الأربعاء 5 يونيو 2024

د.عباس شومان وكيل الأزهر فى حوار الأزمة: لا نخشى فى الله لومة لائم.. والمرحلة الحالية لا تتحمل المهاترات

19-4-2017 | 14:22

حوار يكتبه: طه فرغلى

هذا حوار لا تنقصه الصراحة، يدخل فى عمق أزمة موجة الهجوم على الأزهر الشريف، تلك الموجة التى بدأت فى أعقاب حادث تفجير كنيستى مارجرجس بالغربية والمرقسية بالإسكندرية.

ذهبنا إلى الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف.. الرجل الثانى على رأس المؤسسة الدينية نحمل أسئلة مشروعة أقرب إلى اتهامات يرددها البعض وحازت على مساحة كبيرة من الجدل فى الإعلام الأسبوع الماضى.

سألناه عن مسئولية الأزهر فى انتشار التطرف والإرهاب وتقصيره فى قضية تجديد الخطاب الدينى، عن المناهج التى يدرسها طلاب الأزهر وهل يدرسون لهم أن المسيحيين كفار؟، وما حكم بناء الكنائس؟، ولماذا لا يكفرون داعش؟، ولماذا لا يتحملون النقد؟

الرجل أجاب وأفاض، إجابات تحمل مرارة وغصة فى حلقه من آثار الهجوم الذى أعتبره بلا مبرر، ولا داع وقال «الأزهر برئ من هذه التهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب».. وإلى نص الحوار:

 

الأزهر متهم بالتقصير، بل يحمله البعض مسئولية انتشار الأفكار المتطرفة فى المجتمع، ما تعليقكم؟

كلنا فى استغراب ودهشة من هذه الحالة المتوقع استمرارها لفترة فى توجيه السهام تجاه الأزهر الشريف وجامعته العريقة بعد الأحداث الأخيرة، إلا أن هذا التناول غير المنطقى يجب أن يصحح مساره وأن يكون فى إطار البحث عن الأسباب والدوافع الحقيقية، وليس العبارات المعلبة التى تلقى فى وجه الأزهر وجامعته ومناهجه الدراسية بلا سبب ولا مبرر ولا داع، فالأزهر برئ من هذه التهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وأنا لا أسوق كلاما لا دليل عليه، فالتفكير بروية وهدوء ينتهى إلى ما يأتى:

أولا: الباحث فى تاريخ جماعات العنف والإرهاب على مدى تاريخ مصر والعالم لا يجد جماعة منها تخرجت فى جامعة الأزهر، ولا يجد قائدا لجماعة منها ممن تخرجوا فى جامعة الأزهر الشريف، وليس من بين القيادات المؤثرة فى هذه الجماعات أحد من الأزاهرة. وفرق كبير بين من ينسب للأزهر فكرا ومن ينسب له شهادة، فالانتساب الحقيقى للأزهر بالفكر لا بالشهادة، وإلا فكثير ممن يحملون درجات علمية لا يعلمون عنها شيئا، وليس لدى الأزهر ولا غيره من الجامعات من القوانين ما يستطيع به أن يمنع فردا بعينه من دخول الجامعة والانتظام فى الدراسة فى إحدى كلياتها، فلماذا تلصق التهم بالأزهر وحده؟! ولماذا يحسب الدارس أو الخريج على جامعته ولا يحسب على نشأته والجهة الحاضنة له خارج جامعته؟!

ثانيا: لو كانت مناهج الأزهر تعلم الإرهاب، فلماذا لم يضرب الإرهاب أكثر من ١٠٠ دولة توفد أبناءها لينهلوا من علوم الأزهر ومناهجه، ويتخرج الآلاف منهم فى كل عام فى مختلف كليات جامعة الأزهر؟! ولماذا لم تستقبل الجهات المسئولة فى مصر أو مشيخة الأزهر، حتى شكوى واحدة من هذه الدول من سلوك خريجى الأزهر حين يعودون إلى بلادهم، وهو أمر ممتد خلال عقود طويلة تخرج فيها أجيال كثيرة من أبناء هذه الدول، وقد تجاوزوا عشرات الآلاف فى إندونيسيا وماليزيا وحدهما؟! ولماذا احتل أبناء الأزهر فى الخارج أعلى المناصب فى دولهم، ومنها رئاسة الدولة، ومن بينهم الرئيس العراقى، وكامل حكومة سلطنة بروناى من سلطانها إلى وزير داخليتها فى وقت من الأوقات؟! وغير ذلك كثير.

ثالثا: إذا كانت مناهج الأزهر هى السبب فى الإرهاب فلماذا قالها رئيس إندونيسيا لشيخ الأزهر مدوية: إن خريجى الأزهر من أبناء إندونيسيا أسهموا بشكل كبير فى نهضتها؟! ولماذا يتردد مثل هذا القول على مسامع شيخ الأزهر من قيادات كل بلد حل به شيخ الأزهر أو زار قادته مشيخة الأزهر وشرفوا بمقابلة الإمام الأكبر؟! ولعل العالم تابع زيارة شيخ الأزهر التاريخية إلى إندونيسيا، ولعل العالم يتذكر الصورة الشهيرة لسمو الشيخ عبدالله بن زايد وهو يقبل رأس شيخ الأزهر ليزداد رفعة وسموا على سموه، ولعل القاصى والدانى تابع انتقال الرئيس الفرنسى إلى حيث يجلس شيخ الأزهر ليحظى بشرف التحدث إليه حين كانا فى عزاء الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، فهل غفل العالم عن حقيقة الأزهر واكتشفها هؤلاء العباقرة عندنا فجأة هكذا؟!

رابعا: من الأدلة أيضا على التناول غير المنطقى للأحداث وخاصة الأخيرة وتحميل الأزهر ما لا وجه له: أن المجرمين الذين ارتكبوا هذه الجرائم وما قبلها ليس من بينهم تفجيرى واحد درس يوما واحدا فى الأزهر، وهذا يطرح سؤالا منطقيا: هل أثرت مناهج الأزهر فى خريجى الحقوق والآداب والطب وخريجى الدبلومات الفنية والخدمة الاجتماعية وغيرها فى الوقت الذى لم تؤثر فى دارسيها؟! لو كان التناول والتحليل منطقيا لكان من الواجب المطالبة بالاستفادة بالمناهج الأزهرية بشكل أكبر طالما أن دارسيها هم الأبعد عن هذه العمليات الإجرامية، هذا على فرض الربط بين المناهج وتحميلها وحدها أو بشكل كبير المسئولية عن هذه العمليات الإرهابية، وتبرئة المخططات الخارجية والداخلية لأصحاب المصالح والنزاعات السياسية، وكذا إبعاد المشكلات الاقتصادية والاجتماعية من فقر وجهل ومرض من تبعة تلك الجرائم النكراء.

نحن فى حاجة إلى معالجات صحيحة لما يعانيه المجتمع، وليس كلاما خاليا من المعنى والمضمون، فلنتكاتف جميعا للبحث عن الأسباب الحقيقية لسلوك بعض شبابنا تلك المسالك الإجرامية، ولندعم الأزهر وجامعته فيما يقومون به من جهود تبذل ليل نهار رغم الظروف الصعبة.

إن من يتابع حملات الهجوم على الأزهر الشريف بشكل يومى عبر وسائل الإعلام المختلفة يندهش من هذا الكم الكبير من النقد غير الموضوعى، والرغبة فى المزايدة، وتجاوز كل الحدود فضلا عن استغلال الفرص لتوجيه السهام لأجل الإجهاز على تلك المؤسسة العالمية، لكن من يتصور أن بإمكانه التقليل من الأزهر أو الدور الذى يقوم به فهو واهم، لأن الأزهر ليس مبانى ولا أشخاصا، فالأزهر عطاء فى كل الميادين الدعوية والتعليمية والعلمية والاجتماعية والأخلاقية والوطنية، والأزهر هو الذراع المصرية القوية، وله رصيد عظيم فى كل قلوب المصريين عوامهم وخواصهم، وله رصيد هائل أيضا فى قلوب غير المصريين فى جميع البلاد التى تعلم أبناؤها وبناتها فى رحاب كلياته ومعاهده.

- لماذا أنتم مقصرون فى مواجهة الأفكار المتطرفة؟ ولماذا لم يؤد الأزهر الدور المطلوب؟

السؤال مغلوط فى الحقيقة، فالذين يرون الأزهر مقصرا يرون بعين واحدة، ولعلك تتابع معى فى الفترة الأخيرة هذا الهجوم غير المنطقى الذى يطرح عدة علامات استفهام تدور حول النقد الموجه لمؤسسة الأزهر الشريف التى لى شرف الانتماء إليها فكرًا وعملًا، مع إغفال الجهود المبذولة فى المجالات كافة وخاصة فى مجال تجديد الخطاب الدينى ومواجهة الفكر المتطرف، ومن أهم هذه الأسئلة: هل هذا النقد الموجه نقد بنَّاء يصب فى صالح المؤسسة توجيهًا ونصحًا للإسهام فى دعم دورها المنوط بها كمرجعية عالمية لأهل السنة والجماعة، أو أنه نقد يراد به تشويه وهدم ما تقوم به المؤسسة من جهود حثيثة تحمى فكر الوسطية والاعتدال؟

والحقيقة التى لا مراء فيها أن الأزهر مؤسسة تقبل النقد البنَّاء، بل إنها ترحب به إذا كان يهدف إلى تحقيق الخير والسلام المجتمعى للمواطنين بل للمسلمين فى شتى بقاع المعمورة، ويقوم على إقرار الجهود المبذولة لا إنكارها وغض الطرف عنها بصورة متعمدة أحيانًا، ويكون لبنة تضاف لتسد ثغرة أو تساعد فى أداء الدور المنشود من تلك المؤسسة كمرجعية إسلامية مستنيرة.

أما النقد الذى يهدف إلى التشويه والهدم وجحد وإنكار الجهود والمساعى المحلية والإقليمية والدولية لإقرار السلام ونشر ثقافة التسامح والتعايش وتوضيح المفاهيم المغلوطة، فهو أمر لا نقبله وسنواجهه بكل قوة، لأنه نقد يراد به باطل، وكأن سقوط هذه المؤسسة وتحطيم رمزيتها لدى مسلمى الداخل والخارج أصبح هدفًا لبعض أصحاب المصالح والأهواء!.

هناك تجاهل وتغافل عما يقوم به الأزهر من جهود على المستويات كافة، وخاصة فى هذه المرحلة الدقيقة التى تمر بها بلادنا بل والعالم أجمع، مما يتطلب تضافر جهود المؤسسات المعنية لنشر ثقافة التسامح والعيش المشترك وقبول الآخر وتصحيح المفاهيم المغلوطة ومواجهة التطرف والإرهاب الذى استشرى فى العالم كله، ولا شك أن هذه الجهود لن تؤتى ثمارها المرجوة إلا إذا وصلت إلى أكبر عدد من الناس من خلال تسليط المؤسسات الإعلامية والصحفية الضوء عليها كما ينبغي، فلعل كلمة طيبة أو تصحيحًا لمفهوم أو توضيحًا لحكم شرعى يغير مسار شخص مغرر به من كونه قنبلة قابلة للانفجار إلى عنصر صالح فى المجتمع.

ومن جهود الأزهر الشريف على مستوى الحوارات الموسعة فى إطار تجديد الخطاب الدينى وتصحيح المفاهيم المغلوطة، كان هناك لقاء تاريخى لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر بجامعة القاهرة، وكان هذا اللقاء انطلاقة لسلسلة لقاءات حوارية مفتوحة مع الشباب، حيث تبعه العديد من الحوارات الموسعة مع الشباب بمعرفة المناطق الأزهرية وإدارات الوعظ بالمحافظات، وكانت هذه اللقاءات تتوج بجلسة حوارية مفتوحة تشهد حضورًا لافتًا للشباب من الجنسين بمختلف مراحلهم العمرية وانتماءاتهم الفكرية ومعتقداتهم الدينية، وقد تم عقد عدد من اللقاءات الحوارية الموسعة فى كافة المحافظات وغيرها بمشاركة فاعلة من قيادات الأزهر، وممثلين عن الكنيسة المصرية، بالإضافة إلى القيادات التنفيذية والأمنية والشعبية بكل محافظة من هذه المحافظات، وبناء على نتائج هذه اللقاءات الحوارية فى جميع محافظات الجمهورية يجرى العمل على إعداد ورقة عمل وطنية تمثل رؤية إستراتيجية شاملة لترسيخ القيم والمبادئ والأخلاق ووضع أسس سليمة لتجديد الخطاب الدينى مع الحفاظ على الهوية المصرية. أما المؤتمرات والندوات التى عقدها ويعقدها الأزهر فأكثر من أن يتسع المقام لذكرها، ولعل أبرزها فى المرحلة الأخيرة مؤتمر الأزهر العالمى لمحاربة التطرف والإرهاب، ومؤتمر الحرية والمواطنة بالتنسيق مع مجلس حكماء المسلمين، ومن المقرر خلال هذا الشهر أن شاء الله أن يكون هناك لقاء سلام بين الأزهر والفاتيكان.

وأما عن جهود «بيت العائلة» بالمحافظات فقد وصلت إلى مستوى كبير، حيث التصدى لكافة محاولات الوقيعة بين شركاء الوطن الواحد، والمشاركة فى الأنشطة الرياضية والثقافية، وغيرها من الجهود التى تعزز روابط الألفة والمحبة بين نسيج المجتمع، أضف إلى ذلك الجهود التى يقوم بها مرصد الأزهر ومواجهته للفكر المتطرف بمختلف اللغات، وكذلك القوافل الدعوية والطبية عابرة الحدود، حيث تجوب مصر والعالم حاملة معها الدواء الشافى للأفكار والأبدان.

ومع ذلك، فهناك تجاهل واضح وعجيب فى الوقت ذاته لجهود الأزهر غير المسبوقة فى كافة المجالات، تلك الجهود التى قال عنها بعض من كانوا يهاجمون الأزهر حين اقتربوا واطلعوا على بعضها إنها جهود تعجز بعض الدول عن القيام بها، فلماذا إذًا غض الطرف عن توفيق الله لـ«بيت العائلة» فى جهوده لوأد الفتن فى مهدها، بل والهجوم على تلك الجهود بدعوى عرقلتها لتنفيذ القانون ومحاولتها إحلال الجلسات العرفية محل الإجراءات القانونية المتبعة؟! وهو نفس الادعاء الذى يوجه لجهود لجنة المصالحات الناجحة التى أنهت بفضل الله العديد من الخصومات الثأرية بمحافظات مصر المختلفة وخاصة الصعيد فى ظل تكتيم متعمد وتجاهل فاضح من وسائل الإعلام، مع أننا دائمًا ما نعلن أن تلك الجهود خاصة بالسلام المجتمعي، أما المشاركون فى هذه الجرائم سواء الطائفية أو الجنائية فأمرهم لجهات التحقيق والقضاء، بل إننا لا نتدخل إلا بعد تسليم المطلوبين والمحكومين للجهات المختصة، وكل ما نرجوه ونبذل قصارى جهدنا لتحقيقه هو منع اتساع دائرة الدم بين الأبرياء! لماذا الصمت وغض الطرف عن توفيق الله لوفد «بيت العائلة» إلى أفريقيا الوسطى فى تحقيق مصالحة تاريخية بين الفرقاء بحضور رئيسة الجمهورية فى وقت عجزت فيه كبرى الدول عن تحقيقها أو لم تشأ إتمامها؟!

لماذا هذا التجاهل لما تقوم به خلية النحل الموجودة الآن فى الجامع الأزهر من أجل استعادة الجامع لريادته العلمية والفكرية من خلال عودة الأروقة الأزهرية إلى سابق عهدها والعزم على فتح فروع لها فى مختلف المحافظات لتيسير الدراسات الحرة وفق المنهج الأزهرى لكل الراغبين، وقد بدأ بالفعل فتح فروع للأروقة الأزهرية بالقاهرة وبعض المحافظات؟!

لماذا هذا الفتور تجاه جهود مجلس حكماء المسلمين بقيادة شيخ الأزهر فى جمع فرقاء الأزمة فى ميانمار والانطلاق الفعلى فى طريق المصالحة والعيش المشترك فى وقت عجز فيه المجتمع الدولى عن وقف المجازر التى أرقت ضمائر الأحرار فى العالم كله واكتفى صناع القرار العالمى بمجرد الشجب والإدانة؟!

لماذا هذا التجاهل لجهود وجولات شيخ الأزهر شرقًا وغربًا من أجل مواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا وتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام والمسلمين، وإقناع صناع القرار فى العالم بأن الحوار هو السبيل الوحيدة لحل جميع الأزمات والقضايا بدلًا من الحروب وفرض الوصاية على بعض الدول بالقوة؟!

لا أدرى لصالح من كل هذا التجاهل وهذا التقصير فى تغطية وسائل الإعلام التقليدية من صحافة وتلفزيون وإذاعة لجهود الأزهر الشريف فى المجالات كافة! فهل وصل تحكم وسيطرة بعض من يزعجهم استعادة الأزهر لمجده وريادته على الإعلام التقليدى إلى هذا الحد؟!

- الرئيس فى كلمته عقب اجتماع مجلس الدفاع الوطنى قال وهو مستاء: «مرة أخرى تجديد الخطاب الديني».. الأمر الذى فسره البعض على أنه يؤكد أن المؤسسة الدينية مقصرة فى قضية تجديد الخطاب الدينى؟

منذ أن نادى السيد الرئيس بضرورة تجديد الخطاب الدينى ومعظم من يستمع لتلك العبارة يتخيل له أن الأزهر مقصر فى أداء دوره ويطالب دون فهم لنداء الرئيس بما تسمعه وتراه، وقد ذكرنا مرارا وتكرارا أن مقصد السيد الرئيس هو الشد على أيدى الأزهر ومؤازرته فى جهوده المبذولة، ومن يفهم غير ذلك فهو غير مدرك لحقيقة ما يقوم به الأزهر من جهود ذكرت بعضها سابقا.

- ما الذى قدمه الأزهر فى قضية تجديد الخطاب الديني؟

تجديد الخطاب أو الفكر الدينى مسألة ازداد الحديث عنها مؤخرًا، وقد تحدث الكثيرون فيها دون معرفة للمقصود بتجديد الفكر الديني، ووسائله، وأدوات المجدد ومؤهلاته، وما الذى يقبل التجديد وما لا يقبل التجديد وغير ذلك من أمور. والأزهر الشريف يؤمن تماما بمسألة التجديد، فهو سمة من سمات هذا الدين، والمعلوم لدى علماء الأصول أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان وأحوال الناس وما يستجد فى حياتهم، فالتجديد من لوازم الشريعة الإسلامية، ولكن يجب أن نعرف أن التجديد يكون فى الأحكام الظنية المختلف عليها، أما الأصول الثابتة المستقرة فلا يجوز فيها التجديد.

وقد بذل الأزهر جهودًا كبيرة لتجديد الخطاب الديني، فقد انتهينا من تطوير مناهج التعليم قبل الجامعي، وما انتهينا منه سيعاد النظر فيه كل ثلاث سنوات بمشيئة الله، وأؤكد أن مناهج الأزهر فى واد ومن يتحدث عنها بالنقد الآن فى واد آخر. وأما جهود الدعوة فعلماء ووعاظ الأزهر يستخدمون أسلوبا جديدا لتجديد الخطاب الدينى من خلال مبادرة الداعية الميدانى وتسيير قوافل فى المحافظات حتى إنك ترى الآن وعاظ الأزهر يتحاورون مع الناس فى تجمعاتهم أينما وجدوا، كما أرسل الأزهر قوافل سلام إلى العديد من دول العالم بالاشتراك مع مجلس حكماء المسلمين الذى يرأسه شيخ الأزهر، ولا يخفى عليكم ما يقوم به مرصد الأزهر من جهود لرصد ما يقوم به تنظيم داعش الإرهابي، والرد عليه بعدة لغات. وقريبا ستشاهدون انطلاقة مركز الفتوى العالمى الذى بدأ العمل التجريبى به وسيكون لهذا المركز دور ريادى ومميز فى الفتوى والبحوث الشرعية على المستوى المحلى والإقليمى والعالمي، وتنمية المعرفة الشاملة لصحيح أحكام الشريعة الإسلامية وعلومها ومبادئها، مع العمل على تقديم الفتاوى والدراسات البحثية الشرعية المتخصصة للمسائل والقضايا المعاصرة، ورد الشبهات المثارة، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، ملبيًا بذلك احتياجات المجتمع الإسلامى - محليًّا وعالميًّا - من الفتاوى الشرعية المنضبطة والمعرفة الصحيحة للعلوم الشرعية الإسلامية من خلال التوظيف الأمثل لخدمات تكنولوجيا المعلومات والوسائل الإعلامية المعاصرة (المرئية والمسموعة والمقروءة). والطاقة الاستيعابية للمركز تبلغ ٩٠ مكالمة فى الدقيقة الواحدة تقريبًا، وذلك بالاعتماد على نظام الاتصالات الذكي، والذى يعمل إلكترونيًا بنسبة ١٠٠٪، ويسمح باستقبال ١٢٠ مكالمة فى وقت واحد. ويقوم المركز بالرد على الفتاوى الهاتفية على رقم (١٩٩٠٦)، ويعد فيديوهات للفتاوى الأكثر طلبًا. كما يرد على الأسئلة التى ترد عن طريق البريد الإلكترونى أو الرسائل النصية (sms) المرسلة عن طريق الرقم المخصص (١٠٢٠). بالإضافة إلى ما يقدمه الأزهر من دورات تدريبية لأئمة ووعاظ العالم والتى تعمل على تفكيك الفكر المتطرف، وتؤصل لقيم التسامح والعيش المشترك.

- مع كل هذه الجهود لماذا لا يشعر الناس بدور الأزهر فى قضية تجديد الخطاب الديني؟

من قال إن الناس لا تشعر بهذا؟! الجميع يعلم أن هناك تجاهلا من الإعلام لكل الجهود المبذولة، بل هناك من يحاول تشويهها ولا ندرى لماذا، ولكن إذا أردت أن تشعر بتلك الجهود فعليك أن تسأل بنفسك المواطنين وستجد الجواب واضحا وصريحا، فالأزهر يقوم بدوره وفق آليات مؤسسية منضبطة، بل إنه فى وسط أى حادث جلل ترى علماء الأزهر فى قلب الحدث قبل أن تذهب كاميرات الإعلام إلى هناك.

وأنا أؤكد لك أن الأمر على عكس ما قلته أنت تماما، فالناس يشعرون تماما بضخامة المسئولية الملقاة على عاتق الأزهر على الرغم مما يقدمه، فهم يأتون إلى رحابه مختارين محبين يلتمسون عنده المخرج من أزماتهم الفكرية والاجتماعية فضلا عن أمورهم الحياتية الأخرى، وارجع إلى الجامع الأزهر على سبيل المثال لترى فيه حلقات العلم التى تتجاوز السبعين حلقة علمية كل أسبوع، وهى تتناول الحياة من مختلف جوانبها، ويحضرها أناس من مختلف الفئات والأعمار والدول.

- لماذا يغيب دور الأزهر عن الشارع؟

كما ذكرت لك، الأزهر فى قلب الأحداث ولم نترك مكانا وإلا وذهبنا إليه لنخاطب الناس وخاصة الشباب ونتحاور معهم، فالوعاظ اليوم يرتادون المقاهى لا للجلوس عليها ولكن لمحاورة الشباب والاقتراب منهم وحمايتهم من الأفكار المنحرفة، وكذلك يرتادون مراكز الشباب ودور الرعاية الاجتماعية، ولدينا بروتوكولات تعاون مع مختلف الوزارات والهيئات، وفى كل ميدان للأزهر رجال لا يخشون إلا الله.

- لماذا لم يبادر الأزهر بتشكيل لجنة عليا مهمتها فقط تجديد الخطاب الدينى وتكون أعمالها التى تقوم بها معروضة على الناس؟

ومن قال إننا لا نملك الكيان الذى يقوم بذلك؟! كما قلت لك هناك من يصم أذنه ويعمى عينه عمدا عن كل ما يقوم به الأزهر، إننا لدينا فى الأزهر اللجنة العليا للدعوة الإسلامية وهى منوط بها رسم الخريطة الدعوية فى مصر وتدريب أئمة العالم الإسلامى، وهى تقدم عطاء دينيا وفكريا ودعويا فى مصر وخارجها، وتضم هذه اللجنة فى عضويتها كثيرا من الوزراء الذين يقع على عاتقهم مع الأزهر هم الدعوة إلى ما فيه صالح العباد والبلاد، لكن الحقيقة التى لا مراء فيها والتى يجب على الجميع الالتفات إليها أن أى مؤسسة تقوم بجهود على أرض الواقع تظلم إذا لم يواكب ذلك تغطية إعلامية تساندها، وإذا أردنا أن نحقق الثورة فى الفكر والخطاب الديني، يجب أن يواكب ذلك تجديد أيضا فى الخطاب الإعلامى والخطاب الثقافى والخطاب الفنى كذلك، فكيف نبنى وأياد أخرى تهدم؟!

إن علماء الأزهر على مدى التاريخ لم يقصروا فى أداء رسالتهم وخطابهم دائما ملتزم بمنهج منضبط يتسم بالوسطية والاعتدال والفهم الصحيح لعلوم الدين، لكن على الوجه الآخر نجد الفضائيات مليئة بخطابات متنوعة يكاد بعضها يدعم الخرافات والانحلال الأخلاقى، فى وقت لا نرى فيه دعما ومساندة لخطاب العلماء المستنيرين.

- لماذا يشعر البعض أن الأزهر منغلق على ذاته ولا يقبل النقد؟

الأزهر الشريف مؤسسة تتقن الحوار المجتمعى وتمارس هذا الدور من خلال قيادات الأزهر وعلمائه والوعاظ الذين ينتشرون فى مختلف محافظات الجمهورية، لنشر الوعى والفكر الصحيح وحماية الشباب من الأفكار الهدامة أو المغلوطة، وقد لاحظنا أن هناك محاولات لتشويه عقول الشباب من قِبل نخبة افترت على الدين ما ليس منه، والأزهر دائمًا يرحب بالنقد وهو فى مقدمة المؤسسات التى ترحب بالنقد البناء الذى لا يزيف الواقع، ولكن الأزهر يغض الطرف عن أولئك الذين لا يسعون إلى التجديد والإصلاح وإنما يركزون على الهجوم من أجل الشهرة والظهور الإعلامى أو لمصالح وتوجيهات أخرى، وندرك تماما أن الآراء إذا توفرت فيها شروط النقد البناء تكون نتائجها إيجابية وتسهم فى التقدم نحو الأمام وتقديم نتائج إيجابية ملموسة على أرض الواقع، والمصريون يستطيعون حاليا التفريق بين الحق والباطل، ثم كيف يكون الأزهر منغلقا وهو مع الناس فى الأماكن التى يرتادونها؟! ففضلا عن لجان الفتوى المنتشرة فى المحافظات كافة والتى يرتادها الناس بشكل يومي، فإن الأزهر بعلمائه يذهب للناس فى مختلف أماكنهم، ويتعاون مع جميع المؤسسات داخل مصر وخارجها فى الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.

- لماذا لم نر رد فعل قويا من قبل الأزهر عقب أحداث تفجير كنيستى مارجرجس والمرقسية؟

كما أكدت أكثر من مرة، فإن الأزهر وعلماءه دائما فى قلب الحدث، ولدينا تواصل مباشر مع إخوتنا شركاء الوطن من خلال بيت العائلة المصرية، ويبدو أنك لم تتابع وفد الأزهر علماء وطلابا الذى ذهب لمساندة إخوتهم بعد تفجير الكنيستين، فالمشكلة فى من يسوق الاتهامات بالباطل لإلهاء الناس عن دوره فى نشر الفتن، ولا أدل على ذلك من عدم اقتراب أحد من هؤلاء المتربصين من موقع الحادث فى الوقت الذى تلاحمت فيه أجهزة الدولة مع المواطنين لرعاية المصابين وتقديم العزاء لأسرهم، بل جلسوا على الفضائيات يلقون اللوم على الأزهر.

- ما الذى يدرسه طلاب الأزهر عن المسيحيين؟ وهل يدرسون أن المسيحيين كفار؟ وما الذى يدرسونه عن حكم بناء الكنائس؟

بداية أنا أعجب لهذا السؤال، فهو يدل على أن كثيرا من الناس يسمع عن الأزهر ولا يسمع منه، فإذا كان الأزهر يحمل منهج الإسلام الصحيح فكيف لا يبرز فى مناهجه وطرائقه أنه لا إكراه فى الدين، ويعلمهم رحمة النبى -صلى الله عليه وسلم- بالعالمين ومعايشته لغير المسلمين فى دولة المدينة وإبرامه المعاهدات معهم واتخاذه رجلا غير مسلم ليكون دليله فى رحلة الهجرة؟! وغير ذلك من موضوعات ترسخ قيم التسامح والوطنية وقبول الآخر والعيش المشترك، وهذه الموضوعات وغيرها معروض عرضا علميا عصريا منضبطا فى المقرر الذى طبق على طلاب المرحلة الإعدادية والثانوية بالمعاهد الأزهرية ونسعى ليكون مقررا عاما على طلاب التعليم العام والجامعات المصرية وهو مادة (الثقافة الإسلامية)، ولمزيد تفصيل لهذا السؤال أحيلك لتقرير بسيط وهو جزء من كل عما يدرس فى مناهجنا للطلاب:

المرحلة الإعدادية:

فى مادة أصول الدين والمقررة على الصف الأول الإعدادى بالمعاهد الأزهرية، جاء فى مقدمة الكتاب بالصفحة الثالثة أن الكتاب يبين علاقة المودة بين المسلمين وغير المسلمين، ويبين الحقوق والواجبات المقررة على كل منهما، بالإضافة إلى الأحاديث النبوية الشريفة التى تظهر سماحة الإسلام، وسماحة خلق النبى عليه الصلاة والسلام، مع جانب من سيرته وتعاملاته مع غير المسلمين.

فيما يتضمن نفس الكتاب، والمقرر على الصف الأول الإعدادي، فى الصفحة «٦٢»، فى درس المساواة بين الناس فى الخلق، أن المساواة على مبدأ المواطنة، فى إشارة إلى أن المسلمين والمسيحيين سواء وشركاء فى الوطن، كما فى الصفحة رقم «٦٥» تضمن فى الدروس المستفادة من موضوع «آداب التحية فى الإسلام» أن تكون علاقة المسلم مع الناس مسلمين وغير مسلمين طيبة، بينما تضمن الكتاب ذاته درسا كاملا عن علاقة المسلم بغير المسلمين فى الصفحة رقم «٨٨»، فى تفسير قوله تعالى «لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ أن اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ».

وساق الكتاب ذاته المقرر على الصف الأول الإعدادى بالمعاهد الأزهرية، حديثا شريفا حول معاملة المسلم مع الناس المسلمين وغير المسلمين، فى الصفحة رقم «١١٥»، فى شرح حديث النبى «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم»، كما تضمن الكتاب أيضًا شرح حديث النبى -صلى الله عليه وسلم- وبراءته من أهل الغدر وهو حديث «أيما رَجُلٍ أَمِنَ رَجُلا عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ، فَأَنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِىءٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا» وذلك فى صفحة رقم «١٢٢».

أما كتاب أصول الدين والمقرر على الصف الثانى الإعدادى بالمعاهد الأزهرية، فقد تضمن درسا فى الصفحة «٥٦» حول إنصاف أهل الكتاب «إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ أن اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (١٠٦) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ أن اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إذ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا».

كما تضمن الكتاب درسا كاملا حول تأمين غير المسلم فى الصفحة رقم «١٢٥» فى شرح الحديث الشريف (ذهبت أم هانئ إلى رسول الله عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره فسلمت عليه فقال: «من هذه؟». فقلت: أنا أم هانئ بنت أبى طالب، فقال: «مرحبًا بأم هانئ». فلما فرغ من غسله قام فصلى ثمانى ركعات ملتحفًا فى ثوب واحد، فلما انصرف، قلت: يا رسول الله، زعم ابن أمى أنه قاتل رجلًا قد أجرته فلان بن هبيرة، فقال رسول الله «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ». قالت أم هانئ: وذاك ضحى).

فيما يسوق كتاب أصول الدين المقرر على الصف الثالث الإعدادى بالمعاهد الأزهرية فى الصفحة رقم «٨٥» فى موضوع بعنوان مخاطبة أهل الكتاب، فى تفسيره للآية الكريمة «وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلا بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ»، كما تضمن درسا كاملا فى الصفحة رقم «١٣١» تحت عنوان رعاية حقوق غير المسلمين، فى شرح حديث النبى «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» مع بيان حكم المواطنة فى الإسلام.

المرحلة الثانوية

أما فى المرحلة الثانوية فقد تم تخصيص كتاب كامل حول الثقافة الإسلامية، يدرس لطلاب الصف الأول الثانوى بقسميه الأدبى والعلمي، وقد جاء الكتاب فى «١٠٠» صفحة، ليعرض على طلاب الأزهر أهم القضايا الفكرية والدينية التى تمس واقعنا وعلاقتنا، وتم تخصيص فصل كامل منه عن المواطنة يبدأ من صفحة ٩٤ وحتى نهاية الكتاب.

أما طلاب الشهادة الثانوية فيدرسون فى مادة الحديث الشريف عددا من الأحاديث النبوية التى تناولت علاقة المسلمين بغيرهم، وحرمة إراقة الدماء، وحرمة قتال أهل الكتاب.

مرحلة الجامعة

وفى الجانب الآخر، واستكمالا لما قالته مناهج الأزهر عن المسيحيين، فإن مواد كليات جامعة الأزهر، تناولت مناهجها علاقة المسلمين بالمسيحيين باتساع وتفصيل، وخصصت الكليات التى تدرس العلوم الشرعية والفقهية، ككلية الدعوة الإسلامية، وكلية أصول الدين، وكلية الشريعة والقانون، مواد ثابتة يدرسها الطلاب طوال المراحل الدراسية، بحكم أنهم متخصصون فى مواد التراث الإسلامي، فتدرس كلية الدعوة الإسلامية عددا من الكتب المتخصصة فى تخريج دعاة أزهريين يحملون المنهج الوسطى، حيث يدرس طلاب الفرقة الأولى بالكلية مواد «الثقافة الإسلامية، والملل والنحل، والفرق الإسلامية» ويتضمن كتاب الثقافة الإسلامية موضوعات حول المواطنة فى الإسلام، وعلاقة المسلمين بغيرهم، والدروس المستفادة من حياة النبى صلى الله عليه وسلم، وعلاقته بالمسلمين وغير المسلمين، وكذلك درس عن وجوب تأمين أهل الذمة والكتاب.

فيما تتضمن مادة «الملل والنحل» والتى يدرسها طلاب الكلية بدءا من السنة الأولى، وحتى السنة الرابعة، دروسًا متخصصة فى الأديان السماوية، ومنها المسيحية وعلاقتها بالإسلام، ويتضمن كتاب «إظهار الحق» والذى يدرس على طلاب الكلية فصولًا كاملة حول الإيمان بالمسيح عليه السلام، والمعجزات التى جاءت على يد المسيح، ورسالة المسيح المتسامحة للعالم، كما يتضمن الكتاب فصلا كاملا عنوانه «بولس والمسيحية بعد المسيح»، ويتضمن الفصل شرحا حول علاقة الإسلام بالمسيحية.

- الأزهر لا يكفر داعش.. إذا ما حكم ما يرتكبونه من جرائم؟ وماذا عن قوات الجيش والشرطة التى تواجه الجماعات المتطرفة والإرهابيين؟ كيف يواجهونهم وبأى عقيدة إذا كان الأزهر لا يكفرهم؟

يحلو لكثير من الناس الانشغال بقضية التكفير، غير مدركين خطورة الأمر وما يترتب عليه من ضرر يلحق بعقيدتهم جراء الإقدام عليه، مع أنهم لم يكلَّفوا به ولن يحاسبوا على ترك الخوض فيه، بل الخطر العظيم يكمن فى خوض غماره وإصدار أحكام الكفر على الآخرين. ويعتب بعضهم على الأزهر الشريف وينتقده آخرون لعدم تكفيره لجماعات إرهابية زلزلت أمن المجتمعات ونشرت الفزع بين الناس، وفى مقدمتها تنظيم داعش المجرم الذى عاث فى الأرض فسادًا وتجاوز أفعال عتاة المجرمين بمراحل يصعب حصرها، والحقيقة أن الأزهر الشريف لا يصدر الأحكام الشرعية إرضاء للأهواء أو دغدغة للمشاعر، ولكنه بصفته مؤسسة علمية فى الأساس ينطلق فى تناوله للقضايا من منطلقات علمية مستنبطًا الرأى الشرعى فيها.

وبتتبع نصوص الشرع واجتهادات سلفنا الصالح نجد أن هناك قاعدة راسخة، وهى أن المسلم لا يخرج عن إسلامه إلا بجحد وإنكار ما أدخله فيه، وأن إصدار الحكم بالكفر لا يكون إلا بعد التحقق وسؤال مرتكب الأمر المكفِّر عن قصده بقوله أو فعله، وعن معرفته بأثره المترتب عليه، وعن مدى إصراره على ما أقدم عليه، فالإنسان إذا ارتكب مكفِّرًا فعدل عنه واستغفر وأناب امتنع الحكم بتكفيره، لكن يبقى أثر جرائمه عالقًا برقبته يحاسب عليها بعقوباتها، فالتوبة لا تسقط حقوق العباد. ومهمة العلماء تنحصر فى بيان معنى الكفر والأمور المكفِّرة والتحذير منها دون إسقاط حكم الكفر على شخص أو جماعة بعينها، ولذا امتنع الأزهر عن الحكم على داعش وأخواتها من الجماعات الآثمة بالكفر، مع عدم إغفال نقطة يتجاهلها كثير من الناس سهوًا أو عمدًا، وهى أن الأزهر لم يحكم بإيمان داعش أيضًا، بل إنه لم يتعرض لهذا الأمر من الأساس لعدم تحقق ضوابطه الشرعية التى تمكِّن من نظر القضية، فضلًا عن عدم اختصاص الأزهر بهذا الأمر أصلًا، فهو من صميم أعمال القضاء، ولم يصدر الأزهر كمؤسسة فى تاريخه حكمًا شرعيًّا بتكفير فرد أو جماعة، ولو فتح الأزهر هذا الباب لوقع فيما وقعت فيه جماعات التكفير ومنها داعش التى تصدر فرمانات التكفير وكأنها تملك القدرة على التنقيب عن مكنون الصدور!

وتخيلوا هذه الفوضى المترتبة على القول بتكفير داعش لما يرتكبونه من كبائر وموبقات، إلا نكفر حينئذ من يشرب الخمر ومن يقع فى الزنا ومن يسرق الأموال.. إلى آخر ما يقع من بعض الناس؟ فكيف سيكون حال المجتمع بعد تكفير من يرتكب الكبيرة؟ اللهم إلا الفوضى واستحلال الدم والمال والعرض؟ فهل يرضى الناس بهذا؟

بالإضافة إلى أن عدم تكفير داعش لا يعنى أن ما يقوم به ليس مجرما ولا محرما ولم يقل الأزهر يوما ما للأجهزة المسئولة أن تتركهم، بل الواجب أن تحاسبهم، وأن ترد عدوانهم، وأن تمنع كيدهم ومكرهم وتخريبهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

وبعيدًا عن الولوج فى درب التكفير الذى لا طائل منه، ركز الأزهر اهتمامه على كيفية التعامل مع هذه الجماعات التى تسلك مسالك الإجرام وتسفك الدماء وتنتهك حرمة الأعراض والأموال، وبيَّن أنها جماعات مفسدة فى الأرض محاربة لله ورسوله، وأنه يجب كف شرها عن الناس والتصدى لها فكريًّا وأمنيًّا وعسكريًّا إذا لزم الأمر، وأن مواجهتهم - ولو كانت بالقتال المفضى لقتلهم جميعًا – واجب وضرورة، وذلك لأن جرائمهم تدخل فى نطاق قول الله تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أن يُقَتَّلُوا أو يُصَلَّبُوا أو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أو يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْى فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ». وعليه، فلسنا فى حاجة بعد ذلك للحديث عن قضية تكفيرهم، فلا فائدة ترجى من الخوض فيها، فضلًا عن أن الكفر لا يقال به إلا بيقين، لأنه يرجع إلى الاعتقاد، وهو يحتاج إلى الإبانة عنه بالإقرار، وهذا التنظيم المجرم لا نعرف عقيدة المنتمين إليه ولا دينهم، وما إذا كان هناك مغرر بهم بين صفوفهم، أو مكرَهون على الانضمام إليهم، ومدى قناعتهم بارتكاب الجرائم النكراء التى يقومون بها، كما لا نعرف حال نسائهم وأطفالهم، والحكم على جماعتهم ينسحب على كل هؤلاء بالضرورة، وقد حذرنا شرعنا من الإقدام على تكفير الناس متى احتمل وجها واحدا يحمل على الإيمان، وقد قال رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم: «إذا قال المرء لأخيه يا كافر، فقد باء بإثمها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رُدت إليه»، فماذا لو كفَّرنا داعش وأخواتها وكان بينهم مغلوب على أمره؟!

ومن ثم، فإن إثارة قضية التكفير لا طائل من خلفها إلا المزيد من اللغط وتعريض العقائد للضرر، ولذا يجب ترك أمر التكفير إلى القضاء يحكم به متى تثبَّت من أمر من يكفره ووجده مصرًّا عليه، أما الجماعات الإرهابية كداعش ومن على شاكلتها من الجماعات التى تعيث فى الأرض فسادًا، فقد أجاز لنا شرعنا ردعهم ولو باستباحة دمائهم إذا لم يندفع شرهم إلا بذلك، ولسنا فى حاجة إلى الخوض فى قضية التكفير التى لن تدفع عنا شرهم، بل ستضر بنا وبالمجتمع كله لخروجنا على قواعد وضوابط شرعنا من ناحية، وإغراء أنصاف العلماء بالتوسع فى إصدار أحكام الكفر على الآخرين من ناحية أخرى، ولا شك أن الرابح من ذلك كله هو داعش وأخواتها لا غير.

لماذا لا يرد الأزهر على كل الاتهامات التى توجه إليه؟

تعلم أن حجم المسئوليات والمهام الملقاة على عاتق المسئولين بالأزهر كبيرة وحجم العمل على أرض الواقع أكبر، فإذا نظرنا لتلك الاتهامات والتفتنا لها وانشغلنا بالرد عليها فلن نعمل، والوطن يمر بظروف تحتاج منا العمل لا الدخول فى المهاترات أو المعارك التى لا طائل من ورائها إلا تعطيل العمل، وتحقيق مآرب أصحابها، وقد يستعجب البعض غض الأزهر الطرف عن هذا الانفلات غير المسبوق ممن لا يدركون حجم المخاطر التى يتعرض لها الوطن فيزيدون عليها محاولة شق الصف وإضعاف قوة نسيجه الواحد التى وصلت ذروتها بفضل الأزهر ووعى الكنائس المصرية بلا ريب، فمصلحة الوطن تمنع الأزهر من الرد على من لا يدركون حجم الأزهر ودوره وأهميته لمصر والعالم.

والجميع يعلم أن الأزهر لا تنقصه الحجة ولا يعدم الألسنة الصادعة بها، ولا يخشى رجاله فى الله لومة لائم، ولكن الأزهر أكبر من أن يجره هؤلاء لمهاترات ليست فى صالح الوطن الذى يداوى جراحه التى آلمت الأحرار فقط، بينما يتاجر بها البعض للأسف الشديد.. عاشت مصر بأزهرها وكنائسها حرة أبية مرفوعة الهامة، وبقى نسيجها الواحد عصيا على الاختراق بفضل جهود رجال مخلصين يعملون ليل نهار لتقوية اللحمة الوطنية وإرساء دعائم المواطنة والتعددية.