرى التي تعاني من هذه المتلازمة، كسرعة التعلم بالتقليد وحدة البصر فيما يتعلق بالتمييز بين الأشكال والصور بحيث يكون لديهم القدرة على الفهم أكثر من التعبير، ولكنها في المتوسط لا تصل لمستوى النمو الطبيعي لأقرانهم الأسوياء.
كما أن المصابين بمتلازمة داون يعانون من تشوهات وضعف وتقوس في العمود الفقري ، خصوصًا فقرات العنق إضافة إلى الأقدام المسطحة وانحناءة في مقدمة القدم، وارتخاء أربطة مفاصل الورك وتعرضها للخروج عن مكانها الطبيعي، وخلع في صابونة الركبة، وليونة في جميع أربطة المفاصل بالجسم وتشوهات خلقية بالقلب، وكسل في الغدة الدرقية، وازدياد احتمالية الإصابة بمرض السكري، والبلوغ المبكر، ولهم صفات شكلية مميزة، تتمثل في قصر الرقبة، وصغر تجويف الفم والأذن، وتسطُّح في جسر الأنف، مع نقط بيضاء على قزحية العين، وقصر القامة، وضعف العضلات .
ويصعب الحديث عن الاعتلالات الصحية الخاصة بالأشخاص أصحاب متلازمة داون، دون الإشارة إلى مرض ألزهايمر، إذ أظهرت دراسة أعدتها "جمعية ألزهايمر الأمريكية"، إلى أن بدء العلاج في منتصف الثلاثينيات - بالنسبة لأصحاب متلازمة داون، وقبل إصابتهم بألزهايمر- من الممكن أن يسهم في حمايتهم من المضاعفات، محذرةً من تَزايُد احتمالات إصابة أصحاب المتلازمة به عند بلوغهم سن الأربعين أو ما بعده.
ويقدر عدد المصابين بمتلازمة داون بين 1 في 1000 إلى 1 في 1100 من الولادات الحية في جميع أنحاء العالم... ويولد كل عام ما يقرب من 3 آلاف إلى 5 آلاف من الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب الجيني.. كما يعتقد بأنه يوجد حوالي 250 ألف عائلة في الولايات المتحدة الأمريكية ممن تأثروا بمتلازمة داون.
ولا يوجد في مصر رقم محدد معلن لعدد المصابين بـ"متلازمة داون"، لكن البيانات الرسمية التي تضمنها تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء" حول التعداد السكاني لعام 2017، تشير إلى أن نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر بصورة عامة والتي وصفها التقرير (بالصعوبات من الكبيرة إلى المطلقة) لا تتعدى 2.61% من إجمالي تعداد السكان، وتشير بعض الدرسات إلى أن نسبة ولادة أشخاص بمتلازمة داون في مصر تبلغ 1 من بين كل 600 شخص.
وبالرغم من ارتباط متلازمة داون بالتأخر العقلي، إلا أن هناك دراسة أجراها باحثون أمريكيون في مجال علم الوراثة ذكرت أن المصابين بها لا يكفون عن التعلّم وتطوير مهاراتهم وإدراكهم بشكل مستمر، مع الانتقال من مرحلة عمرية إلى أخرى، وتتبعت الدراسة حال 2658 أسرة أمريكية وهولندية كان لديها أطفال مصابون بمتلازمة داون، والتي أوضحت تمتع هؤلاء الأطفال بالعديد من المهارات؛ إذ تمكن 49% من أفراد العينة من القراءة بصورة معقولة، و46% كانوا يكتبون بصورة معقولة، بينما بلغت نسبة مَن يمكنهم السفر بمفردهم 30%، ومن يمكنهم العيش بصورة منفصلة عن ذويهم 34 %، أما نسبة مَن التحقوا بوظائف عند تخطيهم 31 عامًا فكانت 71% في أمريكا و65% في هولندا.
وربطت الدراسة بين التطور في مهارات المصابين بمتلازمة داون والمستوى التعليمي لعائلاتهم، فكلما زاد المستوى التعليمي للعائلة نجحت الأسرة في منح مهارات أكثر لأبنائها.
وأوضحت منظمة الصحة العالمية أن نوعية حياة الأشخاص المصابين بمتلازمة داون يمكن أن تتحسن في حالة إحاطتهم بالرعاية الأسرية والصحية، مع دمجهم في المجتمع ومدهم بالمهارات اللازمة، مشيرة إلى أن متوسط أعمار أطفال متلازمة داون ارتفع كثيرًا بسبب الرعاية والمتابعة، ففي خلال التسعينيات من القرن الماضي كان يعتقد أن أعمار هؤلاء لن تتخطى الـ10 أعوام، في حين أن 80% منهم قد يعيشون الآن لـ50 عامًا أو أكثر.