الخميس 23 مايو 2024

في ذكرى ميلاده.. سر دموع على الكسار قبل رحيله

13-7-2020 | 19:41

يعتبر عالم الفن صورة مصغرة من العالم الذي نعيشه، ففيه تدور رُحى الأيام، ولابد أن تطحن من يأتي دوره، ففي عالمنا رأينا الكثير ممن اعتلوا قمة المجد وقد طالتهم غيامات التجاهل وتوارى نجمهم مع مضي أيامهم، ويبقى فقط صاحب العمل الجليل الذي نفع وأسعد الجميع .. كان للفن رواداً في مصر، منهم الفنان على الكسار الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده ، وهو صانع البهجة بأسلوبه التلقائي وفي ذكراه نلقي الضوء على أسباب مجده وسر دموعه التي لازمته حتى رحيله.

 

الكسار أمي ثقف جماهيره

في مقال للكاتب المبدع صالح جودت في عدد الكواكب بتاريخ 5 أغصطس 1958 تناول مأساة على الكسار وكيف كانت نهاية أمجاده، وكيف وصلت شهرته إلى باريس عندما ذاعت شهرة شخصية بربري مصر الأول، التي ابتكرها الكسار، وانتهى بنسيان الأجيال له ولفنه الذي استطاع من خلاله أن يبث الموعظة والثقافة من خلال القالب الكوميدي الذي انتهجه في مسرحه، وأكد جودت أن الكسار كان أميا لا يعرف القراءة ولا الكتابة،  ولكن الله بسط له من المواهب ما هو أجل من القراءة وأعظم من الكتابة، وجعل له من ذكائه اللماح علما أجمل من كل علم، فقد رآه جودت ذات مرة مع مدير مسرحه، وكان أيضا أميا، وقد تلقى الكسار خطابا ففتحه وجلس يتمعنه مع مدير فرقته، فيقول الكسار: أنا متهيأ لي ياسي احمد إن الجواب ده من فلان .. فيرد عليه الآخر: لا.. أنا متهيأ لي من علان .. فيرد الكسار: لا .. أنا متهيأ لي إنه بيقول كذا وكذا .. وامتدت التهيؤات بينهما حتى أتى الشخص الذي يثقان فيه فقرأ عليهما الخطاب، وكانت المفاجأة أن تهيؤات الكسار كانت صادقة مائة في المائة.

 

قتلته شخصية البربري

ظل على الكسار قرابة ثلاثين عاما أحد الأعمدة القوية التي يستند إليها الفن في مصر، وظل طوال تلك الفترة غارقا في فنه مخلصا له، يتقمص نفس الشخصية التي ابتكرها وهي شخصية البربري الطيب حلو اللسان الذي يتمنى الخير للجميع ويرضى بعيشته على هامش الحياة .. ولم ينتبه الكسار لتغير الأحداث من حوله وتعاقب الأجيال وتغير ميولهم، فكانت تلك مأساته، رغم أنه رأى منافسه اللدود الفنان نجيب الريحاني انتبه لتغير الزمن والأحداث فسارع بخلع عباءة كشكش بك التي ابتكرها، وانطلق الريحاني يتقمص شخصيات أخرى منها سي عمر وسلامة في خير والأستاذ حمام في آخر أفلامه "غزل البنات".. ورغم أن الكسار ترك المسرح الذي سرق جمهوره قطار السينما ، وقفز الكسار في ذلك القطار الجديد، لكنه ظل مرتديا عباءته القديمة في كل الأفلام التي قام ببطولتها ومنها "بواب العمارة و خفير الدرك والساعة 7 وعثمان وعلي وسلفني 3 جنيه .

 

صانع المسرح الغنائي

رصد التاريخ الفني أن رواد الموسيقى والتأليف المسرحي تجمعوا وظهرت إبداعاتهم في مسرح الكسار، ومنهم سيد درويش وزكريا أحمد وكامل الخلعي وداود حسني وإبراهيم فوزي وحامد مرسي، ما يعني أن الكسار أول من ابتكر المسرح الغنائي في مصر، وهذا ما جعل الريحاني يذهب بنفسه ليشاهد أحد عروضه المسرحية التي يتهافت عليها الجمهور، ليعرف الريحاني سر النجاح ويقوم هو الآخر بتنفيذ ما بدأه الكسار، ويحسب أيضا للكسار أنه مكتشف وراعي المواهب الفنية التي نالت الشهرة ومنهم إسماعيل يس ومحمود شكوكو وعقيلة راتب ورتيبة رشدي.

 

دموع ما قبل الرحيل

أكدت كل الوثائق والشواهد أن الكسار بلغ ذروة المجد وقمة الثراء، وأنفق نقودا بلا حساب على مسرحه وفرقته، ورغم ذلك عاش الرجل في بيت قديم في منطقة شبرا، وقد كان يمكنه شراء العزب والعمارات، لكنه لم يكن يهتم بغير فنه .. ولأن الفن جانب من جوانب الحياة فقد رحلت أجيال وظهرت مواهب أخرى بدأت في سحب البساط من تحت قدميه بداعي التنوع الذي لم يواكبه الكسار، ومع بداية عام 1944 نجد رائد الكوميديا على الكسار بوابا في فيلم "رصاصة في القلب" مع الموسيقار محمد عبد الوهاب، وامتدت تلك الأداور الهزيلة المهينة لتاريخه الفني ولأمجاده تحت وطأة الحاجة ومتطلبات المعيشة، فكرر نفس الدور في أفلام "أمير الإنتقام وآخر كدبة وقسمة ونصيب " وغيرها من الأفلام حتى كان فيلمه الأخير عام 1957 وهو "أنا وأمي" الذي شارك بدور هامشي وهو الجد.

 

في سنواته الأخيرة لم تكن تلك الأدوار الهامشية تلبي احتياجات الكسار المعيشية، فعاد الرجل إلى وظيفة عادية في مدينة طنطا، كان يسافر إليها بالقطار، ويجلس بين الركاب الذين يجهلون مجده وتاريخه .. لتنساب على خديه دمعات ساخنة، فهو الرائد الذي دارت به الدوائر وجارت عليه الأيام .