أكد اللواء محمد إبراهيم الدويري، نائب المدير العام للمركز المصري للفكر
والدراسات الاستراتيجية، أن مصر لديها قيادة سياسية قادرة على تقييم حجم
التهديدات للأمن القومي وكيف تواجهها في الوقت المناسب.
وكتب اللواء محمد إبراهيم، في مقالة له، اليوم الجمعة، على الموقع
الإلكتروني للمركز المصري الفكر والدراسات الاستراتيجية، بعنوان "الأمن
القومي المصري في ظل المهددات الحالية": "من الطبيعي أن أية دولة تدرك وجود
مخاطر تهدد أمنها القومي تسارع بالتحرك لدرء هذه المخاطر، فما بالنا ونحن
نتحدث هنا عن الدولة المصرية بقوتها وقدراتها وتصنيفها العسكري المتقدم
ووضعيتها الاستراتيجية، فضلًا عن العلاقات المتميزة التي تربطها بمعظم
الدول على المستويين الإقليمي والدولي، ودورها التاريخي في مجال حفظ الأمن
والسلم العالميين".
وتابع أنه ولا شك أن تفاقم الأوضاع الحالية في الشرق الأوسط يزيد المنطقة
توترًا في ظل تعقد المشكلات الراهنة التي تشهدها كل من ليبيا وسوريا
والعراق واليمن، وابتعاد فرص حل القضية الفلسطينية، وكذا مشكلة السد
الإثيوبي، بالإضافة إلى ما شهدته المنطقة مؤخرًا من تزايد صراع المصالح
الدولية وتشابكها، ولا سيما الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا، خاصة في
الأزمتين الليبية والسورية، وانعكاس ذلك على فرص الحل وعلى طبيعة مواقف
الأطراف، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه القوى الدولية تبحث أساسًا عن تحقيق
مصالحها أكثر مما تسعى لتسوية هذه المشكلات.
وقال :"هناك سؤال منطقي ومشروع يطرحه الرأي العام حول مدى تأثير المشكلات
الراهنة في المنطقة على الأمن القومي المصري، وكيف يمكن مواجهتها؟ وهل
يمكن أن تنجح الجهود السياسية في احتواء هذه المشكلات، مع التركيز على
الوضع في ليبيا الذي يزداد خطورة بفعل الاحتلال التركي، وكذا قضية سد
النهضة التي لا تزال تمارس فيها إثيوبيا كافة مظاهر التعنت في مواجهة مطالب
مصر العادلة المتسقة مع مبادئ القانون الدولي، وفي رأيي أن هناك خمسة
محددات رئيسية مرتبطة بجوهر تعامل مصر مع المهددات الحالية لأمنها القومي،
نلخصها فيما يلي:
المحدد الأول، أن مصر تعي تمامًا طبيعة الوضع الحالي في المنطقة، وطبيعة
الصراعات الراهنة وكافة ارتباطاتها الخارجية، والأهداف التي تحرك كافة
الأطراف المباشرة والمعنية بهذه النزاعات.
المحدد الثاني، أن مصر لديها قيادة سياسية قوية وقادرة على تقييم حجم
التهديدات والمخاطر، وكيف تتعامل معها من حيث اتخاذ القرار والأولوية
والأسلوب والأدوات.
المحدد الثالث، أن مصر تتعامل مع دائرة الأمن القومي المباشر والتي ترتبط
أساسًا بالأوضاع على الاتجاهات الاستراتيجية الشرقية والغربية والجنوبية،
بالإضافة إلى أزمة السد الإثيوبي وقضية الإرهاب بحسابات دقيقة للغاية، وبكل
الجدية التي لا تقبل أي نوع من المهادنة.
المحدد الرابع، أن مصر تعلم ما هي طبيعة ونوعية المعركة التي يجب أن
تخوضها دفاعًا عن أمنها القومي، سواء كانت معركة سياسية أو غيرها، وفي
التوقيت المناسب الذي تحدده وبإرادتها الكاملة.
المحدد الخامس، أن سياسة مصر تُركز على أن الحلول السياسية هي الخيار
الأمثل لحل النزاعات في المنطقة التي من حقها أن تستقر وتنمو اقتصاديًّا،
وأن العمل العسكري لا يمكن له أن يحسم حل أي صراع".
وأوضح أنه يمكن القول إن مصر تتعامل مع أزمات المنطقة وتطوراتها في إطار
مرحلتين رئيسيتين متتاليتين، وذلك طبقًا لأهمية وأولوية وارتباط كل أزمة
بمدى تهديدها الحقيقي للأمن القومي المصري: المرحلة الأولى، تشمل:
– منح الجهود السياسية كافة الفرص المطلوبة من أجل أن تؤتي ثمارها مهما كان حجم تعقيد هذه الأزمة.
– التأكيد على استعداد مصر للمشاركة في جهود حل هذه المشكلات بما تملكه من
علاقات مع كافة الأطراف تؤهلها للقيام بهذا الدور، بالإضافة إلى أن القوى
الدولية تشيد بموقف مصر وتعترف بمصالحها وتطلب مشاركتها.
– إشراك المجتمع الدولي وتحميله المسئولية في جهود حل الأزمات حتى يكون هناك إلزام والتزام من كافة الأطراف بما يتم التوافق عليه.
المرحلة الثانية، تشمل:
– إطلاق تحذيرات جادة وواضحة بأن استمرار هذه الأزمات من شأنه أن يؤدي إلى عدم استقرار المنطقة، وقد يدفع بها إلى تهديد أمنها ككل.
– التوجه نحو اتخاذ خطوات وإجراءات عملية فعالة للحفاظ على مصالح مصر
الحيوية وحماية أمنها القومي إزاء أية قضية تدرك القيادة أنها وصلت بالفعل
لمرحلة التهديد المباشر لأمن مصر القومي، وأن هذه القضية قد استنفدت كافة
الحلول السياسية الممكنة.
وأضاف اللواء محمد إبراهيم "وفي ظل هذا الوضع، في تقديري أن مصر سوف تتحرك
في المرحلة القريبة القادمة تجاه أهم ثلاث مشكلات مثارة حاليًّا (ليبيا،
السد الإثيوبي، القضية الفلسطينية) ".
وأوضح أنه في الإطار التالي وبالنسبة للمشكلة الليبية: التحرك لوقف
التدخل الخارجي في هذه الأزمة، ولا سيما من جانب تركيا والميليشيات التابعة
لها والتي لا بد من انسحابها وإنهاء فوضى انتشار الجماعات الإرهابية هناك،
خاصة أن الأمر أصبح الآن أكثر خطورة بما يتطلب استئناف المباحثات العسكرية
للتوصل لاتفاق وقف دائم لإطلاق النار، ثم استئناف المفاوضات السياسية في
إطار مخرجات برلين حتى يتم التوصل إلى التسوية التي تضمن استعادة أركان
الدولة الوطنية الليبية.
ورأى أنه وبالنسبة لقضية السد الإثيوبي: مواصلة تقديم كل الخطوات
الإيجابية من أجل إنجاح العملية التفاوضية التي قدمت فيها مصر طوال تسع
سنوات نموذجًا متحضرًا سلميًّا وقانونيًّا وهي تتعامل مع هذه الأزمة شديدة
الحساسية؛ "وفي رأيي أن المفاوضات المقبلة التي تسعى السودان لرعايتها أو
قد تتدخل أطراف أخرى لاستكمالها قد تكون بمثابة الفرصة الأخيرة أمام الجميع
للتوصل إلى حل سياسي من خلال اتفاق شامل لعملية ملء وتشغيل السد".
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أشار إلى ضرورة التحرك مع كافة الأطراف
من أجل ألا تقدم إسرائيل على اتخاذ أية إجراءات أحادية الجانب، خاصة
اعتزامها ضم منطقة غور الأردن، مع التمهيد لاستئناف عملية تفاوضية مقبولة
بدعم وجهد مصري، لا سيما وأن مصر تعد أكثر الدول التي تتمتع بخبرة متميزة
في هذا الملف العربي المركزي.
وقال اللواء محمد إبراهيم في ختام مقالته: "إذن، لا شك أن مصر لا تزال
تنتهج حتى الآن ما يمكن أن أسميه بسياسة النفس الطويل في التعامل مع أزمات
المنطقة، وهي سياسة تعتمد في جوهرها على الجانب السلمي والمسار التفاوضي،
والحيلولة دون تفاقم الأزمات في منطقة ملتهبة لم تعد تحتمل أزمات جديدة،
لكن من الضروري أن أشير هنا إلى أن الالتزام بهذه السياسة يظل مرتبطًا
بعامل رئيسي هو عدم وصول أيٍّ من هذه الأزمات إلى تهديد حقيقي للأمن القومي
المصري، فمن المؤكد أن القيادة المصرية ستتعامل مع هذا الوضع الجديد بكل
القوة المطلوبة، وفي هذه الحالة تظهر أهمية الدور الوطني للشعب المصري الذي
يجب أن يواصل تأييده للقيادة السياسية المصرية، ودعمه أية قرارت سوف
تتخذها مهما كانت طبيعة هذه القرارات".