عانى المجتمع المصرى لفترة طويلة من غياب عدد من القيم والأخلاق يأتى فى مقدمتها
الشهامة والمروءة، اللتان غابتا خلال الفترة السابقة حتى أصبحنا بالكاد نجد من يتصف
بهما، وذلك بسبب ظهور متغيرات جديدة طرأت على المجتمع نتجت عن دعاوى وأفكار
وتنظيمات تستتر خلف دعاوى التحرر والتقدم، وحرية إبداء الرأي، وفى المقابل، زادت
البلطجة والسرقة، والمخدرات.. لتدق ناقوس خطر، وجرس إنذار حول ضرورة العودة إلى
قيمنا التى كانت درعا حاميا للهوية والشخصية المصرية.
عودة خطاب الدينى والتثقيفي لدوره
قال الشيخ أحمد ترك من علماء الأزهر الشريف، إن
قيمة الشهامة والمروءة مترسخة داخل المجتمع المصري منذ قديم الأزل، مثلها مثل
الشجرة التي لها جزء موجود في باطن الأرض يعتبر أساس الحياة لهذا الغرس، وآخر فوق
الأرض قد يصيبه بعض السوء أحيانا.
ورفض ترك في تصريح لـ«الهلال اليوم»، تعميم فكرة غيابها بشكل مطلق، مؤكدا أن قيمة
الشهامة والمروءة موجودة ومتجذرة في وجدان المصريين، ولكنها قد تكون غير مفعلة لدي
البعض بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية.
ودلل ترك، على ذلك بأن
هذه القيم دائما ما تظهر عند الأزمات فيقل معدل الجرائم والسرقة، وهو ما تكرر في
مواقف كثيرة مر بها المصريون، وأخرها أزمة كورونا التي أظهرت الكثير من أخلاق
المصريين التي كانت غائبة، مشددا على أن الشدائد دائما ما تظهر المعدن الأصيل لدى
الشعب المصري.
وأوضح الداعية الإسلامي، أننا في حاجة ملحة إلى خطاب ديني وثقافي وتعليمي
يستدعى هذه القيم لدى
المصريين، ويعمل على إحياء ما قد يكون قد غاب منها بسبب ظروف معينة لبعض الوقت، مطالبا الاعلام
بإلقاء الضوء على النماذج الحسنة، وإظهار خطابات المؤسسات الدينية والتعليمية
والتثقيفية في مصر والتي تحث على تثبيت قيمة المروءة والشهامة ودعمها، والتصدي لكل
ما يحاول هدمها باعتبارها أساسا من أسس ثبات الهوية المصرية.
سبل استعادة قيم الشهامة والمروءة
قالت
النائبة إليزابيث شاكر، عضو مجلس النواب إن تواري قيم الشهامة والمروءة لا يعنى
اندثارها نهائيا من المجتمع المصري، مضيفة إنه كون هناك بعض الاستثناءات والعوامل
الخارجة عن نسق المجتمع التي قد ساهمت في تراجعها فإنه لا ينبغي تعميمها على
المجتمع ككل.
وطالبت "شاكر" في تصريح لـ«الهلال
اليوم» بضرورة استدعاء تلك القيم التي عاش عليها المجتمع المصري طوال عقود، وميزت
الشارع المصري من نجدته للغير، ومساعدة المحتاج، والضرب على أيدي البلطجة وقاطعي
الطريق، مؤكدة على ضرورة تذكير المصريين بما لديهم من موروث أخلاقي كبير من
الشهامة والمروءة.
وأوضحت أن استعادة قيم الشهامة والمروءة لدى
المصريين لا يتم إلا عن طريق خلق جو عام مناسب يساعد على إظهار مروءة وشهامة
وبطولات المصريين، مشيرة إلى أن لدينا نماذج كثيرة تؤكد على رسوخ قيم المروءة
والشهامة في المجتمع.
ولفتت إلى الدور البطولي الذى يبليه أبطالنا
في سيناء، والذين هم من رحم هذا الشعب، وعندما استدعاهم الوطن لبوا النداء بكل
بسالة وشهامة ومروءة وفداء، وكانوا خط الدفاع الأول عن الوطن، فسجلوا أروع
البطولات كما نشاهد عبر وسائل الإعلام.
وأكدت "شاكر" ، أن ما يحدث من
خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ساهم في تغييب هذه القيم، من خلال ما ينشر من أشخاص
وجهات غير مسئولة هدفها تغريب وتجريف المجتمع، لافتة إلى أن وسائل الإعلام
والمؤسسات الدينية والتوعوية والتثقيفية عليها دور كبير في تصحيح المسار واستعادة
قيم الشهامة والمروءة.
دور الدراما فى تغيب قيم المروة والشهامة
وقال الدكتور جمال فرويز
أستاذ علم النفس، إن غياب الشهامة والمروءة وانحسار القيم السمحة يعد نتاجا
لسنوات من التجريف الذى لحق بالشخصية المصرية عن عمد، بسبب وجود خطط ممنهج هدفه
لتغيير الهوية المصرية والقضاء عليها.
ولفت فرويز في تصريح
لـ«الهلال اليوم» أن تواري قيم الشهامة والمروءة أدى إلى تغيرات جذرية حدثت في
المجتمع من زيادة معدل الجريمة وارتفاع نسب الإدمان والبلطجة وخاصة بين
فئة الشباب، الذي يعتبر هدفا رئيسيا للقضاء عليه، في إطار خطط ممنهجة لتدمير
الوطن، من قوى معادية داخليا وخارجيا.
وأكد أستاذ
علم النفس، أن ما حدث فى 2011 أسقط ورقة التوت الى كان تحافظ على ما تبقى من قيم
وشهامة ومروءة، وخرج علينا أفكار ومصطلحات جديدة تتوارى خلف فكرة الحرية المطلقة
التي تنتهك كل قيم بحجة التعبير عن الرأى والحرية المفرطة .
وشدد فرويز، على مؤسسات الدولة الدينية
كالأزهر والكنيسة، والتعليمية، والتثقيفية والاندية ومراكز الشباب عليها دور كبير
في محاولة الحفاظ على الهوية، وعودة قيم الشهامة والمروءة المصرية إلى ما كانت
عليه في السابق.
وشدد على أن الدراما لعبت دورا كبير في تغيب
هذه القيم، من خلال إلقاء الضوء على النماذج الفاسدة فى المجتمع، وتقديمها نماذج
البلطجة والمخدرات والعنف كقدوة للشباب، بجانب تعمدها تهميش النماذج الناجحة التي
تفيد المجتمع، بل وفى احيان كثير السخرية منها، مطالبا الدولة بالتدخل لوضع حد
لذلك، وإعادة الدراما والإعلام إلى دوره الذى كان عليه من أجل استعادة الشخصية
المصرية الحقيقية.
وطالب فرويز وزارة التربية والتعليم
بالاضطلاع بدورها بشكل أكثر فاعلية، مؤكدا أن دروس التربية، والتعليم لابد ألا
تكون فقط ونظرية، ولكن لابد أن تكون ايضا عملية من خلال المتابعة لسلوك الطلاب،
والتنسيق مع الاسرة من أجل خلق نشء قويم أساسه المحافظة على قيم الشهامة والمروءة
والأخلاق، مشددا على ضرورة الربط بين العلوم والأخلاق التى يوجد برامج ومناهج
مخصصة لهذا الربط تحث على لغة الحوار، ومساعدة الغير، والإعلاء من قيم الشهامة
والمروءة ونشرها بين الأفراد.