شوقي بغدادي
ولد عام 1928 في بانياس. أنهى تعليمه العالي في كلية الآداب بدمشق، وكلية التربية معا عام 1951. عمل مدرسا للغة العربية في سوريا والجزائر. ثم تفرغ للكتابة. شارك في تأسيس رابطة الكتاب السوريين التي صار اسمها رابطة الكتاب العرب، وانتخب أمينا عاما لها 1954. له مجموعات قصصية، ودواوين شعرية بدأها بديوان "أكثر من قلب واحد" (1955)ـ نال جوائز منها جائزة اتحاد الكتاب العرب لأحسن مجموعة شعرية 1981.
أقبل الليل
وكان الباب مفتوحا
فأفسحت مكانا للتي تأتي ولا تأتي
فتقضي ساعةً عندي
وتمضي في أمان
إيه يا زائرة الليل
التي تقرع بابي
ثم لا تدخل إلا في غيابي
من تُرى في هذه المرة؟
من غيرك؟
أم لا أحد إلا أنا والريح
في الكهف الذي امتص كياني
أتقرّى فوق ثلج الحائط الصخري
تشكيلا بدائيا
لما يشبه صيادا على ظهر حصان
باحثا عن فجوة أطلقه منها
وأنجو معه
لكنه يهرب من دوني
وأبقى في مكاني
إنني أبحث عن حب
وهذا الحب في غير زماني
وأنا أعرف أني ساذج
أُبدع نصا فارغا
يملؤه القراء من بعدي بآلاف المعاني
إنني أبحث عن دائرة الوجه
التي تحتضن الدنيا
وعن أرجوحة الشعر التي تقذفني
حتى حدود الكون في بضع ثواني
وأنا أدرك أني واهم
أصنع للناس إطارا خاليا
يملؤه الزوار من وحي الدخان
ما الذي يحجب هذا الوجه عني؟
ألأني
مثلما الماء على الرمل يغني
ويرى اثنين من العشاق
فوق الشاطئ الواحد لا يلتقيان؟
أم لأن الوجه لم يوجد
سوى في ابتكار الروح أسطورتها
والمغني جسدا يعبده
من دم اللحن
وأعصابِ الأغاني؟
آه لو كنت أنا حقا أنا
لو خيروني
لو سوى لهجة صوتي
أو سوى لون عيوني
لو سوى الشعر
وغير الثغر
لو غير غضوني
لو سوى الاسم الذي أُعطيتُ
والحزن الذي أهديت
لو بعض شذوذي، واندفاعي، وجنوني
آه لو كنت أنا حقا أنا
لو في بياني
بعض ذرات المجرات
التي يسبح فيها عنفواني
من ترى خططني شكلا
ومضمونا محاني
كلما حاولت أن أدنوَ من نفسي احتواني
ناشراً حرَّاسه ما بين قلبي ولساني
أقبل الليل
فغادرت، وأغلقت ورائي
سوف أختار أنا
في هذه المرة زواري
فيا زائرة الليل ارجعي
إنني أبحث عن شيء يخص الروح
في هذا المساء.